الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-البائِع- .. قصة قصيرة

أحمد فيصل البكل

2017 / 9 / 7
الادب والفن


لم يكن وجهه ذو التعاريج شبه المتغضّنة ، والقسمات المُنقَبِضة ، هو ما أثار دهشتى فى البداية ، ولا نظرته المُفتعَلة الموزّعة بين الركّاب ، وأحسب أننى إنما أصفها كذلك مخافة الاعتراف بعجزى عن فهمها ، فثمة عفوية باطنة تسكنها ، غير أنها مستترة خلف نظرة ناضجة تعرف تماما ماذا تريد ، نظرة كبار ، كبار هذا العصر بالذات ، وليس أي عصر آخر .

جعل يروّج لمناديله الورقيّة وهو يقلّب نظره بين الوجوه وكأنه يعرف "زبونه" بالغريزة ، ضابطا إيقاع نبرته دون علو أو انخفاض ، كأنما ينطوى صوته على ميزان حسّاس لا تعوزه دقّة أو رهافة ، وبدا في خُطاه وكأنه قد خبُر عربة المترو "شبر شبر" ، كأنه أمير يمضى فى مملكته الخاصّة . راح يحدّق فى تلك الكتل الجسديّة المصطفّة لعلّه يظفر من أحدهم بشيء ، وعلى مشارف إحدى المحطات أشاح بوجهه عن تلك الأجساد الشمعيّة الساكنة وكأن على رؤوسها الطير ، قبل أن يلملم ذيل جلبابه متأهّبا للنزول ، غير أن التفاتة خاطفة استولت عليه على حين فجأة فارضةً سطوتها على كيانه فرضا ، وبدا كأنه مَجذوب تحت سلطان قوّة قاهِرة لا سبيل لمقاومتها .

استقر بناظريه في عينىّ ، ولست أدرى لماذا خُيّل إلىّ أن ثمة رصاصتين نحاسيتين تختبئان تحت الثقبين السوداوين المحفورين فوق أنفه الصغير ، تتربّصان بى أنا بالذات . بى أنا وحدى . كانت التفاتة مفاجئة لم تنُم عنها أو تهيّىء لها إيماءاته المضطربة القَلِقة ، إذ كان جسده يتململ فى مكانه وكأنه يستقر على جَمرة من نار . وحين كانت تشارِف العربة على التوقّف كان يبلغ توتّره حدّه الأقصى ليبدو كأنه يتوسّل القفز على أى نحو ، يبدو لى ، وليس لغيرى . وإذا التفت كان يبزغ فى عينيه ألَق الأمل ، كأنما قد عثر فى دهشتى على سر الخلاص ، كأن أرض الهند التى ينام الفيل ليحلم بها قد تمثّلت أمامه فى عينىّ كاملة ، تامّة . وبين إرادة القفز ، والتفاتة الأمل ، غلبتنى رغبة نزقة في إشعال سيجارة استعين بدخّانها على فقد تلك الصورة الكاريكاتورية ، وأقنعت نفسى أنّى قد عقدت العزم على ذلك ، ورحت أفتّش في العلبة عن سيجارة ، قبل أن اُفاجأ بالكائن الكاريكاتورى الذي لم يتجاوز عامه العاشِر على الأرجح وقد تلاشى دفعة واحدة ، فحاولت أن اتبيّن أثره وسط الكُتَل الحيّة ، ولكن بلا جدوى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا