الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذاكرة الراهن 21

نور الدين بدران

2006 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


من ذاكرة الراهن (21)


الأخ غسان مفلح المحترم ، تحياتي ، وشكرا على تحيتك الصرف.
كسائر أعضاء الجسد ، شاخت ذاكرتي .
في زمن السرية البائس ، كنا نتمرن على محو الذاكرة ، مخافة القمع والبوليس السلطوي والحزبي.
تضافرت تلك التمارين المضادة للطبيعة ، مع الزمن الطبيعي ، كانت النتائج مذهلة ، ومذلة.
في إحدى ليالي المنفى ، سهرت ساعات طويلة في حالة تأمل كراهب بوذي ، لكني لم أصل إلى النيرفانا، مع أن كل ما كنت أصبو إليه هو أن أتذكر وجها واحداً ، أي وجه من وجوه أفراد أسرتي ، أمي أو أبي أو أختي أو أخي.
بعد ذلك الإخفاق الذريع ، تساءلت : ماذا يحدث لرفاقي الذين تنهش السجون أعمارهم؟ وتناسل هذا السؤال كالأرانب : إذا كنت أنا الآن في أمان وبكامل قواي ، فما الذي يحدث لمن هم تحت التعذيب في جوف الليالي الباردة وجروحهم مفتوحة على هاوية النسيان؟.
كما فهمت من بعض مقالاتك أنك كنت واحداً من أولئك الذين كنت وسأبقى أفكر فيهم ، مادام هناك قبو واحد في العالم.
حين قرأت بريدي ، وردت تحيتك كالبرق فيه، خاطبتني باسم كنت أستخدمه كقبعة إخفاء، أيام انفلات الشياطين في الشوارع .
تأكدت بعد ذلك أنك تعرفني وأني بلا ذاكرة أو ببقايا ذاكرة.
أمد لحضرتك يدي لتساعدني ، لترمم تلك البناية التي كنت أفاخر بها ، أعني ذاكرتي.
هل التقينا ؟ متى ؟ وما هي قبعة إخفائك؟
كنت خجلا وجعلني خجلي أتردد : أبوح لك أم أحتال على نفسي ، كما تفعل عجوز متصابية أمام المرآة؟.
مازال خجلي الذي هزمته في هذه المعركة قوياً ، ما زال يشدني ، لهذا تأخر ردي بضعة أيام ، لهذا تتعثر كلماتي الآن.
أمر آخر ساهم في تأخر الرد ، أني لم أطلع على الرسالة في تاريخها ، بل بعد وصولها بأيام .
يبدو أني ومنذ سنوات بعيدة ، انتهت صلاحيتي إلا لالتماس الأعذار من الكلمة والناس والزمن ، وحضرتك لن تكون الأخير في هذا المطاف الخريفي.
أتمنى ألا تصفح ، كيلا ينكزني رمح الشعور بالذنب أكثر.
شكراً للحضارة التي أهدتنا منجزاتها ، ليت الهدية وصلت قبل أن أدخل سرداب العمل السري، الذي كان في حقيقته أكثر علنية من النعامة.
إني أقرأ صورة عمري وتجربتي ، ويسرني جداً ألا يوافقني أحد على هذه القراءة ، بالقدر عينه فيما لو وافقني كثيرون .
لا أدري إذا كان هنا الوقت والمكان المناسب للاعتراف الذاتي الآتي : أحب السينما العالمية وبوجه خاص السينما الأميركية ، ليس فنياً وحسب ، بل ومعرفيا أيضا، لاسيما حين تتطرق إلى التاريخ الأميركي فتضعه أمامنا عاريا تماما ، من الهنود الحمر أو بالأصح السكان الأصليين ، مرورا بالعبيد والعصابات والتمييز العنصري ، وليس انتهاء بفيتنام وغيرها.
أحب هذه السينما أيضا ، لأنها تقول لمواطنها عبر أبطالها : الأميركي لا يقهر، يدمر ويهزم كائنات الفضاء المعتدية ، ويكافح الجريمة والمخدرات ويطلق نشاطاته إلى أبعد الكواكب.
أحب مبالغاتها الخرافية كسوبرمان وبات مان وغيرهما، لأنها تحلم وتفعل ، ولا تقدس ، لأنها تعرض ما يحوي صندوق بلادها من أرقى ما ابتكر الإنسان إلى أقصى شروره وانحطاطه ، وكأنها تقول أنها هي العالم كل العالم.
هل أخطأ خليفة عربي أو حاكم أو مسؤول ولو في فيلم أو مسلسل أو تمثيلية؟
كثير من الأيدي القذرة تشير إلى الحضارة على أنها خيانة ، بصورة أقل وقاحة من أهل اليوم ،أحبط بالأمس مشروع النهضة العربي، ودفن بتراب التبجح الوطني والقومي والديني ، أمثال شبلي شميل ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وعبد الرحمن الكواكبي وكثر لن تتسع لأسمائهم صفحات الأرض والسماء.

نور الدين بدران.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد