الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفسية الشعراء

صاحب الربيعي

2006 / 2 / 13
الادب والفن


يصاب معظم المشتغلين في شؤون الفكر والعلوم والثقافة بمرض النرجسية التي تفرض أنماطاً محددة من السلوك والممارسة مع المحيط يؤطرها العزلة والانزواء سعياً لاستثمار الزمن في أقصى حدوده وتكرسيه لفعل الاكتساب المعرفي لإنتاج معرفة جديدة، ويقرأها المحيط بقراءة غير حقيقية ويوسمها بالكبرياء والتعالي عليه. ويخلق الجهد المعرفي المتواصل حالة من الهوة المعرفية بين المثقف والمجتمع بحيث يصعب عليه التواصل مع محيطه المتدني الثقافة والمعرفة، والذي يهدر معظم وقته بالأحاديث والأعمال التافهة دون أن يعي حاضره ومستقبله.
إن مرض النرجسية ينقسم إلى نوعين: نرجسية ممتلئة تطال العلماء والمفكرين وتفرض عليهم أنماط محددة من الحياة لكنها في المحصلة تسفر عن إنتاج علوم وأفكار إنسانية ينتفع منها المجتمع. وهناك نرجسية فارغة تصيب (في الأغلب الأعم) المتثاقفين من الشعراء الذين يدعون المعرفة بما يجانب الحقيقية والواقع نتيجة حالة الهيام والخيال التي تطالهم.
عموماً كل مهنة في الحياة تفرض خصائصها على ممتهنها، فالحلاقون يوسمون بالثرثرة والتجار بالكذب والشرطة مرتشون والناشرون لصوص.......وممتهن حرفة الشعر من عموم الشعراء متناقضون، مدعون، هائمون، مخالفون ومصابون بداء النميمة والنفاق ويختلقون العداوة.....تلك المواصفات ليست من خاصة الفرد فيهم لكنها من خصائص امتهانهم لحرفة الشعر.
يخاطب ((أبو عباد ثابت بن يحيى)) الشعراء قائلاً:" يا معاشر الشعراء، لا أعلم أهل صناعة أملأ لقلوب العامة منكم ولا النعم على قوم أظهر منها عليكم. ثم إنكم في غاية التقاطع عند الاحتياج، وفي ذروة الزهد في التعاطف عند الاختلال، وإنكم لتتناكرون عند الاجتماع والتعارف تناكر الضباع والسلاحف".
تطال النرجسية الفارغة معظم المشتغلين في حرفة الشعر خاصة الذين عانون من تصحر معرفي، كونهم لاينهلون آليات ومفردات نتاجهم الشعري من منظومة الوعي وأنما من حالة اللاوعي التي تنتابهم. فهي حالة غير مستقرة تنعكس على نتاجهم، فالقصيدة الشعرية يطالها التعديل والتصحيح لمئات المرات لتكتمل وغالباً ما يعدل الشاعر بعض مفردات قصيدته بعد مرور عشرات السنيين على نظمها نتيجة حالة القلق وعدم الاستقرار والوجل التي تنتابه.
وبخلافه عند المشتغلين في الشؤون الفكرية والعلمية فبالرغم من أنهم ينهلون من حالة اللاوعي آليات نتاجهم يفرض عليهم النهج العلمي إخضاعها لمنظومة الوعي، لتحقق من صدقها بالبراهين والأدلة. ويأسر المفكر والعالم عالمين: عالم اللاوعي ينهل منه آليات علمه، وعالم الوعي الذي يستخدم تلك الآليات ويخضها للتجربة للتحقق من صدقها فإن ثبت صدقها أخذ بها وإن لم يثبت صدقها مع الواقع بالأدلة والبراهين طالها الإهمال.
في حين أن الشاعر يأسره عالم واحد (عالم اللاوعي) ينهل منه آلياته ومفرداته وخياله وهيامه ولايهتم بصدق الفكرة وتطابقها مع الواقع، فيستخدم التشبيه كدلالة غير واقعية والوصف المخالف للواقع والمديح المجافي للحقيقية والذم الخالي من الصدق.
وبهذا فإنه يتقمص خصائص حرفته التي تفصله عن محيطه فتجده غير مستقر، يغير مظهره الخارجي باستمرار ويتقمص أدوار وشخصيات شاذة بعيدة كل البعد عن محيطه. وتلك الحالة أيضاً تطال سلوكه وتصرفاته ونتاجه الذي يمدح مرة المجتمع ومرة أخرى يشتمه وكذلك مواقفه تكون متأرجحة بين اليمين واليسار والشرق والغرب ولايستقر على رأي أبداً. وقلة هم الشعراء الذين لم تتغير مواقفهم خلال مسيرة حياتهم، وكانوا أمناءً لأفكارهم ومهامهم الإنسانية.
لاتنعكس حالة عدم الاستقرار والهيام والقلق المستمر التي تطال معظم المشتغلين في حرفة الشعر على محيطهم فقط، وأنما على وسطهم الشعري فهم أكثر الأوساط الثقافية التي تتفشى فيها النميمة والانتقاص من أقرانهم ويختلقون العداوة فيما بينهم ويعي كل منهم أنه ينال من الآخر عند غيابه.
يحلل ((علي أدهم)) تلك الحالة قائلاً:"إن الشعراء ليسوا أوسع الناس خيالاً حسب، وأنما أشدهم توتر وإحساس ولذلك فهم شديدي الغضب والغيرة والخلاف والمنافسة واختلاق العداوة والإصرار على القطيعة فيما بينهم وكذلك مع الآخرين".
إن حالة النرجسية الفارغة التي تطال معظم الشعراء يمكن لمسها بوضوح في المجتمعات التي يأسرها الموروث القبلي فيكثر فيها عدد (الشعراء!) الذي لايجيدون قواعد اللغة ولا بحور الشعر لكنهم يجدون السوق لتصريف بضاعتهم اللاشعرية ويصفق لهم الجمهور الجاهل. ويتخيل معظمهم أنهم بلغوا المكانة والحظوة الاجتماعية، فيصابوا بالغرور ويتصنعوا الكبرياء والثقافة ويتقمصوا الأدوار ويختلقوا القصص والأحداث سعياً للشهرة وكسب الأضواء!. وإن فشلوا في ذلك يصابون بالخيبة والانكسار ويحقدوا على محيطهم ويفتعلوا المشاكل والعداوات مع الآخرين كحالة خارجة عن حدود وعيهم، لإعادة الاعتبار لأنفسهم والسعي نحو دائرة الضوء من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده