الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق حزب الله

سلامة كيلة

2006 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


في الوضع الراهن يبدو أن حزب الله يُقاد إلى مأزق عميق، نتيجة التغيّرات الإستراتيجية في إطار الجغرافيا السياسية المحيطة، على ضوء التغيّر العالمي الهائل، و ميل الدولة الأميركية إلى السيطرة، و إعادة بناء النظام العالمي وفق مصالحها. بما يعني إنهاء كلّ البؤر المتمرّدة، أو التي لا تتوافق مع الرؤية الجديدة. و بالتالي، و بعد إحتلال العراق، أصبح مطروحاً تغيير الوضع في سوريا و لبنان في الإطار ذاته ( و لكن دون إحتلال )، عبْر " إعادة تأسيس " النظامين في إطار الرؤية الأميركية ( التي تعبّر عنها صيغة النظام السياسي الذي يتشكّل في العراق ).
في هذا الوضع يصبح وضع حزب الله حرجاً، لأن المواجهة أكبر من قدراته. كما أن تكيّفه مع الوضع الجديد لن يكون سهلاً.
فقد تأسّس حزب الله كحزب شيعي، لكنه نشط كقوّة مقاومة ضد الإحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني، و بدا أنه إستمرار لجبهة المقاومة اللبنانية ( اليسارية )، رغم حساسية العلاقة التي نشأت بينهما في المرحلة التي بدأ نشاطه فيها، بل رغم التناقض الذي كان يحكم هذه العلاقة، من زاوية الصراع بين الدين و اليسار، أو بين الأصولية الدينية و اليسار. لكنه أصبح في الأخير ممثّل المقاومة و رائدها، خصوصاً بعد الإنسحاب الصهيوني الذي بدا كهزيمة لجيش كان يُعتبر أنه " لا يُقهر ".
و لاشكّ في أن خروجه منتصراً في هذه الحرب، جعل منه قوّة لبنانية كبيرة، بدت أنها أكبر من حجم محدودية إنتمائه الشيعي. الأمر الذي جعل وضعه في المعادلات اللبنانية الداخلية مربكاً، و هو إرباك ناتج عن التفارق بين كونه قوّة مقاومة تحظى بدعم لبنانيّ عام، و بين كونه قوّة شيعية فقط، يتحدّد وضعها في المعادلة اللبنانية إنطلاقاً من حجم الشيعة العددي في التكوين اللبناني. هذا الوضع جعل قوّته الواقعية أكبر بكثير من قدرته على التأثير في التكوين السياسي اللبناني.
و رغم أنه لم يشأ المشاركة في الحكومات اللبنانية ( إلا الأخيرة )، فإن وجوده في البرلمان ظلّ ضمن الحدود الممكنة في إطار معادلات الطائفة الشيعية فقط، الأمر الذي جعل تأثيره في النظام السياسي محدوداً، و يرتبط في الغالب في الجانب المعنوي لدوره المقاوم، لكن دون أن يُسهم في تقرير سياسات. و بالتالي فإنه لا يستطيع أن يُخضع الدولة اللبنانية لمشروعه، و في الوقت نفسه لا تستطيع الدولة اللبنانية إخضاعه لسلطتها. و الميل لحرب أهلية سواء بدأت من قِبل الدولة ( أو أيٍّ من أطرافها )، أو من قِبل الحزب، لن تقود إلى إنتصار، بل ستفضي إلى تدمير هائل يطال كلّ لبنان.
هذا المأزق ظهر واضحاً منذ الإنسحاب الصهيوني، و هو مستمرّ. و لقد " أُخفي " عبْر السيطرة السورية على لبنان، التي كان حزب الله أحد " حلفائها " ( أو أدواتها في الصراع الإقليمي )، و التي فرضت سلطة تعطي الشرعية لحزب الله بوجوده المسلّح المستقلّ عن الدولة، و عبْر سيطرته التامة على الجنوب. و كانت المعادلة العامة المفروضة هي لمصلحة هذا الحزب. لكن الإنسحاب السوري، و تغيير معادلة السلطة في لبنان لغير مصلحة النظام السوري، أوضح إشكالية وضع حزب الله، و حدود قدرته، و أشار إلى " القيد " الذي يفرضه الطابع الشيعي للحزب على أهدافه و قدرته العملية. حيث أن طائفة مهما كانت قوّتها لا تستطيع السيطرة على بلد متعدِّد الطوائف و الأديان. و أن القيمة المعنوية التي تبلورت عبْر الدور المقاوم تصطدم بحدود التكوين الطائفي مما يقلِّل من فِعلها، و يقلّص من قدرتها على إستقطاب قطاعات واسعة فوق طائفية، داعمة للمقاومة. في الوقت الذي تتحوّل فيه تلك القوّة إلى مشكلة في إطار التكوين السياسي الجديد للنظام اللبناني، دون أن تؤثّر في طابعه، على العكس فهي في هذا المجال تتوضّح كجزء طبيعي من هذا التكوين، لآنها تمثّل طائفة في إطار نظام يقوم على " المحاصصة الطائفية ".
و إذا كان الحزب يشير إلى فلسطين، و يعتبر أن لديه طموح في الصراع ضد المشروع الصهيوني، دون أن يجهر بذلك، فإن مزارع شبعا هي المبرِّر الوحيد لإستمرار وجوده المسلّح، و لإستقلاليته العسكرية عن الدولة اللبنانية، رغم الإختلاف الدولي حول مزارع شبعا. حيث سوف يؤدي الحسم الدولي بـ " لا لبنانية " هذه المزارع، أو إعادتها إلى لبنان، إلى الدخول المباشر في المأزق. ليصبح قوّة مسلحة تمثّل طائفة معيّنة، لا هدف لها إلا التعبير السياسي عن هذه الطائفة. مما يجعل السلاح عبئاً لأنْ لا مبرِّر له، ما دام الحزب لا يستطيع الجهر بأن له هدف آخر يبرِّر حمله السلاح ( أيّ فلسطين )، و إذا ما جهر فسيصبح خارج الشرعية اللبنانية لأن النظام المعقّد الذي تشكّل في المجالين الإقليمي و الدولي يجعل هذه الخطوة " غير شرعية "، حيث أصبحت " الدولة القطرية " هي أساس العلاقات الإقليمية المدعّمة من النظام الدولي، و من هذا الأساس أخذ الحزب شرعيته الإقليمية و الدولية كونه يعمل على إسترجاع الجنوب اللبناني. و هو ما يؤكّده في سياق حربه في مزارع شبعا، رغم إختلاف النظام الدولي معه على ذلك.
ما يبدو هنا أن الحدود الطائفية أصبحت عائقاً أمام إستثمار الحزب لإنتصاره في الجنوب، و للقيمة المعنوية التي بات يمتلكها. فهو لا يستطيع إستثمار هذه القيمة المعنوية من أجل إعادة صياغة الدولة اللبنانية في سياق مشروع مقاوم، و يهدف للنضال من أجل فلسطين. و هذا الوضع يضع الحزب في مأزق كبير، خصوصاً بعد إنكشافه بعد الإنسحاب السوري من لبنان، و نهاية الهيمنة عليه. و ستبدو المسألة أكثر تعقيداً الآن، على ضوء الميل الإمبريالي الأميركي ( بالتوافق مع الدولة الصهيونية ) إلى تغيير جيوسياسي عميق، يفرض السيطرة الأميركية على سوريا و لبنان، كما يفرض " السلام " مع الدولة الصهيونية.
إن ما كانت تريده الدولة الأميركية مما جرى في لبنان هو بدء مسيرة تغيير النظام في سوريا. و لاشكّ في ا، كلّ النشاط الذي تلا إغتيال رفيق الحريري كان نتيجة سيطرة مشينة مارستها مافيات إقتصادية أمنية سورية في لبنان طيلة ما يقارب الثلاثين سنة، أسّست لإحتقان شعبي لدي قطاعات واسعة من كلّ الطوائف، عملت أحزاب الطوائف و " الإقطاع السياسي " اللبناني على إستغلالها لمصلحة مشاريع مافياوية كذلك. لكن الدولة الأميركية هي أكثر مَنْ يستغلّ ما جرى، فهي الأقوى عالمياً، كما أنها الماسكة بخيوط عديدة في سوريا و لبنان.
و بغضّ النظر عن شكل التغيير، فإن الهدف الأميركي الآن هو التغيير. و تحقيق ذلك يعني تعزيز دور القوى المنخرطة في المشروع الأميركي في لبنان، و فرض الحصار العسكري و السياسي على حزب الله، و قطع طريق الإمداد الواصلة إلى إيران. و بالتالي وضع الحزب بين فكّي كمّاشة. ليُفرض عليه إما تسليم أسلحته و التحوّل إلى حزب سياسي يمثّل الشيعة، أو اللجوء إلى القوّة من أجل إنهاء وجوده العسكري. و ستكون هذه المهمة موكولة إلى قوّة خارجية: أميركا أو الدولة الصهيونية، أو إلى النظام السوري الجديد.
ماذا يستطيع أن يفعل حزب الله في هذا الوضع المعقّد و المخيف؟ إذا لم يردْ أن يتحوّل إلى حزب في التكوين السياسي اللبناني فليس أمامه سوى أن يخرج من جله الطائفي، و أن يتحوّل إلى قوّة مقاومة عابرة للطوائف في مواجهة المشروع الإمبريالي الأميركي. خصوصاً و أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة مواجهة تشمل دولاً عديدة من العراق إلى فلسطين مروراً بسوريا و لبنان. و هي مواجهة تتطلّب أن تكون وطنية توحّد كل المعنيين بالمواجهة بغضّ النظر عن دينهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي