الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالإستفتاء أو من دونە ... إصطدام الکرد بالحشد في حکم المؤکد

جبار قادر

2017 / 9 / 12
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


یخطأ من یعتقد بأن أسباب الهجمة الشرسة علی الکرد تکمن في دعوة الأخیرین الی الإستفتاء لتقریر مصیرهم. الأسباب أعمق من ذلك بکثیر وتتجذر بعمق في العقل الجماعی العربي العراقي، تأتي في مقدمتها النزعة القومیة العنصریة بنموذجها البعثي الفاشي، التي قضت أجیال عدیدة من العراقیین معظم سني عمرها في ظل سطوتها وقسوتها. إنتمي أبرز من یتصدرون الواجهة الیوم ویکیلون التهم والشتائم الی الکرد الی هذە المدرسة بالذات وکانوا في خدمتها حتی سقوطها المدوي في التاسع من نیسان ٢٠٠٣. سأکتفي هنا بالإشارة الی "القاضي" وائل عبداللطیف الذي هدد المسؤولین الکرد في بغداد بالقتل والسحل ونصحهم بجمع أغراضهم والإستعداد للرحیل قبل أن یفوت الأوان. إذا کان هذا دیدن قاضیهم الذي وکلت إلیە حمایة حقوق الناس، فإقرأ علی الآخرین السلام. معاناة هؤلاء الناس کبیرة في قبول الآخر، خصوصا إذا کان هذا الآخر کردیا. لقد تربی هؤلاء علی التعامل الفوقي مع الآخر المختلف عنهم. طبعا لم یکن في مقدور النظام المهلهل، الذي ظهر بعد عام ٢٠٠٣ والذي جمع الأفاقین وسفهاء القوم من کل حدب وصوب والقاضي من بینهم، أن یکون بمستوی التفکیر أصلا لتبني برنامج وطني یقدم بدائل مقبولة عن تلك الأفکار المدمرة للأوطان. الأنکی من ذلك أن الطغمة الحاکمة الجدیدة أضافت الی تلك الأفکار المسمومة جرعات قاتلة من التعصب المذهبي والطائفي. لذلك فإن الأمل بقیام نظام مدني قائم علی مبادئ المواطنة وسیادة القانون قبر في مهدە. وحل محل نظام صدام الدموي نظام طائفی قائم علی نهب الثروات ونشر الخرافات والخزعبلات بین الناس.
من سوء حظ العراقیین أن أجیالا عدیدة منهم قضوا معظم سنوات عمرهم في ظل الحروب العبثیة للأنظمة التي حکمتهم وهم یحصدون الان نتائجها الکارثیة. یخال للمرء أن الحیاة في ظل الفوضی والحروب أصبحت جزءا من الثقافة العراقیة التي لا تستطیع العیش بعیدا عنها أو تتحرر منها. لم نشاهد حکومة عراقیة حکمت البلاد خلال العقود الستة الماضیة دون شن الحروب وخلق الأزمات. الأنکی من ذلك کلە أن هذە الثقافة یجری تمجیدها منذ عشرات السنین تحت غطاء شعارات قومیة عنصریة أضیفت الیها أخیرا الطائفیة أیضا، فمناهج التعلیم في المدارس وحتی الجامعات ملیئة بمفراداتها السقیمة. وهناك دوما جیشا من المرتزقة من الإعلامیین ووعاظ السلاطین والمحللین السیاسیین وحتی "الأکادیمیین" علی أهبة الإستعداد للتنظیر لها وصب الزیت علی نیرانها. ولا تبدو هناك بارقة أمل في تحرر الناس من هذە الأفکار المدمرة، الأمر الذي یدل علی أنهم لم یتعظوا من دروس الماضي القریب وسوف یعیدونها دون ریب في المستقبل أیضا.
من المؤکد أن میلیشیات الحشد الشعبي، التي لاتلتزم بأیة نظم أو قوانین ستتقاتل فیما بینها بعد أن ینتهي قتالها مع داعش في المناطق السنیة وبعد أن تکون قد نهبت آخر ممتلکات السکان المدنیین هناك. ولتفادي هذا السیناریو یعمل بارونات الحروب في قیادة هذە المیلیشیات وبإصرار علی إشعال نار قتال جدید ضد الکرد هذە المرة کي تشغل هذە القطعان السائبة عن مقاتلة بعضها البعض. ویجري تشجیع أفراد هذە القطعان من خلال ما یمکن أن یحصلوا علیە من نهب ممتلکات و ثروات الکرد الذین یعیشون برأي هؤلاء في بحبحوة تفتقر الیها مناطقهم. طبعا لا یشیرون من قریب أو بعید الی أسباب تخلف مناطقهم والفقر المدقع للناس فیها وعدم مد ید الإعمار والتطور الیها بسبب نهبهم للثروات وتقاسمها فیما بینهم.
ثقافة الفرهود ورثتها القبائل جیلا عن جیل وحاولت الحکومة في العهد الملکي أن تسیطر علیه وتقننه من خلال توجیهه ضد ممتلکات الیهود. ولکننا في العهد الجمهوري الزاهر أصبحنا شهودا علی تفشي هذە الظاهرة التي لم تعد تقتصر علی العشائر فقط، بل أن قطعات الجیش والذین سموا بفرسان خالد بن الولید ومن ثم الجیش الشعبي نهبت علی مدی نصف قرن من الزمان مناطق واسعة من کوردستان لعشرات المرات، کان آخرها نهب ممتلکات الکرد في کرکوك عام ١٩٩١ من قبل "جیرانهم" من المستوطنین العرب الذین جئ بهم بهدف التعریب الی هذە المدینة المنکوبة. لم تقتصر هذە الثقافة علی ضعاف النفوس من أفراد الجیش والجحوش، بل تحولت الی ثقافة عامة تبنتها الدولة العراقیة بصورة رسمیة في ظل حکم البعث. لقد نهب العراق دولة الکویت ولم تبقی مؤسسة عراقیة لم تشارك في عملیات النهب هذە، حتی الجامعات العراقیة أجبرت علی المشارکة في هذە الجریمة النکراء. وهناك الاف الأدلة التي تؤکد هذە الحقیقة ولاینکرها الا من کان في نفسە مرض.
لقد تجرأت المیلیشیات وقادة المجموعات الطائفیة بعد أن إبتلعت الدولة العراقیة الی إطلاق التهدیدات والکشف عن وجهها الحقیقي وبدأ زعماؤها یتحدثون بصراحة ضد الفدرالیة في دولة یحکمونها وتؤکد المادة الأولی من دستورها علی أنها دولة فدرالیة. فقد صرح زعیم میلیشیات بدر هادي العامري بأنهم ضد الفدرالیة، لأنها تؤدي حسب مزاعمە الی تقسیم البلاد. هل یمکن للکورد أن یعیشوا في ظل دولة یحکمها أناس مثل العامري؟. هؤلاء الذین کانوا یطالبون في السنوات الأولی بعد سقوط نظام صدام بالفدرالیة لمناطقهم، تحولوا الان الی الحدیث ضدها بعد أن تمکنوا من تدمیر المناطق السنیة ولم یبقی من یعیق محاولاتهم لإقامة نظام ولایة الفقیە في البلاد سوی الکورد. لذلك فإن من لدیە أدنی شك في قیام هؤلاء بشن الحرب علی شعب کوردستان لابد أنە یعاني من خلل کبیر في تقدیر الأمور.
هؤلاء الذین إدعوا معارضتهم لنظام صدام لسنین طویلة وتطلعهم للقضاء علی میراثە، لم یلغوا من قوانینە وقراراتە إلا تلك التي کانت ضد مصالح طائفتهم. أما القرارات التي سنت ضد الکرد فقد بقیت کما هي دون تغییر. لقد استماتوا في الدفاع عنها والعمل علی إبقائها. کما أنهم تصدوا للدفاع عن النتائج "الباهرة" لسیاسات التعریب الإجرامیة في کرکوك وغیرها من المناطق الکوردستانیة وبدؤا یکشفون عن نیاتهم الحقیقية لتکریس تلك النتائج علی الأرض الکوردستانیة.
من هنا فإن صراخهم وعویلهم ضد الإستفتاء لیست سوی غطاء کاذب لما یخفونە من مطامع ونیات خبیثة ضد شعب کوردستان ومکتسباتە المتحققة. یجب أن لا ینخدع أحد بتقیتهم ونفاقهم وکلماتهم المعسولة عن الاخوة والمواطنة وما الی ذلك من الشعارات الجوفاء التي لایؤمنون بها مطلقا. کما أن محاولاتهم المستمیتة لتصویر تطلعات شعب کوردستان وکأنها رغبات شخصیة لهذا الزعیم أو ذلك الحزب لیست سوی وسیلة مکشوفة وساذجة لشق الصف الکردي والإصطیاد في الماء العکر.
من المفید في هذا المجال أن نذکر هذە الأوساط بأنهم لن یحصدوا من محاولاتهم هذە سوی الخذلان یوم لا ینفع الندم. لم یتمکن صدام حسین وحزبە وفیالقە العسکریة واسلحتە الکیمیاویة من کسر عزیمة الکرد وإرغامهم علی الخضوع لسلطتە القمعیة. کما أنە لم یتمکن ڕغم ما صرفە من أموال طائلة لشراء ذمم المستوطنین العرب، الذین أتی بهم الی کرکوك والمناطق الکوردستانیة الأخری لتعریبها وتهجیر عشرات الالاف من العوائل الکردیة منها، لم یتمکن أن یزیل عنها سمتها الکوردستانیة. هذە التجارب الفاشلة هي التي أوصلت العراق الی هذە الحالة البائسة التي یعیشها الیوم والتي لا تشرف أحدا من الذین تصدوا لحکمە خلال نصف قرن من الزمان. الا یدعوکم کل هذا الی الإستفاقة من الأحلام الخیالیة التي تراودکم؟.
أنا ضد الحروب والقتال بین الناس في أي مکان من العالم، ومن الطبیعي أن لا أتمناها لأهلي وأحبتي، إلا أنني أری أن هناك قوی شریرة تدفع بالأمور بهذا الإتجاە الخطیر وإذا لم یتمکن عقلاء القوم من قطع الطریق علی هؤلاء، فإننا سندخل نفقا مظلما لن یخرج منە أحد بسلام وفي مقدمتهم أولئك الذین یعملون علی تسمیم الأجواء وبث الفرقة والشقاق بین الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟