الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشق القيود!

أكرم شلغين

2017 / 9 / 13
الادب والفن


بأمنياتنا المشروعة ولكن الخوف يجعلنا نراها تفوق إمكانيات واقعنا، بحركاتنا المرتعشة لعدم الثقة حيناً والمنضبطة بحذر حيناً آخر، وبأحوالنا المتخبطة نبدو وكأننا نقوم بدور مسرحي تتناهى حدود الفصل فيه ما بين الحياة كواقع نعيش فيه وما بين الأدب بمقاييسه وأدواره لدرجة لو أننا استطعنا أن نتصف بالمحايدة والموضوعية للحظة لاختلط علينا الأمر ولما عرفنا إن كنا نعيش حياتنا واقعاً أم أننا نلعب أدواراً مسرحية لشخوص بيكيت! هكذا نحن، وبقدر ما يبتعد بعضنا عن الدقة في الملاحظة أو التعالي على الواقع ليرى أن شخوص بيكيت ممسوخة مسخوطة من نواميس وقواميس هذا العالم ولا تمت لنا أو للعالم بصلة، بقدر ما هي تمثلنا في هذا العالم، بل وهي أفضل من يروي حكايتنا والعالم!
تبدأ شخوص بيكيت كلامها بما يدل على استمرارية لحوار شرعت به من قبل، وتنتهي بما يشبه ما بدأت به وتترك مجالاً لتخميناتنا أن الحوار سيتكرر ويلاك مراراً، ولن يخرج عن ذلك النطاق فلا البداية جديدة ولا النهاية تشير إلى ما يسدل الستار على ما بعد البداية. هكذا نحن لم نبدأ حين ولدنا وجئنا للحياة بل حكايتنا بدأت قبل والولادة وتستمر بمشاهد وفصول تتكرر؛ لقد أعدت قصتنا من قبل ولم نختر أي شيء في تفاصيلها مهما كانت، هويتنا موجودة إذ أن هناك من أعطانا الاسم وأورثنا اللون والحجم والطول بل والمرض، والأنكى أنه أعطانا العقيدة التي لا خيار لنا إلا بقبولها ولعب دور المدافع عن كل ما فيها ـ حب كان أم كراهية ـ بعالم واقعه ترقية نفسي وعدم قبول الآخر. من هنا فالولادة والموت وما بينهما ليسوا إلا مشاهد من أدوارنا في مسرحية الحياة نلعبها وليس لنا، بكل ما فيها من مرارة، أي هامش للتفكير في الدور. وحقيقة أننا شخوص تؤدي أدوارها يجعل من تساؤلاتنا أو تطلعاتنا أو طموحاتنا للتغيير إما محدودة ومقيدة أو أنها، وإن سبحت في فضاءات كونية، فإنها مرتهنة بقيود ذاتية مغروسة فينا بحكم كل شيء: العقل، المُقَولَبْ، الخاضع، المذعن أكثر من الواقع والحجم الذاتي والمحدودية في مقدراتنا. وكما شخوص بيكيت تتكلم عن الأمنيات ولكنها مسلوبة الإرادة نحن كذلك نتمنى الأفضل ونخرج أمنياتنا كلاماً وأشعاراً حزينة حتى ولو أردناها فرحة ـ ولكننا لا نستطيع أكثر من ذلك أو القيام بأي عمل حيال مرارة وبؤس ما نحن فيه وتنقصنا الإرادة بفعل الخوف الذي شربناه وارتضينا أن نعيش عليه! وإن كانت حركات ومضمون حوارات شخصيات بيكيت ليست إلا عبثية إذ تتفوه بالكثير وفي المحصلة النهائية تبدو وكأنها لا تنطق شيئاً، نحن كذلك نحكي ونحكي وتبقى أقوالاً أعجز من أن تجد طريقاً لتكون أفعالا أو أن تقوى على أكثر من النطق بالأمنيات.
وحين تبدو أهداف شخصيات بيكيت بلا معنى أمام محدودية مقدراتها ـ كما في معظم مسرحياته ـ وأمام افتقارها إلى استنباط الجديد بفعل توضّعها داخل دوامة لاهي تعرف ما بخارجها ولا هي تستدل على ما يخرجها منها، فتنحصر اهتماماتها وتضل طريقها وتعجز سبلها، تتحدث بادئة بما انتهت به ومنتهية بما بدأت به...تحلم بالجديد وتبقى قديمة، تنتظر ولكن المنتظَر(بفتح الظاء) لا يحضر فتنتظر وتنتظر حتى نسيت لماذا تنتظر بل وأصبح الانتظار يبدو هدفاً بحد ذاته لديها. هذا هو حالنا، نتمنى الخلاص ونرتهن لقيودنا، نثرثر عن الحرية ونقتل غرساتها لأنها ستأتي بما لا نعرفه، نريد أن نتقدم ونحجز لأنفسنا مكان في حافة البشرية ولكن سبيلنا إلى ذلك هو العودة لأفكار الماضي، نتغنى بأمة لا كانت يوماً ولا هي ستكون ـ وفقاً لكل المعطيات، نجرح الآخر بشتائمنا ولكننا لا نقبل من أحد أن يرينا ولو بلطافة الثقب الذي تتسرب من خلاله المياه إلى قاربنا، نتكلم عن الحب ونمارس الكراهية، نريد أن نسير والدروب أمامنا لكننا وضعنا لكل واحد منها معوقاته التي لم نرها ولم نعرف عنها ولكننا أقنعنا أنفسنا بأن المعلوم خير من المجهول وما نعرفه أفضل مما نتعرف إليه؛ نريد الحياة ولكننا لا نقدر على مفارقة هواجس الموت، لقد أصبحنا أسرى لهلوساتنا عن الماضي والحاضر والمستقبل، عن الصداقة المفقودة والعداوة الدائمة، عمن نحن من عالم لسنا جزءاً منه بل يجب أن نجد حلولنا ليكون ذلك العالم جزءاً منا! ننتظر وسننتظر الحل ولكن الحل لا، ولن، يأتي. نشتكي ونتذمر وننسى أن ما ننتظره هو ما سنصنعه أو، بالأدق، ما لن نصنعه بسلبيتنا وغيابنا؛ نتمنى ونتمنى وتنتهي أمانينا بكلام يتلاشى فور نطقنا به؛ نتمنى التغيير ويبقى ذلك حلماً لن يتحقق بفضل وسائل عملنا؛ فننتظر وننتظر إلى ما لانهاية ونعبث بكلامنا مثل شخوص بيكيت، بل نتفوق عليها في العبث ونوغل أكثر منها في السلبية لأن حركتها وحواراتها ومحدودية أفقها ودوّامتها تبقى، ببساطة، حصيلة هندسة وتصميم كاتبها وأما ما يناظر ذلك لدينا فهو من داخلنا وليس بفعل كاتب يضبط خطواتنا وتفكيرنا، فالعقم يبقى، إلى أبعد الحدود، مسؤوليتنا، ونساهم أكثر من غيرنا بخلق "حبسنا" الذي نعجز ليس فقط عن كسر جدرانه والخطو بعيداً عنه بل وأيضاً نفشل في رؤية أو تخيّل ما يجري خارجه. لقد حصرنا أنفسنا في دوامة تبدو أبدية ما دمنا ننشد ما قد تجيء به الرياح! بل وسنقاوم من يحاول مساعدتنا على كسر حواجز وقيود نشتكي منها كلاماً ولكننا نعشقها ولا نقوى على العيش من دونها حقيقة! سنبقى نشتكي محاولين جهدنا أن تبدو مشكلتنا تكمن في التضاد الحاد بين الموجود وبين المنشود ولن تنكسر أطر عبودية ارتضيناها ولن تتصدع دوامة الخوف من المستقبل المجهول!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي