الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«داعش» كحاجز حدودي.. تهشّم

السيد شبل

2017 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


المتأمّل للمشهد بعناية يستطيع استخلاص أن المُستهدف من المؤامرة الأمريكية التي تم تنفيذها عبر أدوات بلحى كثّة ووجوه عابسة وعقول تكره الحياة، لم يكن السعي نحو شرذمة وتقسيم الأقطار العربية من داخلها على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، فقط، وإنما كان، مضافًا لما سبق، تأسيس كيانات إرهابية، على الحدود الجغرافية بين الأقطار العربية وبعضها، تلعب دور أنهار النار، التي تحول، حتى، دون التواصل الجغرافي العادي، والنشاط التجاري الطبيعي، وحالات السفر التقليدية وكل ما يمكن أن يحدث بين بلدين وحكومتين في الظروف العادية.

بمعنى آخر فإن المؤامرة كانت تستهدف القضاء على فرص تواصل عربي/عربي، تقليدية تتأسس على مجرّد الجوار الجغرافي، وهي خطوة أعمق نحو استهداف أي وحدة أو تقارب ممكن أن يحدث بين الأقطار في الوطن العربي.. ضمن خطة "فرّق تسد" التقليدية.

يظل المشروع الوطني هو الإجابة على كل الأسئلة المطروحة اليوم، ولا يزال هو المشروع الحضاري الذي يتمكن من لحم الناس مع بعضها، على أسس من المواطنة السليمة، ودون تصنيفات مُسبقة، ضمن سبيكة واحدة، تسعى نحو النضال المشترك وتعزيز فرص الحياة الجمعيّة الأفضل.. ولأنه الإجابة السليمة فهو من يتلقى السهام.

عندما سيطر تنظيم داعش المتطرف على محافظة الأنبار، وبالأخص مناطقها الغربية، فهذا تُرجم عمليًا في صورة قطع الصلات التجاربة وعمليات السفر البري بين الأردن والعراق، وتعقّدت المسائل الحدودية، وتوقفت الصادرات النفطية في وقت مبكر من 2014، بسبب تدهور الحالة الأمنية والنشاط التكفيري المتنامي، ومن الطبيعي أنّ تصدير مواد حساسّة كالنفط يحتاج إلى طريق آمن بشكل مضاعف، ولا أحد يجرؤ على المغامرة.. وهذا طبعًا أثر بالسلب على اقتصاد البلدين العربيين، لكننا نذهب هنا إلى أن المُستهدف لم يكن فقط إغراق البلدان في المشكلات الاقتصادية، وتعقيد أحوالها الماديّة، وإنما غرس بؤر من نار تقطع أي قدر من التواصل العربي/العربي، ولو في أبسط صوره كالتجارة والسفر، أو توفّر (بؤر التوتر) للأمريكي وشركاته الأمنية، الفرصة للتدخل متذرّعًا بتردي الوضع وإمكانية المساهمة في الحل، وهو صانع الأزمة، أصلا.

الموقف ذاته تكرر بين سوريا والعراق، وعلى المساحة الأوسع من الحدود، حين أمسك الدواعش بمحافظتي دير الزور وشرقي حمص من الجهة السورية، وبمحافظتي الأنبار ونينوى من الجهة العراقية، فكانت النتيجة مشابهة، وانعزل عرب دمشق عن عرب بغداد، وبدا أن سور ضخم من الملابس السوداء الداعشية القروسطية يفصل بين هؤلاء وأولئك.. وتلك كانت الخطة.

لكن ما لم يتوقع، أو ما لم يكن مرصودًا بالقدر الكافي للغربيين، أن العراقيين لم يكتفوا بالسعي نحو تحرير بلدهم من هذه الهجمة الوهابي/أمريكية، بل عبروا الحدود للقتال في سورية نفسها، دعمًا وإسنادًا للجيش العربي السوري، وحفاظًا على تراثهم "الديني/الشعبي" المشترك، ضد الدواعش.. فذاب (الحاجز الداعشي) وتحوّل إلى (جزيرة مُحاصرة) يحاوطها ماء المحيط العربي -المسنود بحلفائه- من كل جهة، وبقي يسدد ضرباته حتى تهشمت (وكما موقف العراقيين كان موقف اللبنانيين، وعلى ذات القاعدة)، ولولا أن الرد على الحواجز الحدودية، كان تحطيمها والعبور وإدراك أن المصلحة واحدة وأن الباديء بهذا سيُثني حتمًا بذاك، لما كانت المعركة انتهت بالنصر.

دماء الشهداء الساخنة لا تزال على أيادينا، والنصر لم يكن نزهة، والضريبة كانت ثقيلة، لكننا ربحنا (روحًا) جديدة، يمكننا أن نوسّع بها مساحة الحياة حولنا، وأن نولّد نصرًا عمليًا ومشروعًا حضاريًا من البطولة العسكرية، لأن هذا ما يستحقه الشهداء، كما أن التجربة أثمرت (أو ثبتت) مسألة الوحدة والتقارب العربي، ودارت الدنيا وجاءت، حتى دفعت المصلحة المجرّدة نحو اختيارها، وتعزّزت بفعل العوامل المشتركة التي لطالما شرحها السابقون، كاللغة والتاريخ (بما فيه التراث الديني) والأرض والمصلحة وحتى القرابة العائلية المُترجمة في تقارب ملامح وسِحن، وكذلك (العدو المشترك).. وإلخ.

نعود لنقول: أن إنجازات الجيش العربي السوري وحلفائه التي أوصلته إلى دير الزور الإستراتيجية كانت أمرًا شديد الأهمية، فهي من جهة هشّمت مخطط التقسيم إلى حد كبير، واستردت هذه المنطقة الغنية بآبار النفط والغاز والثروات المعدنية، إلى جانب أنها أحبطت المخطط الساعي لفصل العراق عن سوريا، كذلك كان تقدّم القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي مرة في الأنبار وأخرى في شمال غربي نينوى يعني الشيء ذاته، وأنهم في اتجاههم لمصافحة أشقائهم السوريين، وهنا (وليس قبل ذلك) يمكن أن يُرفع علم النصر.. لذا كانت معركة تلعفر، شديدة الأهمية، بالنسبة للحشديين، لأنها بوابة توصّل نحو الإمساك بالحدود مع محافظة الحسكة السورية، وهي محافظة وضعها حسّاس بالنسبة لسوريا والعراق بسبب الملف الإثني الكردي، والاشتباك الأمريكي الخبيث على هذا الخط.

يمكن أيضًا أن تلحظ صورة أخرى من صور هذا الجدار الداعشي الذي كان يُراد له أن يؤسس بين العرب وبعضهم في جنوبي حمص وريف دمشق وبدرجة أكبر بالسويداء ودرعا، بين سوريا والأردن، وهي طبعًا ليست بوضع المسألة العراقية/السورية، كذلك فسياقها مختلف، حيث ترتبط بالكيان الصهيوني الذي يطل بأنفه بالقرب من المشهد، كذلك قد يُستغل الوجود الإرهابي كذريعة لتدخلات خارجية استدمارية أمريكية بالتحالف مع عمّان كما طُرح بالماضي ولا يزال، لكن في النهاية، يبقى تكتّل المتطرفين في هذه المنطقة عامل فصل بين عرب سوريا وعرب الأردن، وحائل دون تلاقيهم (بصرف النظر عن الموقف من سياسات السلطة الأردنية).

كان مشهد اللقاء الذي اختلطت فيه الدموع والبسمات بين إعلاميي محور المقاومة على الحدود السورية اللبنانية، بعد تحرير الجرود (عرسال اللبنانية، والقلمون السورية)، يُتِرجم بالضبط ما نشير نحوه، وهو أن الانتصار الحقيقي، أو على الأقل جزء معتبر منه، كان في إعادة وصل العرب ببعضهم، على الأقل جغرافيًا، وعدم السماح بتأسيس كيان صهيوني جديد، يقطع الجغرافيا العربية الممتدة، ويكرر مأساة عزل مصر ووراءها عرب أفريقيا عن الشام وشبه الجزيرة بريًا (لولا "إيلات" التي هي أم الرشراش المحتلة، لكان العبور من وسط سيناء المصرية للعقبة الأردينة، ومنها إلى الجزيرة العربية، والعكس، من أبسط ما يكون، وهذا مثال بسيط للتوضيح.. ولولا "إسرائيل" كلها لكانت الشام في مصر، ومصر في الشام، ولما تعطّلت الوحدة، التي كان أحد أهم أسباب عدم استمرارها في 61، بعد تثبيت وجود المؤامرة الاستعمارية الغربية بالتحالف مع الرجعيّة العربية والإقرار بالأخطاء، هو عدم الاتصال الجغرافي، وعدم انضمام فلسطين للوحدة، لوجود مهاجرين أسسوا كيانًا محتلًا غريبًا وبرعاية استعمارية يقطع الطريق).

إن الإنجاز العربي الحاصل اليوم في إحباط المؤامرة الغربية/الوهابية، التي تمثّلت في تكتيل وتنظيم وتعويم وتسليح العناصر المهووسة في مجتمعاتنا، والمحقونة بالكراهية والوصائية، ثم جلب المزيد من المتطرفين الأجانب من مختلف أصقاع العالم إليهم، وشيطنة قوات الجيش والأمن في حال حاولت تحجيمهم والسيطرة على الوضع، ثم بث هذا التكتّل كالجراد يستبيح وينهش، يسانده "إعلاميون" و"معتدلون" من الخلف، يهمّشون الحديث عن المجازر أو يدينوها على استحياء، وبحسب المصلحة، لكنّهم بكل الحالات يمهّدون الأرضية لها عبر احتضان وبث الخطاب التكفيري والطائفي والماضوي والمنغلق والمتعصب دينيا، أو حتى عبر اختلاق فوارق بنيوية: بين داعش والنصرة وجيش الإسلام وتحرير الشام وأنصار بيت المقدس بسيناء وأنصار الشريعة وكتائب راف الله السحاتي بليبيا وبوكو حرام في نيجريا.. وإلخ، والزعم بأن الإشكالية هي في الأولى منهم فقط أو فيمن أعلنوا ولاءهم لها.. والصحيح أنهم كلهم، في القتل والنظرية: دواعش فرّختهم الإخوانيّة والقطبية والحالة الأفغانيّة.. حتى ولو مارسوا هواياتهم التكفيرية على بعض أو تقاتلوا فيما بينهم)، كذلك جاءت المساندة عبر محاربة المشروع الوطني والحداثي والعقلاني.. نقول، أن الإنجاز العربي الحاصل في وجه ما سبق، وفي وجه ما كان مرسومًا على الخرائط بناء عليه، إنجاز ضخم، ولم ينل حتى الآن، ونأمل أن ينال في المستقبل، حقّه في الشرح والتوضيح، أنه بحجم ما كانت المؤامرة كبيرة كانت المقاومة أيضًا كبيرة والنصر عزيز.
صحيفة تشرين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح