الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة اللحظة الحرجة

جهاد الرنتيسي

2006 / 2 / 14
القضية الفلسطينية


ثمة ما يستحق التريث بعض الشئ ، والبحث عما تخفيه قمة جبل الجليد بدلا من الانسياق وراء مؤشرات توحي باقتراب ثنائيات المشهد السياسي من قطيعة مع قواعد اللعبة التي كرستها ازدواجية الفهم الفلسطيني ـ الاسرائيلي لاعلان مبادئ اوسلو .
فالهامش المفترض للمناورة اضيق مما تصوره اوهام الحالمين ، وللخيال السياسي قدرة على احداث حالة من الحراك ،ولكن تحويل الخيال الى واقع يقتضي في جميع الاحوال التعاطي مع القوانين المحكومة بتوازنات دقيقة ،
ومعايير بلورها تراكم الانعطافات الكونية المحددة لمسارات وضوابط السياسات الدولية ، وتشعباتها الاقليمية .
وبين الحين والاخر يكشف اللاعبون الكبار عن فهم عميق لتحولات المعايير ، فيحرصون على مراعاة الهوامش ، وان سمحت الظروف مد اقدامهم الى خارجها على امل توسيعها بعض الشئ.
وفي هذا السياق يندرج اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قرار دعوة قادة حماس الى موسكو ، والتاييد الفرنسي للمبادرة الروسية ، التي ترافقت مع ظهور شواهد على تكيف الحركة مع استحقاقات املاها فوزها بغالبية مقاعد المجلس التشريعي.
ففي الوهلة الاولى تعاملت واشنطن وتل ابيب مع خطوة الرئيس بوتين باعتبارها خروجا عن بيان اللجنة الرباعية الذي يضع شروطا للتعاطي مع حماس تتمثل في اعتراف الحركة بحق اسرائيل في الوجود ، واحترامها للاتفاقات ، والتخلي عن العنف .
وحينما طولبت موسكو بتقديم توضيحات حول تصريحات بوتين اكد المبعوث الروسي الى الشرق الاوسط الكسندر كالوغين ان بلاده بصدد مطالبة حماس بالاعتراف بحق اسرائيل في الوجود معربا عن امله في وصول الحركة الى مستوي المتطلبات الدولية .
وما اغفله كالوغين تحدث عنه السفير الروسي لدى الامم المتحدة اندريه دنيسوف باسهاب حيث اشار الى ان النقطة الاساسية في برنامج محادثات المسؤولين الروس مع قادة حماس ستتركز حول ضرورة التوقف التام عن ما وصفه بالانشطة الارهابية .
واللافت للنظر ان الدعوة الروسية جاءت بعد مقدمات ساهمت حماس في بعضها خلال زيارة قادتها للقاهرة يتمثل ابرزها في اظهار استعدادهم لاعادة النظر في الاتفاقات التي يرفضونها .
وبذلك ظهرت مبادرة بوتين وكانها محاولة للقيام بدور في المنطقة من خلال تاهيل حركة حماس لكي تكون مشاركتها في عملية السلام مقبولة لدي بقية اطراف اللجنة الرباعية الراعية لتنفيذ خطة خارطة الطريق .
ولكن محاولة اخراجها بهذه الطريقة لم تكن مقنعة للادارة الاميركية التي لم يتجاوز رد فعلها في الايام الاولى التي اعقبت تصريحات بوتين اظهار القلق وطلب التوضيحات .
ولا شك في ان الادارة الاميركية راعت في ردة فعلها الاولية على مبادرة بوتين معمار العلاقة مع مشاريع الاقطاب الكونية الذي ورثه المجتمع الدولي عن مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي .
كما تدرك مراكز صنع القرار في واشنطن صعوبة تحليق السياسة الروسية بعكس اتجاه المصالح التي تربط موسكو مع الشركاء الغربيين .
واللجنة الرباعية التي وردت طيلة يومي الاحتجاج الاميركي ـ الاسرائيلي على مبادرة بوتين تشكلت على ارضية تفاهمات بين اطراف تتباين وجهات نظرها حول القضية الفلسطينية وبالتالي يصعب التعامل معها وكانها حزبا شموليا يلزم
اعضاءه بادق التفاصيل .
وبين المعطيات التي حددت رد الفعل الاميركي القلق فهم واشنطن لضرورة توفير حالة من التوازن بين متطلبات دورها كقطب كوني وحيد والعلاقة الخاصة التي تربطها باسرائيل ، والتي عبرت عنها الادارة الاميركية بوضوح غداة اعلان نتائج انتخابات التشريعي بتجديدها التاكيد على عدم استعدادها للتفاوض مع جهة تريد تدمير الدولة العبرية ، ولا تعترف بحقها في الوجود .
واللافت للنظر ان موسكو لعبت على وتر معادلة العلاقة الاميركية ـ الاسرائيلية حين اقتضت الضرورة فقد سارعت الى توضيح موقفها لتل ابيب باعتبارها اقصر الطرق الى البيت الابيض .
ومع وصول الرسالة الروسية الى اسرائيل لم تكلف وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس نفسها عناء محاولة اقناع الجانب الروسي بالتراجع عن دعوة قادة حماس .
فقد كان التفهم الاسرائيلي لمبادرة بوتين كافيا لبلورة موقف اميركي مرحب بفتح قناة حوار بين حماس وموسكو تعزز التحولات التي تمخضت عن محادثات القاهرة قبل ايام .
ولا يعني التوازن الذي تحرص عليه واشنطن تجاهل مراكز صنع القرار في البيت الابيض لقناعة بوتين باضطرار العالم للانفتاح على حماس باعتبارها خيار الناخب الفلسطيني .
وبوضعها القناعة الروسية بعين الاعتبار قد تجد الادارة الاميركية نفسها مضطرة للبحث عن اليات مختلفة في تعاطيها مع تطورات الملف الفلسطيني في المرحلة المقبلة .
الا ان ايجاد الاليات الجديدة لا يحتم الابتعاد عن ضبابية المعايير التي تحكم السياسة الاميركية في المنطقة .
ففي المؤتمر الصحفي الذي عقدته مع نظيرتها الاسرائيلية في واشنطن قبل اسابيع لم تجد كونداليزا رايس ما يمنع المزاوجة بين احالة تحديد الحدود الاسرائيلية الى مفاوضات الوضع النهائي والاشارة الى تاكيدات الرئيس الاميركي جورج بوش على اخذ الوقائع الجديدة على الارض ـ منذ العام 1967 ـ بعين الاعتبار الامر الذي يمكن تفسيره اسرائيليا بانه ضوء اخضر لمواصلة الاستيطان واكمال بناء ما تبقي من الجدار العازل .
ويزيد من ضبابية الاجواء التي تتبلور فيها اليات التعاطي الاميركي مع الملف الفلسطيني تجاذبات المشهد الاسرائيلي التي تتمحور حول البرنامج السياسي للاستيطان .
ففي الوقت الذي يتجه ايهود اولمرت بـ " كاديما " نحو مواصلة الانسحابات الاحادية الجانب مدعوما بغالبية الناخبين تاخذ عليه الاحزاب الاسرائيلية الاكثر يمينية تخليه عن ما تعتبره ارض اسرائيل الكاملة .
وحتى تتمكن الاحزاب الاسرائيلية من تنفيذ برامجها تحتاج للغطاء السياسي اللازم لنزع صفة شريك السلام عن الجانب الفلسطيني .
وبوجود الرغبة الاسرائيلية المسبقة في عدم رؤية شريك السلام الفلسطيني يتجاوز المطلوب من حماس الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود ،والاتفاقات الموقعة ، ووقف العنف .
فقد اعترف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من قبل بحق اسرائيل في الوجود ، وخاض الرئيس محمود عباس الانتخابات على ارضية برنامج مرتكزاته الاساسية نبذ العنف ، ولم يتمكنا من اقناع الجانب الاسرائيلي باجراء مفاوضات جدية .
ولا تقتصر الضبابية على ازدواجية الموقف الامريكي ، وانشداد الطبقة السياسية الاسرائيلية للخطوط العريضة التي حددها شارون ، فالقوة السياسية الفلسطينية التي فازت بغالبية مقاعد المجلس التشريعي لم تتمكن بعد من تكوين رؤية واضحة للمرحلة المقبلة ، فهي بصدد اعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني
ولم تتضح معاييرها لتحديد ما يفيد وما لا يفيد الشعب الفلسطيني من الاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل ، والاخطر من ذلك ان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل راى في الدعوة التي وجهها بوتين لقادة حماس بداية لاهتزاز " عرش النفوذ الاميركي " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت