الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النمل مازال يلدغ والسكين لا تقتل

طارق سعيد أحمد

2017 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


رأيتها فرصة عظيمة لكي أحكي معك عزيزي عن طفولتي، نعم.. لا تندهش، فالوقت مناسبا جدا لتلك الأحاديث الجانبية والمثيرة، تعلم يا عزيزي تلك البراءة المفرطة وحماسة الإكتشاف، كان العالم بالنسبة لي شاسع المساحات وكل الموجودات من حولي ضخمة أو بعيدة، ما عدا لعبي البدائية وسرب للنمل يتسكع في الشقة مابين غرفة المطبخ وجحره الذي حفره تحت بلاط الشرفة في نهاية غرفتي، لا أخفي عليك سرا يا عزيزي كنت أتتبعه ذهابا وإيابا، وأتلذذ من وجع ركبتي التي احمرت من إحتكاكها بالسجاد، كنت أشعر وقتها أن وظيفتي اليومية هي مجموعة من المحاولات لفهم النمل الذي تعرفت على إسمه من أمي"الطيبة" بعد أن لدغني في ساقي لأول مرة في حياتي وأنا ألعب لعبة صنعتها من الورق بنفسي.
أما السر الثاني يا عزيزي هو ما فعلته أمي بسرب النمل بعد أن لدغني، كأي أم مصرية في بداية الثمانينات وفي هذا الموقف بالذات كانت تأتي بزجاجة كبيرة ممتلئة بالـ"جاز" هذا المطهر الجبار والفتاك بجميع الحشرات الزاحفة وتسكبه في الأماكن التي تنتشر فيها هذه الكائنات، ولكن ولأن أمي تحبني أكثر من اللازم قد جعلت من الشرفة بحيرة صغيرة من هذا السائل المدمر، وقالت لي "كدا هيموتوا ومش هتقرصك النملة تاني"، فما أثار فضولي هو عودة سرب النمل مرة أخرى بعد أيام قليلة ، وكأن شيئا لم يكن، إلى أن توصلت لفكرة أخرى بعد أن لا حظت حب النمل للسكر، فمن وراء أمي كنت أضع السكر من ثقب صغير بين بلاط الشرفة كانت النملات تدخل منه وعلى ظهر كل واحدة حبة من السكر وتخرج من ثقب آخر، إلى أن توقف السرب عن رحلته تماما وبدأ بالخروج من الثقب بأعداد أقل ليزيح السكر الذي أحاول حشره من خلال الثقب الصغير إلى الداخل، وبينما أنا جالس منهمك في هذا العمل الرائع تلدغني ثلاث نملات في ساقي يومها يا عزيزي تأكدت من استحالة تخلي الحشرات عن غرائزها الدفاعية.. أو اختفاءها.

تمر سنوات قليلة وأدخل المدرسة الإبتدائية، وعلى ما اتذكر كان اسمها مدرسة الشهيد فهمي عبد العزيز الإبتدائية كانت قريبة من منزلي الكائن بحي "عين شمس" بالقاهرة، كونت في هذه المرحلة صداقات دامت لسنوات عديدة قبل أن يموج الزمن بنا ويقذف كل واحد في طريقه، مازلت تقرأ يا عزيز أم انصرفت عني؟، لا تقلق كلمات قليلة أخرى وأتركك تدير شؤونك الخاصة أم أنك تريد الإنصراف لتقرأ سخافات المتأسلمين الماضويون؟!، سأقول المهم حتى لا أثقل عليك بحكاياتي البسيطة، كان يوم الأربعاء اتذكره جيدا في حصة العربية دخل الأستاذ "حسن" ليشرح لنا الدرس الجديد كان عن الأستاذ الأديب العالمي "نجيب محفوظ"، وكان يدور حول قيمة أدب الأستاذ "محفوظ" وكيف حصل على أكبر جائزة في العالم "نوبل"، كان درسا ممتعا أحببت الأستاذ "محفوظ" جدا وتمنيت أن أراه، في يوم الجمعة أي بعد يومين أخذتني أمي لزيارة جدي وجدتي كانوا يسكنوا منطقة عابدين بوسط القاهرة، وعلى كورنيش النيل تتحقق أمنيتي وأرى الأستاذ "نجيب محفوظ" يتكئ على عصاه في مشواره الصباحي، أترك يد أمي وأجري إليه، مددت له يدي فوضع يده على شعري "وكأنه يباركني" وهو يبتسم قبل أن يسلم على يدي الصغيرة سألني عن اسمي أجبته وقلت له أنا أدرس في المدرسة موضوع عن حضرتك ضحك.. ولا أتذكر كيف انتهى المشهد لكن ما ذكرته لك يا عزيزي مازالت كثافته في ذاكرتي، وتمر أسابيع أو ربما شهور وأعرف أن الأستاذ يرقد في المستشفى بعد أن حاول أحدهم طعنه بسكين، يومها يا صديقي العزيز تأكدت من أن "السكين لا تقتل" الكُتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل