الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد ,,, إلى أين ؟! ....

أكرم البني

2003 / 2 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



                                                      
تتناهى إلى مسامعك، بين الفينة والأخرى، أخبار عن إقالة عدد من المسؤولين الحكوميين السوريين، وإحالتهم إلى القضاء بتهمة الفساد، كان أخرها الاعتقالات التي طاولت العشرات من المسؤولين عن أسباب انهيار سد زيزون، وبدء محاسبتهم عن دورهم في حصول هذه المأساة.
عرفت حملات مكافحة الفساد في التاريخ السوري أشكالاً متنوعة كلجان التفتيش عن الكسب غير المشروع وهيئات المحاسبة والسؤال من أين لك هذا ؟! كما شهدت هجمات جدية، كانت تشتد كلما اشتد المرض، وكلما ازدادت الأوضاع الاقتصادية والسياسية سوءً في البلاد، إلا أن الأمور مع الأسف، لا تلبث أن تعود كما كانت , وربما أشد وطأة , ونعود جميعنا إلى حالة من الترقب والانتظار , وأيضا الأمل أن تمكننا هجمة جدية وواسعة ضد الفساد من التخلص نهائياً من هذه الآفة اللعينة !!...
ولا يخفى على أحد, أن الفساد منتشر في سورية, انتشار الفطر, وقد أصبح, مع الزمن، وباءً مستشرياً ينخر في خلايا المجتمع كافة، وبشكل خاص في كافة  مؤسسات ودوائر الدولة،... وبما أن الفساد هو بعبارة بسيطة واحدة : استغلال المنصب العام لخدمة المصلحة الخاصة والمنافع الشخصية. فان انتشاره الواسع والكبير في  سورية يتناسب طرداً مع كبر حجم الدولة السورية، واتساع  دورها وعمق تداخلاتها في إدارة المجتمع وأنشطته المختلفة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، متخذاً أشكالا وتجليات مختلفة ومتنوعة يعاد تطويرها، يوماً بعد يوم، من قبل الفاسدين والمفسدين، تبدأ بتقرير الصفقات والعقود غير المشروعة لقاء عمولات خاصة ومجزية، مروراً بتمرير وإرساء المناقصات الحكومية لمن يعطي أكثر، ومن ثم تلقي الرشاوى كي يغض النظر عن تجاوزات القانون أو لتسهيل حركة المعاملات في الدوائر الرسمية، وأيضا استخدام المركز الحكومي، إرهاباً وتهديداً وابتزازاً، بغاية جني ما يمكن جنيه من أموال و"خّوات". انتهاء باستغلال الصلاحيات العامة لفرض مناخ خاص لنمو وتطوير السوق السوداء بمختلف " بلاويها " / صرف وتهريب العملات الأجنبية – تهريب البضائع والسلع – تجارة الجنس والمخدرات.....الخ /. ومن يملك أنفاً ذا حساسية عادية يستطيع أن" يتنسم" روائح مستنقع الفساد النتنة وفضائحه التي تمتد كأذرع الإخطبوط إلى أماكن ومواقع قد لا تخطر على بال أحد.....
وإذا كان من الممكن أن نفهم ونفسر – وربما يبرر البعض – حالة الرشاوى لشرطي المرور مثلاً أو لمعقب المعاملات الرسمية، نظراً لواقع الحياة البائسة التي يعيشها أمثال هؤلاء الموظفين الحكوميين، طالما أن أجورهم لا تضمن الحد الأدنى من حاجاتهم والحاجات الحيوية لأسرهم، كالطعام واللباس والصحة والتعليم. إلا أن الأمر يغدو، خطيراً ومثيراً للقلق والاشمئزاز عندما ترى كيف يستغل المنصب الحكومي  لتمرير الصفقات والمناقصات، ولإبرام العقود غير المشروعة. وكيف تصبح السلطة وعاءً لتجميع وتكديس الثروات، تتم من خلالها عملية اقتطاع وتحويل جزءً من الأموال العامة لحسابات هذه الشخصية الحكومية أو تلك دون أدنى اعتبار لمصالح الوطن والمواطن وخطط التنمية الاقتصادية. والأسوأ من كل ذلك، عندما ترى كيف تصبح قيم الفساد أحد شروط اختيار الأفراد لتولي المسؤوليات السياسية والإدارية وكيف تغزو هذه القيم العقول والضمائر، فتغدو في الثقافة الشعبية مظاهر إيجابية تدل على الشطارة والحنكة والذكاء. في مواجهة القيم النبيلة، قيم الحق والنزاهة والعدل، التي أصبحت، على ما يبدو، سمات الشخصية الضعيفة والساذجة وقليلة الحيلة !!.....
ومما يزيد الطين بلة، حين يصل الفساد في سورية  إلى سلك القضاء، فيدك بذلك، آخر معقل من معاقل الدفاع عن صحة المجتمع وسلامته. ومما ينفطر له القلب، ويثير الشجون والألم، أن هذا المرض الخبيث، قد التهم فعلاً، قطاعاً مهماً من سلك القضاء السوري، ليس بسبب ضعف الحماية الموضوعية، لضمائر القضاة وقيمهم، في ظل تردي أجورهم ومستويات معيشتهم، فحسب، وإنما أيضاً، بسبب تلك العلاقة الخاطئة و المرضية، التي عرفتها بلادنا، لعدة عقود خلت، بين القضاء والسياسة. حيث أخضع قانون الطوارئ والأحكام العرفية، المؤسسة القضائية للمؤسسات التنفيذية، فاسحاً  المجال لفرض الإرادة والمصالح السياسية على حساب الحق وضارباً عرض الحائط بدور القضاء في تكريس سيادة القانون و قيم الخير والعدالة في المجتمع.....
ومن المفيد، في هذا الصدد، إدراج قصة تروى عن تشر شل، وكان رئيساً لوزراء بريطانيا وقتئذ،  حين وضعت أمامه تقارير تشير إلى مدى تفشي ظاهرة الفساد في البلاد، فبادر بعد إطلاعه على محتوى هذه التقارير، إلى سؤال المعنيين عنها : أين واقع القضاء فيما تعرضونه عليّ ؟!.. وعندما جاءته الإجابة بان الفساد لم يصل إليه حتى الآن. تنهد وأضاف على الفور: إذاً ما زالت الأمور بخير... فكل شيء،  طالما القضاء بخير، يمكن تصحيحه !!....
ومما لاشك فيه، إن داء الفساد يصيب معظم بلدان العالم، لكن بدرجات ومستويات مختلفة، حيث نلمسه في العديد من الدول المتطورة، ظاهرة جزئية ومحدودة / وكلنا يتذكر الفضائح التي طالت بعض المسؤولين الحكوميين في أوربا وأمريكا، نيكسون وميتران وكلينتون.... الخ / ورغم محدودية وضيق انتشار ظاهرة الفساد في مثل هذه البلدان، فان الصحافة الحرة لا تلبث أن تكتشفها، وتلاحقها أجهزة الرقابة، وتخضع للمحاسبة أمام القضاء، كما ينبذها الرأي العام والضمير الحي لكونها في نظر الثقافة الشعبية جزءاً من القيم السلبية البغيضة ... أما في مجتمعاتنا المتخلفة، وبشكل خاص تلك المجتمعات التي تغيب فيها الحريات وسيادة القانون والصحافة الحرة. فان الفساد يصبح، مع الزمن، حالة سياسية واجتماعية متفشية، وجزءاً عضوياً من تركيبة الدولة ومقومات بنائها، وتربة صالحة لنمو الروح الانتهازية وتسلل الشخصيات الفاسدة إلى مواقع القيادة والى المناصب السياسية والإدارية. فنجد أنفسنا كما لو أننا أمام شبكة مترامية الأطراف، لا هدف لها ولا غرض، سوى تسخير الصلاحيات والمسؤوليات العامة في خدمة الامتيازات الخاصة والربح وسرقة المال العام، مستندة بذلك إلى غياب الحريات العامة والى تفشي روح وأساليب التسلط والقهر والإرهاب التي أقصت المواطنين عن ممارسة حقهم في المشاركة بالشأن العام وحجبت دورهم في مراقبة ومقاومة مظاهر الفساد ومسلكيات الفاسدين والمفسدين....
فحملة مكافحة الفساد، مهما اشتدت هجماتها، ومهما قست العقوبات الرادعة بحق الفاسدين والمفسدين، ليست أكثر من مسكنات ألم، تخفف من أثار المرض ولا تعالج أسبابه، وهي لن تأتي أكلها، ولن تجدي نفعا ًفي حل هذه المعضلة، حلاً شاملاً، واستئصال شأفة الفساد وجذوره الضاربة عميقاً في المجتمع والدولة، طالما يتم التغاضي عن المناخ السياسي، غير الطبيعي والتسلطي، الذي نما وترعرع فيه الفساد، ووصل إلى ما وصل إليه اليوم. الأمر الذي يقودنا إلى تلمس الضرورة الملحة لرفع حالة الطوارئ وإعادة العلاقة الطبيعية بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية. بما يفسح  المجال لفصل القضاء عن المصالح السياسية، ولتوفير التربة الخصبة لنمو دور القضاة الطبيعي في تكريس سيادة القانون وقيم الحق والخير والعدل في المجتمع. جنباً إلى جنب، مع ضرورة إشاعة الحريات العامة في البلاد، وبشكل خاص حرية انتخاب واختيار الأشخاص الأكفاء والمنزهين عن الأغراض الشخصية، إلى المناصب العامة، إضافة إلى حرية التعبير والرأي والنشاط السياسي. فمناخ الحرية هو المناخ الوحيد القادر على تصحيح كل الأخطاء، وعلى مراقبة الأداء العام لكل مسؤول، وفضح أي سلوك يتجاوز الصلاحيات والمسؤوليات العامة.
وإذا كان لمثل هذه المعالجة السياسية الجذرية لظاهرة الفساد، هدف بعيد المنال في المدى المنظور. فان أسلوب المحاسبة والمعاقبة،/ لبعض الرموز الفاسدة، والتي تجري بين فترة وأخرى / سيبقى قاصرا وعاجزا إذا لم يترافق مع  إجراءات اسعافية فورية، تزداد الحاحاً يوماً بعد يوم، تساعد على محاصرة بؤر الفساد وعزلها في جزر صغيرة، ما أمكن ذلك، بما يخفف إلى الحد الأدنى من مخاطرها تجاه المجتمع والدولة... هذه الاجراءات الاسعافية ترتكز إلى ضرورة كف يد السلطة التنفيذية عن تسمية وتعيين القضاة، الذي نعرفه في  سورية منذ زمن طويل، وفسح المجال لانتخاب الهيئات القضائية، على قاعدة الكفاءة المهنية والقانونية والأخلاقية، مع ضرورة توفير مستوى مادي لائق للقضاة يشكل حماية موضوعية لضمائرهم وقيمهم الإنسانية، جنباً إلى جنب مع ضرورة تحسين الوضع المادي لكافة العاملين في الدولة  بما يوفر حد من الأجور يتناسب مع متطلبات ومستلزمات حياتهم المعاشية، ويقيهم من الانحرافات الأخلاقية التي تفرضها وطأة الحاجة.. إضافة إلى ذلك، تقف في سلم الأوليات، ضرورة إطلاق يد الصحافة، دون حسيب أو رقيب، لانتقاد وتعرية ومطاردة كل مظاهر وقوى الفساد، مهما بدت صغيرة وتافهة، عساها تلبي دعاء المبتهلين " اللهم افضحنا ولا تسترنا حتى يتبين الخبيث من الطيب “.!!.......

*******

الصوت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30