الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية زهرة اللوز

احمد الحاج علي

2006 / 2 / 15
الادب والفن


حاولت زهرة اللوز النائمة داخل كأسها الورقي أن تتمطى فلم تستطع , حاولت مرة ثانية وثالثة ولم تنجح , كان الكأس يحيط بها من جميع الجهات , ويقيدها بقيده .
قالت زهرة اللوز لنفسها : إلى متى وأنا في هذا السجن الضيق , دفء الشمس يناديني ويدعوني إلى إبعاد الكسل , يكفيني من النوم ما نمت , وعلىَّ أن استجمع قواي وأمزق هذا الكأس الذي تحول إلى سجن .
سمع الكأس كلام الزهرة , فقهقه ضاحكاً , هىء هىء هىء : أيتها الزهرة أنت الآن مختبئة في بيت دافئ , لا تشاهدين ما حولك , ولا تحسين بشيء , فالهواء خارج بيتك ما زال بارداً , والبرق كالسياط يجلدني , ويطلب مني أن أحافظ عليك , وأشعة الشمس ضعيفة واهية كحلوى غزل البنات , ورفيقاتك زهرات اللوز , مازالت نائمة في كؤوسها تنتظر دفء الربيع , فإذا ما سمحت لك بالخروج من بيتك , فسوف تموتين من البرد دون حمايتي.
قالت زهرة اللوز للكأس الذي يحضنها : إني اشتاق إلى رؤية الأشياء حولي أريد أن أرى الشمس , تشع على الكون فاستحم بدفئها , تكفيني الأيام التي عشتها في العتمة .
وأريد أن امنح عطري للناس وللأطفال .
قال الكأس الورقي : أيتها الزهرة , إني احتمل البرد والرياح الهائجة , ومهمتي هي حمايتك من العواصف والصقيع والرياح الهوجاء , فتويجاتك مازالت ناعمة ورقيقة لا تستطيع العيش إلا في الدفء , فأنت لم تنضجين بعد , وأخاف عليك من الموت , انتظري أياما قليلة حتى ترق نسمات الربيع , ويهرب الصقيع إلى البلاد الباردة .
تضايقت زهرة اللوز من كلام الكأس وقالت غاضبة :
كل عام وفي مثل هذا الوقت , أحاول التخلص من قيودك , ودائماً تطلب مني الانتظار , وأنا اكره الانتظار , احتفظ أيها الكأس بنصائحك لوحدك , واتركني وشأني , فانا ارغب في التحرر من قيودك غصباً عنك .
أغلق الكأس أذنيه ولم يستجب لطلبها .
إلا أن زهرة اللوز , استجمعت قواها , وفردت نفسها , بنزق مبعدة الكأس عنها فبهرها ضوء الشمس , إلا أنها أحست بزهو الانتصار وقالت للكأس : دائماً أيها الكأس اطلب معك الحوار , وأنت تسدّ أذنيك , وتحتج ببرد الشتاء وحر الصيف ها انذا حرة من قيودك , فابتعد عني , فقد انتهى دورك , ثم تلفتت حولها .
كانت أشجار اللوز البنية عارية , والكؤوس العالقة ملتفة حول تويجات الأزهار , نائمة في سبات عميق, أما نسمات الهواء فباردة كأنها مرت على جبال من جليد , وأشعة الشمس ضعيفة ذابلة كزهرة منثور عطشى , وفي السماء انتشرت قطع من الغيوم الرمادية بأشكال وحوش أسطورية , والأرض كانت خالية صامتة , لا تسمع دبيب حشرة , ولا زقزقة عصفور, ولا خوار بقرة .
أحست زهرة اللوز بالبرد والوحدة , فلمت توجاتها وقالت : لا متعة في الحياة بدون ثمن .
كانت أزهار اللوز المختبئة في كؤوسها , تنصت بصمت لحوار الزهرة مع كأسها الورقي , وسمعت ما قالته زهرة اللوز لنفسها , فدفعها الفضول لترى الزهرة الجريئة , فأطلت برؤوسها , لترى زهرة لوز بيضاء بعروق حمراء , متفتحة كنجمة , وسط أشجار اللوز العارية , فهتفت بصوت مخنوق : لتحيا اختنا البطلة . لتحيا اختنا البطلة .
كزت زهرة اللوز المتفتحة المشعة كماسة على أسنانها , وقالت غاضبة .
لا أريد صراخاً. لا أريد ضجيجاً , كفى كذباً , أريد منكم عملاً وعطاء , تضامنوا معي, وكسروا قيودكم لنصنع مع بعضنا ربيعاً " الزهرة الواحدة لا تصنع ربيعاً " .
استجابت أزهار اللوز لدعوة أختها الزهرة , ويوماً بعد يوم , بدأت تمزق الكؤوس الحمراء التي حولها , وتفتحت تويجاتها المرشوشة بالعطر , لتصنع ربيعاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يمكن للإعلام الموسيقي مساعدة ودعم القطاع السياحي في لبنا


.. هتاف لفلسطين خلال حفل غنائي لفنان بورتوريكي في إسبانيا




.. يطلب من الجمهور الدعاء له.. الأب بطرس دانيال يكشف تفاصيل الح


.. مريض عراقي يعزف ويغني لأم كلثوم أثناء إجرائه عملية جراحية في




.. صباح العربية | مريض عراقي يغني لأم كلثوم أثناء خضوعه لجراحة