الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمجيد النحن وغياب الآخر

بشرى ناصر

2006 / 2 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


يبدو أن (التحيزات) العنصرية ؛ الثقافية والجنسية باتت تمثل انتهاكاً واضحاً ومؤكداً (لحقوق الإنسان) في كوكبنا الأرضي هذا ؛ وربما أبشع تلك التحيزات هي تلك التي تمارسها الشعوب الكبرى ضد الدول المتخلفة وحتى النامية ؛ يتبدى ذلك التعسف ويتضح ليصل في النهاية وكأن (وثيقة حقوق الإنسان ) قد وضعت لأجل الإنسان الأوربي والغربي دون غيره؛ ناهيك طبعاً عن السياسة التي تنهجها الدول (الكبرى) لإفقار وتخلف الدول الأضعف؛ فنبدو هنا في مقارنة حقيقية بين الفقر والثراء ؛ والضعف والقوة؛ وإذا كانت اتفاقية حقوق الإنسان كوثيقة تعد خلاصة ما وصل له الإنسان في العصر الحديث من تجربة تاريخية طويلة من حربه ضد كل أنواع التمييز والاضطهاد والتفرقة والتي تتيح لإنسانا فرصة العيش والتعايش بسلام؛ فهل يقف الخطاب الديني دون تلك الاتفاقية ؟ أليس الإسلام (ذاته) رسالة تقوم على السلام والخير والعدالة وكل القيم النبيلة والعادلة والخيّرة ؟
راودتني تلك الفكرة طيلة الأيام الماضية (بينما المواطن العربي المسلم يمضي لإشعال الفتن والنيران في السفارات الدنماركية وما يجاورها من مساكن ومحال غير معنية بالدنمارك لا من قريب ولا من بعيد) دون أن يدري أنه يؤسس لتأكيد الفكرة الشيطانية القائلة : المسلمون إرهابيون بالفطرة ؛وإذا كان خطابنا الحالي : خطاب أزمة؛ كما تؤكد كل المؤشرات؛ فالخطاب الإسلامي المعاصر لا يعفى من تحمل جزء من المسؤولية؛ وأقصد مسؤولية القصور باللحاق بالآخر؛ ولا يعفى من مسؤولية تراجع المجتمعات العربية عن كل ما حققته من منجزات في تاريخنا المعاصر؛ فقد تحول خطابنا الراهن من خطاب (نهضة) الى خطاب (أزمة) هكذا نقرر طالما أصبحت قضيتنا الحقيقية بين كل الأوساط والتوجهات : هي البحث عن (مخرج) والبحث عن (حلول) تخرجنا من المأزق الذي نحن فيه؛ فهل أشعلت (الرسوم الكاريكتيرية التي تطال الشخصية الأكثر قداسة) في أرواحنا كل النيران والجنون لأنها تطاول على المقدس فقط ؟ أم أننا نشعر بالهزيمة فعلاً تكتم وتطبق على أرواحنا؟وهل ستصبح وسائط ووسائل الاتصال وسائل نقمة و (قطيعة) لا وسائل تواصل ؛ و وسائل من تعمق الاختلاف بيننا وبين (الآخر) وهو ما يزيد (الطين بلّة) ويعقد المسألة أكثر فأكثر؛ فالمواطن العربي يستشعر بذاته مهزوماً مأزوماً يطمح الدخول (للمستقبل) ويحلم بذلك لكنه عاجز عن المشاركة الحقيقية مما يجعله مكبلاً في ظل حكومات متسلطة وحكام تعفنوا من شدة جلوسهم على كراسيهم؛ ومثقفين مداحين طبالين للسلطة في كل زمان ومكان؛ لماذا نشعر بالتخاذل ؟ ثمة حلقة مفقودة يجهلها أغلبنا ... وثمة قضية يخاف الكثيرين الخوض فيها أو حتى الإشارة لها .... هي (خطابنا الديني ) المعاصرالذي يقوم على (القمع) حتى في تعامله مع (الآخر) الأوربي والغربي الذي نستسهل إطلاق التهم عليه؛وأبسطها تهمة: (كافر) دون اعتبار هذا الوصف اعتداءً أو تطرفاً مع أن الإسلام برسالته العظيمة اعتبر هؤلاء أصحاب ديانات وأهل ذمة وترك لهم تقديم الجزية وحرية عبادتهم وطقوسهم ؛ بينما قام الخطاب الديني المعاصر والذي ينتمي (للإسلام السياسي) ويقاطع في أيدلوجيته (الرسالة والدعوة الإسلامية السمحاء) باستيراد (أيدلوجية) نفعية تسمح وتتسامح باستيراد ( التجربة العلمية) القائمة على التكنلوجيا والعلوم التطبيقية والاستفادة من ثماراتها وخيراتها ومصادرة (التجربة الاجتماعية) الموازية للتجربة العلمية أو التطور؛ وأقصد بذلك النتائج التي طورت المجتمع الأوربي والغربي والتي تضامنت مع التطور العلمي والتقني فكونت خبرات الفرد وثقافته الجديدة؛ فالمسلمون الحاليون يصرون على وضع الآخر في صورة جاهزة : هي التفسخ والانحلال الأخلاقي والعري والتفكك الاجتماعي والضياع ؛ تلك (الصورة) صاغها الخطاب الديني حتى أخذت جانب التعميم وصار التفسخ والانحلال والابتذال والجنس الجماعي والشذوذ الجنسي سمة غالبة لكل فرد في المجتمعات التي لا تدين بالإسلام على كوكبنا هذا؛ وأصبح الآخر في ذاكرة مواطنينا هو(الشيطان) الذي تجب منازلته في كل وقت وزمان؛ وما يحيّر هي تلك الازدواجية التي عيشونا بها فالغربي والأوربي نموذج يحتذى به من ناحية الإنجاز العلمي؛ ومن الناحية الاجتماعية والإنسانية هو شيطان ؛ ربما يعود هذا الانتقاص أو (الإنتقام) من الآخر بسبب قهر الخطاب الأوربي النهضوي للخطاب الديني لديهم فقد قهرت أوربا الكنيسة في وقت ما .... ونحن في مكبوتاتنا نحاول التقليد ؛ ونخاف منه فقد بدا وكأنه لم يسلب منا فقط (هويتنا الحضارية) بل سد كل الطرق أمامنا حتى إمكانية أن نحلم ؛ فالآخر صار بمثابة الخصم أو هو هكذا فعلاً ... وهكذا شأن خطابنا الإسلامي الذي عنى عناية فائقة (بالنحن) ومجدها؛ ليصبح تاريخنا خالياً من الكبوات والهزائم بل سلسلة بطولات وفتوحات؛وإذا كنا طيلة تاريخنا نعنى وننشغل(بالنحن) فإننا لم نتوقف لحظة لنسأل أنفسنا من هو ضمير (الغائب ) ؟ لنكتشف في قراءة متأنية أننا ذوبنا ضمير الغائب ومحوناه ؛ في الوقت الذي كان فيه الغرب أو (الآخر) يبني أسلحته المعرفية والثقافية وفق واقع سياسي .. أو بمعنى أصح يبني حداثته وفق معايير عصرية ...
وهل بإمكاننا فعلاً تحقيق حداثتنا وتوفير شروط إنجازها ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طبيب يدعو لإنقاذ فلسطين بحفل التخرج في كندا


.. اللواء الركن محمد الصمادي: في الطائرة الرئاسية يتم اختيار ال




.. صور مباشرة من المسيرة التركية فوق موقع سقوط مروحية #الرئيس_ا


.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي




.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط