الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تفعيل قانون الكسب غير المشروع

ميشال شماس

2006 / 2 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


يفرح المواطن عندما يسمع تصريحات المسؤولين في الحكومة والحزب والدولة، وتأكيداتهم المستمرة على تحقيق "الإصلاح والتطوير والتحديث" والتصميم الجدي على "مكافحة الرشوة والفساد"، ولكن فرحته سرعان ما تتحول إلى ألم وحزن كبيرين، حين يرى زميله في الوظيفة أو أشخاصاً كان بعضهم أو مازال في سدة المسؤولية يتبارون في بناء القصور والفيلات والمزارع واقتناء السيارات الفارهة والحسابات الفلكية في البنوك الأجنبية..الخ ولا يجرؤ أحد على سؤالهم من أين لكم هذا.؟! بالرغم من وجود قوانين تعاقب بشدة على استغلال الوظيفة والرشوة والكسب غير المشروع إلا أنها مع كل أسف فهي إما مجمدة أو يتم تطبيقها فقط على "غير المدعومين".
وأهم تلك القوانين على الإطلاق، قانون الكسب غير المشروع رقم 64 تاريخ 15/6/ 1958 فمنذ صدوره وحتى الآن لم نسمع أن الوزارات والمؤسسات والإدارات والشركات العامة في الدولة، ومجلس الشعب والمجالس المحلية طبقت على أعضائها المعينين أو المنتخبين أحكام هذا القانون الذي مازال ساري المفعول منذ كان للأخلاق وللشرف الريادة في حياتنا وحتى عصر "دبر راسك"، وقد احتوى هذا القانون على خمسة وعشرين مادة، وفيما يلي أستعرض أهم أحكامه :
(( مادة (1): على كل موظف عام وكل عضو في أحد المجالس النيابية التشريعية أو في المجالس الممثلة للوحدات الإقليمية ، وعلى العموم كل مكلف بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة دائمة أو مؤقتة بأجر أو بغير أجر أن يقدم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تعيينه أو انتخابه، وكذلك خلال 60 يوماً من تاريخ ترك الوظيفة أو الخدمة أو زوال الصفة النيابية إقراراً عن ذمته المالية وذمة زوجه وأولاده القصر في هذا التاريخ يتضمن بيان ماله من أموال ثابتة أو منقولة وعلى الأخص الأسهم والسندات والحصص في الشركات وعقود التأمين والنقود والحلي والمعادن والأحجار الثمينة وماله من استحقاق في الوقف وما عليه من التزامات. وفي كل الأحوال يجب أن يتضمن الإقرار بيان مصدر الثروة أو الزيادة فيها على حسب الأحوال)).
واعتبر القانون المذكور الكسب غير المشروع كل مال حصل عليه شخص من المذكورين في المادة الأولى بسبب استغلال أعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه، وكل زيادة يعجز مقدم الإقرار عن إثبات مصدرها .ويعتبر كذلك كل شخص اعتباري أو طبيعي تواطىء مع الأشخاص المذكورين في المادة الأولى. (مادة3و4)
ونص القانون على تشكيل لجنة بقرار من رئيس الجمهورية مهمتها فحص الإقرارات والبيانات، فإذا تبين للجنة وجود شبهات عن كسب غير مشروع أحالت الأوراق للنيابة العامة التي تحرك الدعوى العامة أمام قاضي التحقيق(مادة 5و6)
كما نص أيضاً على عقوبات مشددة لكل من يخالف أحكامه، فقد فرض غرامة لاتزيد عن 1000ل0س على عدم تقديم الإقرارات أو البيانات في الموعد المحدد ، كما عاقب كل من ذكر عمداً بيانات غير صحية بالحبس مدة لاتزيد عن سنة وبغرامة لاتزيد عن 5000ل0س ، وبالحبس لمدة لاتزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لاتزيد عن 10000ل0س على كل من أخفى بأية طريقة مالاً متحصلاً من كسب غير مشروع أو محكوم بمصادرته.(مادة 15و16)
ونص أيضاً على معاقبة كل شخص حصل على كسب غير المشروع بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر ولاتزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لاتقل عن 500ل0س ولاتزيد عن 10000ل0س وبالعزل من الوظيفة (مادة 17)
كما عاقب كل موظف له شأن في تنفيذ هذا القانون يفشي شيئاً مما ورد في الإقرارات بالحبس سنة على الأكثر وبغرامة لاتتجاوز 200ل0س (مادة 18).
وفي خطوة مهمة منح القانون كل من أبلغ عن كسب غير مشروع وأفضت معلوماته إلى الحكم بمصادرة هذا الكسب بخمس ما حكم بمصادرته. (مادة 19)
وبالرغم من أهمية هذا القانون في محاربة الفساد والمفسدين إلا أنه بقي في الأدراج طي النيسان، بينما أعمال الرشوة والكسب غير المشروع ,لم تتوقف، بل أخذت تزداد انتشاراً خاصة في أوساط الموظفين والمسؤولين الكبار، مما دعا المشرع السوري بتاريخ 15/8/ 1977إلى إصدار المرسوم التشريعي رقم (60) الذي عدل بعد يومين بالمرسوم التشريعي رقم (61) قضى بموجبه بتشكيل لجنة تحقيق في الكسب غير المشروع برئاسة عضو القيادة القطرية أحمد دياب وعضوية كل من جمال النعماني رئيس المحكمة الدستورية العليا وعبد الرحمن المارديني رئيس محكمة النقض ، وفوزي عيون السود رئيس الهيئة المركزية للرقابة التفتيش ، ومصطفى العايد رئيس اتحاد الفلاحين ، وحامد حسن رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية ، وميشيل ريشة عضو المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال. مهمتها تقصي جرائم الرشوة وصرف النفوذ والاختلال واستثمار الوظيفة والكسب غير المشروع والإهمال المؤدي لارتكاب تلك الجرائم أو الذي ينجم عنه ضرر جسيم بمصالح الدولة .ومنحت اللجنة صلاحيات النيابة العامة والتحقيق والإحالة بما في ذلك إصدار مذكرات التوقيف والقبض وتصدر قراراتها مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن . وقيل أن اللجنة المذكورة باشرت عملها وسط معارضة وممانعة من بعض ذوي النفوذ، ومع ذلك فقد وضعت اللجنة يدها على ملفات كبيرة، إلا أنه ولأسباب غير معروفة جرى تعطيل عمل هذه اللجنة ودخلت طي النسيان أيضاً.بينما الفساد استمر في الانتشار عامودياً وأفقياً حتى وصل إلى فئات واسعة من الشعب، واستمر النهب للأموال والممتلكات العامة، دون أن يتجرأ أحد على وقف هذا الفساد وذلك النهب.
والمشرع عندما سنّ قنون الكسب غير المشروع، إنما سنّه لكي ينفذ، لا أن يبقى في الأدراج طي النسيان، سنهّ المشرع لكي يحمي الوظيفة العامة والمال العام من ذوي النفوس الضعيفة.
فهل يبقى هذا القانون مجمداً طي النسيان.؟ ألم يحن الوقت لإخراجه من تلك الأدراج، ونفض الغبار عنه وتفعليه وتعديله بما يشمل أولاد الموظف أو المنتخب البالغين الغير الموظفين أو المنتخبين.؟ وبالتالي فرض الالتزام بأحكامه على جميع الموظفين والمسؤولين في الدولة، كذلك الأعضاء المنتخبين لمجلس الشعب ومجالس المدن والبلدات والمحافظات ولمختلف الهيئات النقابية والتعليمية، وكذلك إعادة إحياء لجنة التحقيق في الكسب غير المشروع، وتشكيلها من جديد بحيث تضم في عضويتها أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والعدالة. كل ذلك من أجل التخفيف من حد لحالة الفساد المستشرية كالوباء، ووقف هذا النـزيف المستمر للمال العام إلى جيوب البعض الذي قرر الظهور بأمواله التي حصل عليها بطرق غير مشروعة، بعد أن أمّن هذا البعض الطرق الآمنة لاستثمار تلك الأموال، وبعد أن تأكد تماماً أنه لن يأتي أحداً ويسأله ذلك السؤال المزعج "من أين لك هذا.؟" فهل هناك من يجرؤ على طرح مثل هذا السؤال اليوم ؟!
دمشق 14/2/2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد