الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان: استفتاء أم استطلاع؟

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كردستان: استفتاء أم استطلاع؟
أمام القيادة الكردية خياران أحلاهما مرّ. إما إلغاء "الاستفتاء" في الساعات الأخيرة قبل موعده المقرر، وسيعني ذلك لامحالة، وكما أكد القيادي الكردي البارز هوشيار زيباري في مقابلة تلفزيونية، الانتحار السياسي لرئيس الاقليم مسعود برزاني والمقربين منه. أو المضي قدما في الاستفتاء والمغامرة ليس فقط بمستقبل إقليم كردستان فحسب وإنما أيضا بمصير الشعب الكردي في المنطقة. وبما أن إلغاء التصويت الشعبي يعد أمرا مستبعدا لأن ذلك سيعنى فقدان رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته لماء وجهه ونهاية غير مجيدة لمشواره السياسي، يتعين التعامل بواقعية مع الحدث وفقا لمبدأ تقليص الخسائر إلى أدنى حد ممكن.
السؤال الأهم الذي يطرح نفسه في هذا الشأن: كيف يمكن الخروج هذا المأزق الذي وضع مسعود برزاني نفسه فيه ومعه إقليم كردستان العراق، بل والقضية الكردية بمجملها دون المغامرة باندلاع صراع مفتوح؟
يكمن الحل في طريقة التعامل مع نتيجة التصويت. صحيح أنها معروفة سلفا، وهي أن الأغلبية ستصوت بنعم لمبدأ الاستقلال. لكن هل يعني ذلك بأن القيادة الكردية ملزمة بالمضي قدما نحو الانفصال وإعلان دولة كردية مستقلة؟ من الواضح أن قيادة الإقليم وعلى رأسها رئيس الإقليم تبدو مترددة بهذا الشأن. صحيح أنها أعلنت مرارا وتكرارا تمسكها بـ"قرار الشعب" وبموعد التصويت ولكنه لم تفصح عن نواياها بوضوح في مرحلة ما بعد "الاستفتاء". كل ما تقوله يمكن تفسيره على عدة أوجه، ومنه مثلا أنها ستلجأ للحوار مع بغداد لإقامة علاقات "جيرة" حسنة. والجيرة لا تعني بالضرورة الانفصال. من هنا يمكن القول إن مسعود ونيجيرفان ومسرور برزاني وغيرهم من أقطاب العائلة المتنفذة في كردستان يتركون عن عمد الباب مواربا. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى عاصفة الرفض المحلي والإقليمي والدولي الواسع لاستقلال كردستان ولتوقيت الاستفتاء على أقل تقدير. في هذا الشأن يمكن القول بإن الموقف التركي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر "البغل" الكردي المعروف بطاقته على التحمل. لقد تفاجأت القيادة البرزانية بالتدهور السريع في العلاقات مع أنقرة التي أعلنت بصراحة بأنها ستلجأ إلى خيارات سياسية واقتصادية، بل ولوحت باللجوء إلى القوة العسكرية من خلال حشد دباباتها وجنودها على الحدود العراقية. وعلى الرغم من أن تصريحات الرئيس التركي أردوغان ومساعديه ترفض في العلن تقسيم العراق وتدعو لوحدة أراضيه، إلا أنها تنطوي عمليا على المساس بالسيادة العراقية والتدخل السافر في شؤون بلد آخر. لكن ذلك لن يغير من حقيقة حراجة موقف البرزاني. صحيح أن لتركيا مصالح سياسية واقتصادية واستثمارات كبيرة في أربيل، تبقى الأخيرة الطرف الأضعف في العلاقة مع أنقرة التي تملك أسلحة يمكنها أن تحول حلم الدول المستقلة إلى كابوس على أرض الواقع. ولعل أخطر هذه الأسلحة هي منع تصدير النفط من حقول الإقليم والحد من تهريبه من حقول كركوك الأمر الذي لن يعني توجيه صربة قاصمة للمصالح الاقتصادية لعائلة البرزاني والحلقة الضيقة من أتباعها فحسب، وإنما أيضا خنق الإقليم اقتصاديا وماليا خلال فترة زمنية قياسية. ولا ريب أن هذا الهاجس يخيم حاليا على الشارع الكردستاني الذي يعاني أصلا من أزمة مالية خانقة ويدفع الكثيرين للتفكير مليا بعواقب "الاستفتاء".
ليست المخاطر السياسية والاقتصادية وحدها تدعو، وربما تُجبر القيادة الكردية على التعامل مع التصويت ليس كاستفتاء وإنما كاستطلاع لآراء الشعب الكردي في شمال العراق. هناك أيضا جوانب قانونية لا تقل أهمية عن الجوانب العملية. لا يخفى على أحد بأن عملية الاقتراع المقرر إجراؤها يوم غد الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2017 لا تستحق من الناحية القونونية تسمية "الاستفتاء" نظرا لغياب أي تشريع قانوني لها. لقد تقرر إجراء التصويت على الاستقلال بناء على تعليمات أصدرها رئيس الإقليم إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في كردستان. وحتى لو كانت رئاسة البرزاني للإقليم لا تشوبها شائبة فإنه يتقلد منصبا تنفيذيا وليس تشريعيا ولا يحق له إصدار قانون في ظل تعطيل برلمان كردستان منذ أكثر من سنتين. ومن هنا فإن حقيقة أن البرزاني يحكم كردستان حاليا دون تفويض من الشعب الكردي تبقى مجرد تفصيل إضافي عند الحديث عن شرعية "الاستفتاء". كما أن مفوضية الانتخابات تبقى في نهاية المطاف هيئة إدارية مسؤولة عن تنظيم عملية التصويت ولا تملك صلاحية الدعوة إليها. من جانب آخر لن ينفع الاجتماع الطارئ لبرلمان كردستان قبل أيام قليلة وبعد توقف دام عامين في إضفاء هذه الشرعية لأن هذا القرار جاء متأخرا ولم يكن سوى رد فعل على رفض مجلس النواب العراقي لاستفتاء الاستقلال.
من حق القيادة الكردية أن تشير بعد غد إلى نتيجة التصويت وتقول بإن أغلبية الشعب الكردي متمسك بحق تقرير المصير، وأن تستخدم ذلك كورقة للضغط على حكومة بغداد. لكن هذه النتيجة لن تكون ملزمة لا لأربيل ولا لبغداد، وإنما هي وسيلة للتعرف على آراء السكان وللاستئناس بها في تحديد طبيعة العلاقة المستقبلية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.
لكن هذا الفهم يتطلب العودة إلى أجواء الهدوء وتجاوز آثار الزوبعة التي أثارها قرار الاستفتاء. أما تقييم نتائجه السياسية والموازنة بين الفوائد والمضار التي تسبب بها وتحديد المسؤولية عن ذلك، كل هذه القضايا ستفرض نفسها بالتأكيد على الساحة الكردستانية عاجلا أم آجلا. ولكن من الآن يبدو جليا بأن مسعود البرزاني لم يدرس الخطوة مليا ولم يقدر نتائجها على المستوى المحلي والوطني والإقليمي والدولي، لا سيما وأن الكثير من المراقبين يرجحون أن الفكرة تهدف بالأساس لتخليد زعامته التاريخية ولقطع الطريق على المنافسين المحتملين. ويبدو أن عزل كردستان عن أهم حلفائها كان بالنسبة له ثمنا يمكن القبول به. لقد صرح رئيس الإقليم في مقابلة تلفزيونية مع قناة بي بي سي البريطانية بأنه سيعود بعد 25 أيلول/سبتمبر إلى "الشعب". ويبدو أن هذه الفكرة أفضل من أن "ينتحر" سياسيا وأن يوجه ضربة قاتلة لأحلام الشعب الكردي.

د. ناجح العبيدي
24 أيلول/سبتمبر 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم