الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أدعم انا العراقي إستفتاء إنفصال إقليم كردستان ولست ضده؟

محسد المظفر

2017 / 9 / 26
السياسة والعلاقات الدولية


ليس هناك من شك بأن الدول والأنظمة التي تقبل بل وتتبنى وترعى التعايش السلمي والشراكة بين مكوناتها هي الأكثر تطورا والانجح والأكثر استقرارا، والامثلة عديدة فمن سويسرا في قلب اوربا الى سنغافورة في ثغر اسيا الى الولايات المتحدة وكندا التين بنيتا على التنوعين الاثنوغرافي والديني. وان كنت انا شخصياً من المؤمنين والمدافعين عن ذلك الفكر فانني ارى بأن تلك العملية صعبة المنال بل وتكاد ان تكون شبه مستحيلة في الشرق الأوسط وفق بنيويته الحالية. حيث ان عملية التعايش مصابة بداء الدونية المستفحلة لدى أغلب وإن لم يكن جميع الاطراف، فمن القضية الفلسطينية وتعقيداتها وطول امدها الذي لا يبشر باي حلول لا قريبة ولا بعيدة، الى صراع العروش والانظمة الذي استمر محليا منذ نهاية الحرب العالمية الإولى وعلى عدة اصعدة، وأيضاً من خلال احد أبرز شواهدها المستدامة والتي تتمثل في القضية الكردية، والتي سأتناولها من المنظور العراقي تحديداً حيث انها شكلت عبءً ثقيلاً ارهق الحكومات والدولات العراقية المتعاقبة.
ترى النظرية الواقعية في العلاقات الدولية ان الهم الأكبر لكل دولة في العالم يقع في سعيها للمحافظة على كيانها وسيادتها وفقا لمبدأ السيادة التي رسمتها اتفاقية ويستفاليا سنة ١٦٤٨. كما وتذهب نظرية المؤسسات الى ان الأنظمة المؤسساتية تسعى قدر الامكان إلى إدامة نفسها والخلاص مع عملية التفكيك او اعادة الهيكلة حتى مع انتفاء الحاجة التي تشكلت او اقيمت لاجلها.
ومن هذا المنطلق تعاملت الحكومات العراقية المتعاقبة مع جيرانها ومع الحركات السياسية الكردية التحررية على أنها تشكل تهديدا مباشرا لكينونتها وسيادتها واستمراريتها. ولذلك فقد قوبلت تلك الحركات بالعنف المفرط والغير مبرر من المنظور الانساني والمسوغ والمتبع وفق مفهوم السلطة وفرضها لإرادتها على كل شبر من أراضيها الجغرافية السيادية. وفقاً للرواية الكردية الشعبية التي صارت تصاحب فكر وضمير كل فرد ينتسب لهذه القومية ليس فقط لغوياً بل فكرياً وتشخيصياً، فإن الكرد قد ظلموا وأهينوا حين لم تمنحهم الدول العظمى المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى من خلال اتفاقية سايكس بيكو دولة لهم، يكونون هم أهلها واسيادها ويقررون من خلالها مصيرهم ومقدراتهم. وبقيت هذه المظلومية وتلك الاهانة التأريخية عالقة في الذهنية الكردية على مختلف مشاربها الفكرية من أقصى اليمين القومي الى اقصى اليسار الاشتراكي بل وحتى في الحركات الدينية الكردية كانت الدولة القومية والمطالبة بها حاضرة. وعلينا أن نعترف وبشجاعة لأنفسنا أولا قبل أن نعترف أمام الاخرين بأن ليس لنا أحقية الوصاية على ذلك الشعب أو على الفكر ألذي يتبناه. ثم من أعطانا الحق أن نوكل أنفسنا كمدافعين عن حقوق الشعب الكردي ومصالحه؟ فلا شعب آخر غير الشعب الكردي نفسه اعرف منه بمصالحه ورغباته وتطلعاته.
وعلى اعتبار أن تلك العقدة بالمظلومية إثر غياب الدولة الراعية والممثلة الحقيقة للكرد بارتابطها الماضوي كان ينبغي لها أن تنتفي بإقامة دولة المواطنة المدنية، فإنها ما زالت حاضرة وستبقى كذلك مستمرة في الذهنية السياسية والروائية المجتمعية الكردية ما بقي ذلك الشعب قاطنا تلك البقعة الجغرافية المقسمة بين العراق وإيران وسوريا وتركيا ومع استمراريته بتعريف نفسه شعباً كردياً. هذه العقدة بدورها تؤدي إلى أن الفرد المتبني لتلك السردية سيبقى يشعر بالنقص والدونية ما زال مواطنا في دولة لا تحمل اسم ارض الكرد (وهذا ما تعنيه كلمة كردستان). وبدوره لن يستطيع متبني الذهنية القومية الكردية أن يكون مواطنا صالحاً ولا منتجا في أي من تلك الدول، ما زال متمسكا بتلك العقدة التي تشكل نكسة نفسية جوهرية. ولذلك ستستمر المشاكل الداخلية في تلك البلدان مع مواطنيها الكرد خصوصا وأن الحركات السياسية الكردية تتبنى ذلك الخطاب وهي غير مستعدة بتاتا للتخلي عنه حتى مقابل الحصول على أعلى المناصب الرسمية والسياسية والسيادية إن لم تكن تلك الدولة هي كردستان. فلن يحتسب إنجازا للقيادي السياسي الكردي كونه رئيسا للعراق على سبيل المثال وفق السردية السياسية الكردية؛ وذلك لأنه رئيس للعراق وليس رئيسا للكرد.

وبما أن المواطنة وشروطها وفق منظورها الحداثوي تنقسم إلى حقوق وواجابات، ومع استمرارية كون متبني العقلية الكردية القومية يرى في نفسه مواطنا منتقص الحقوق في ظل دولة لا تمثل كيانه القومي، فإنه لن يبادر مطلقا الى إتمام الواجبات المفترضة عرفا او قانونا، وبذلك سيكون مواطنا غير كفوء وغير منتج لما يخدم مصلحة ذلك البلد العليا، الى الحد الذي سيصل فيه الى مستوى العبأ على كل من المجتمع والدولة، وسيؤول الامر الى حد أن يتحول من يتبنون قيادة واتباع تلك الحركات السياسية من معارضين سياسيين الى مخربين للنظام العام والمجتمعي. ودليل تجربة إقليم كردستان العراق هي خير شاهد على ذلك.
من هذا المنطلق سيكون من الأفضل للعراق كدولة التخلص من هذا العبء الذي لم يكن ليشكل فقط عامل عدم استقرار داخلي، بل وكان وما زال يؤثر على علاقات العراق الخارجية (من اتفاقية الجزائر التي منحت شط العرب الى ايران وبدوره أدت الى الحرب العراقية الايرانية، الى العلاقات المضطربة مرارا مع تركيا وسوريا) إضافة إلى هدر الإقتصاد العراقي وإنهاكه في حروب داخلية وخارجية لا يمكن تسميتها سوى بالعبثية تبعاتها كانت عسكرة للمجتمع، أدت بعد ذلك الى إحتلال الكويت ثم الحصار الاقتصادي الذي تلاه وصولاً الى الغزو الأمريكي للعراق في ٢٠٠٣.
لن تشهد الدولة العراقية اي استقرار اقتصادي او سياسي في ظل استمرار كون الحركات السياسية الكردية القومية جزءا من الحراك السياسي فيها، فهي كانت وما زالت تسعى إلى استبعاد الاستقرار الداخلي لضمان نجاحها في الوصول إلى غاياتها السلطوية والقومية؛ وهذا فعلا ما حصل واثبت صحته تاريخيا.

الحل النهائي الأنجع والأسلم بالنسبة إلى العراق يكمن في إعطاء الكرد حقهم في تقرير مصيرهم في المدن التي يشكلون فيها أغلبية تامة(دهوك واربيل والسليمانية) ويمنح الكرد الساكنين في المناطق الاخرى حرية ابقاء جنسيتهم العراقية او اكتساب الكردستانية مع الحفاظ على ممتلكاتهم وحقوقهم المالية في حالة اختيارهم الجنسية الكردستانية، ويعاملون معاملة المقيمين في العراق بعد الانفصال أو أن يعوضون من قبل الدولة العراقية مقابل تلك الأملاك. ولكل من يرفض فكرة الانفصال من أبناء إقليم كردستان الحق في الحفاظ على جنسيتهم العراقية والعيش في كنفه كمواطنين عراقيين لهم جميع الحقوق وعليهم ذات الواجبات. اما في ما يخص المناطق المتنازع عليها، والتي يشكل الكرد فيها غالبية عظمى، فيخير سكانها في استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة وبرقابة دولية وبعد فحص وتمحيص وتعداد للسكان، ولا يشمل ذلك كلا من كركوك كمدينة وانما كأجزاء أو أقضية ونواحي محافظتها ذات الاغلبية الكردية الساحقة وسهل نينوى. حيث ان مدينة كركوك ستكون مثالا للتعايش المشترك بين أبنائها من مختلف القوميات والاديان، ولا يمكن ان يضمن ذلك في كنف دولة تكون القومية الكردية هي المسمى الوحيد والرئيسي لها. وبالنسبة لسهل نينوى وان كنت من رافضي استخدام السردية الاثنية ولكنني سألجأ لها بما ان العقل الكردي القومي يتبناها واستخدامه لها شائع، فعلى اعتبار أن الكرد هم من الأقوام الآرية وفقا لسرديتهم، فإن مناطق سهل نينوى تلك كانت على مر التاريخ ولا زالت موطنا للشعب الكلداني السرياني الاشوري والذي هو بدوره من الشعوب السامية بل ومن اعرقها واقدمها في المنطقة، وعلى ذلك الأساس التاريخي والسكاني فليس للمنطق القومي الكردي اي حجية للمطالبة بتلك المناطق.
ورجوعا الى مبدأ السيادة المذكور آنفاً، فكما يطلب مني احترام سيادة دولة كردستان القادمة، فأرجو أن يتفهم المقابل قراري السيادي بعدم فتح الحدود البرية بين العراق وكردستان بما أن هذا الأمر سيشكل حتماً ضررا على الاقتصاد والأمن العراقيين، والأكتفاء بالتواصل عبر الحدود الجوية حصراً. وكما أن لشركاء الوطن السابقين الحق في تقرير مصيرهم والسيادة على أراضيهم وحدودهم فلنا ايضا الحق والسيادة على حدودنا وارضنا وعلاقاتها.
ومن أهم ما يجب على العراق تجنبه مستقبلا هو الدخول في أي نزاع إقليمي مستقبلي قد ينشب بين دولة كردستان الفتية وجيرانها الثلاثة (تركيا وإيران وسوريا). كفانا قتالاً وتخريباً ودماراً، قدمنا الكثير من التضحيات البشرية الإقتصادية دون استحصال شئ سوى الدمار والخراب، فلنتجه الى بناء الإنسان المسالم اولا ثم نتوجه نحو بناء الحجر بعد ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على