الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في الحزب الشيوعي العراقي

جاسم الحلوائي

2006 / 2 / 16
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


هذا سؤال آخر من أسئلة السيد يوهان فرانزين وجوابي عليه، أنشره تحت العنوان المذكور. وسبق أن نشرت أجوبتي على عدد من أسئلته.
السؤال: هل تعتقد الآن بأن الديمقراطية الحزبية كانت مفعّلة؟ هل كان لديك دور واضح في اتخاذ القرارات المهمة، كعضو قيادي، هل هناك قرارات اتخذت من وراء ظهرك في المكتب السياسي؟
الجواب: لم تكن الديمقراطية مفعّلة، ولكنها لم تكن معدومة داخل الحزب الشيوعي العراقي. وسأتناول الموضوع من خلال ثلاث آليات وهي الإنتخابات والمناقشات ونظام إدارة الجلسات .
1. الإنتخابات: لم تجر إنتخابات للجنة المركزية كهيئة، بعد إعدام الرفيق يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفيقيه زكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي ( صارم) عام 1949، وإعتقال أعضاء اللجنة المركزية و سحق منظمات الحزب في الحملة البوليسية في تلك الفترة، إلا في عام 1956، وذلك في الكونفرنس الحزبي الثاني، ومن ثم في الكونفرنس الحزبي الثالث عام 1967. وبعد ذلك في المؤتمر الوطني الثالث. ليتواصل إنتخابها في المؤتمرات اللاحقة. واللجنة المركزية هي التي تنتخب المكتب السياسي والسكرتير. وكان مندوبوا المؤتمرات يُنتخبون في كونفرنسات محلية.
في أواسط السبعينيات، وعندما كان الحزب علني، كانت الخلايا تنتخب سكرتاريها تطبيقا لمادة في النظام الداخلي موروثة من أول نظام داخلي للحزب. وإشترك جميع أعضاء الحزب، بشكل مباشر أوغير مباشر [1] ، في إنتخاب مندوبي المؤتمر الوطني الثالث، والذي عقد في مقر الحزب المركزي العلني في بغداد عام 1976.
جميع الإنتخابات في الحزب حتي المؤتمرالرابع الذي عقد في عام 1985، كانت غير فعالة، لإجرائها بدون منافسة، تماما كما كانت تجري في الأحزاب الشيوعية الأخرى، لأن آلية الترشيح كانت مركزية. وقائمة المرشحين تساوي، على الأغلب، العدد المطلوب إنتخابهم. وإن وجد هامش للمنافسة فهو محدود جداً. فمثلا، كانت القائمة في الكونفرنس الثالث تضم 16 رفيقا، 13 منهم يُنتخبون كاعضاء والثلاثة الباقين يكونون أعضاء مرشحين وهم الذين يحصلون على أدنى الأصوات. والترشيح من خارج القائمة كان نادرا. وقد حصل "إختراقان" في إنتخابات اللجنة المركزية أحدهما في الكونفرنس الثالث، حيث رُشح أحد الرفاق من قبل المندوبين وفاز بصفة عضو. وهو كاتب هذه السطور. والثاني في المؤتمرالثالث حيث فاز الفقيد عمر الياس بصفة عضو مرشح للجنة المركزية من خارج القائمة.
2. المناقشات: لقد أعيد بناء الحزب الشيوعي العراقي في إربعينيات القرن الماضي، في عِز الستالينية، وكانت مفاهيم كالضبط الحديدي و مفهوم الوحدة الفكرية المنافي للديمقراطية، الذي كان ينص عليه النظام الداخلي للحزب، يضيّق على المناقشات. وإذا ما فرضت الظروف، على الحزب مناقشات سياسية و فكرية حادة، فلم يكن يتحمله الإطار المذكور، فتنشأ أرضية صالحة للإنشقاقات، كما حصل ذلك في عام 1953، وأقصد إنشقاق منظمة راية الشغيلة. أو في عام 1967، إنشقاق القيادة المركزية، وقد كانا إنشقاقين خطيرين في الحزب، الحقا أضراراً فادحة به. وقد حصل كل منهما بعد أربع سنوات من إنتكاستي 1949 و1963 على التوالي!
بالإرتباط مع الشروع بعقد كونفرنسات ومؤتمرات الحزب إبتداءا من النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، وما تطلبه ذلك من مناقشة لمسودات الوثائق، تنامت حرية المناقشة في الحزب. و مما ساعد على ذلك هو إرتفاع المستوى الثقافي العام في البلاد والوعي داخل الحزب وعودة مجموعة كوادر درست في الخارج في المدارس الحزبية ومجاميع أخرى أنهت دراستها الأكاديمية في مختلف الدول الأوربية. وكان للرفيق عزيز محمد الذي أنتخب سكرتيرا للجنة المركزية، في تلك الفترة دورا في ذلك، فهو بطبيعته ليس بيروقراطيا، ويميل للقيادة الجماعية، وينأى بنفسه عن الخلافات الفكرية والسياسية الحادة في اللجنة المركزية، ويحاول إيجاد الصيغ التوفيقية.
3. نظام إدارة الجلسات: كانت جلسات المؤتمرات والكونفرنسات المحلية على مختلف المستويات تدار سابقا من قبل قيادة الحزب أو المنظمة المعنية بالكونفرنس، بما في ذلك إجراء الإنتخابات. ومنذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، باشرت بعض منظمات الخارج الأخذ ببعض المبادئ الديمقراطية في إدارة الجلسات. وقد تبلورت أخيرا في نظام متكامل ومكتوب بأدق التفاصيل في " مؤتمر الديمقبراطية والتجديد " وتحول الآن الى جزء من تقاليد العمل . وقواعد هذا النظام، هي نفس القواعد المعمول بها في المنظمات والأحزاب الديمقراطية في العالم. ومن فقراته ما يلي:
ـ إنتخاب هيئة رئاسة للمؤتمر أو الكونفرنس المحلي، وإنتهاء مهمة الهيئة المنتخبة سابقا.
ـ إنتخاب لجنة إعتماد، والتي من ضمن مهامها إجراء الإنتخابات للهيئات القيادية الجديدة من البداية وحتى النهاية وبدون تدخل أحد في شؤونها ،على ان لا يكون احدا من اعضائها مرشحا لتلك الهيئات . وتجري الإنتخابات بشكل سري .
هذا فضلا عن قواعد التصويت على المقترحات ومشاريع القرارات و...الخ
***
وفيما يتعلق الأمر بدوري في إتخاذ القرارات المهمة، فأعتقد بأن دور أي عضو في اللجنة المركزية كان مهما، فقرارات اللجنة المركزية لم تتخذ دائما بالإجماع وعندذاك يصبح كل صوت مهما، على سبيل المثال لا الحصر:
** في إجتماع اللجنة المركزية الطارئ المنعقد في تموز عام 1973، وكان مكرسا لمناقشة عقد التحالف مع حزب البعث. ( لم أحضره لوجود ي خارج العراق في معهد العلوم الإجتماعية في موسكو) جرت مناقشة حادة في اللجنة المركزية التي إنقسمت على أثرها الى قسمين، وصوت لصالح عقد الجبهة سبعة رفاق وعارضها ثمانية رفاق. أعيد النقاش ثانية في اللجنة، وعند التصويت تحول الرفيق أحمد بانيخيلاني من معارض الى مؤيد. وبعد هذا الإجتماع أعلنت الجبهة.[2]
** في إجتماع اللجنة المركزية المنعقد في نيسان عام 1965، لم يكن شعار إسقاط السلطة واردا لا في مسودة البيان الذي طرح للمناقشة من قبل رفاق المكتب السياسي، ولا بعد تعديله على ضوء المناقشات التي جرت في المنظمات. وإنما طرح للمناقشة في الإجتماع من قبل أعضاء اللجنة المركزية. وكان ما ورد في مطالعتي في الإجتماع، بأن الرأي العام في منظمة بغداد ( أكبر وأهم منظمات الحزب، وكنت سكرتير لجنتها ) يطالب برفع الشعار المذكور، قد لعب دوره في إستمالة أعضاء اللجنة المترددين لتبني الشعار.
وطبيعة مهمتي في اللجنة المركزية في الفترة العلنية في سبعينيات القرن الماضي كانت تتيح لي أن العب دورا لايستهان به. فقد كنت سكرتيرا للجنة التنظيم المركزي وعضو سكرتارية اللجنة المركزية، والأخيرة هيئة صغيرة من خمسة رفاق، منتخبة من اللجنة المركزية يرأسها سكرتير اللجنة المركزية الرفيق عزيز محمد وهي مسؤولة عن إدارة شؤون العمل اليومي للحزب، ولديها صلاحيات مهمة. وكنت عضوا في لجنة العمل الآيديولوجي وكان سكرتيرها زكي خيري، ومشرفا على لجنة التوجيه الفلاحي ومشرفا كذلك على المدرسة الحزبية المركزية!؟
***
أما بخصوص سؤالك: هل هناك قرارات اتخذت من وراء ظهري في المكتب السياسي؟
كانت تتخذ الكثير من القرارات الهامة في المكتب السياسي من وراء ظهري وظهر اللجنة المركزية، ولكنها كانت ضمن صلاحيات المكتب السياسي الواسعة والمنصوص عليها في النظام الداخلي. فالمكتب السياسي حسب النظام الداخلي القديم كان يقوم مقام اللجنة المركزية بين إجتماعاتها. وكان النص كما يلي:
ـ المكتب السياسي ـ هو مكتب اللجنة المركزية وينوب عنها بين الإجتماعات ومسؤول عن نشاطه تجاهها وينفذ جميع مهامها وله صلاحياتها. ( خطوط التشديد مني. ج)
وقد غير"مؤتمر الديمقراطية والتجديد" المنعقد في عام 1993، مهام المكتب السياسي جذريا، فقد جاء في النظام الداخلي الذي أقره مايلي:
ـ المادة 17 المكتب السياسي للجنة المركزي للحزب
1ـ المكتب السياسي هو مكتب اللجنة المركزية، يسهر على تنفيذ قراراتها، وهو مسؤول أمامها.
2ـ على المكتب السياسي تقديم تقارير منتظمة الى إجتماعات اللجنة المركزية، تتناول تطبيق الخط السياسي العام للحزب، وقضايا الحزب الداخلية وماليته.
وتكرر هذا النص في الطبعات الجديدة للنظام الداخلي في المؤتمرات اللاحقة.
أما فيما يخصني شخصيا، على سبيل المثال ، فقد نسبت للعمل كسكرتير لأكثر من لجنة محافظة ولجميع اللجان المنطقية في العراق والعاصمة بغداد ثلاث مرات ومنظمة خارج الوطن، ولم يجر التشاور معي قبل إتخاذ القرار، ولا مرة واحدة، وكان ذلك جزء من تقاليد العمل الحزبي آنئذ. والمرة اليتيمة التي جرى فيها التشاور معي كانت في عام 1985، حيث عرض عليّ المكتب السياسي ثلاث مهام لإختيار واحدة منها، وعندما عرفت بأن الحاجة ماسة لكي أكون ممثلا للحزب في بلغاريا ولقيادة المنظمة هناك، لم أتردد في الموافقة، وكانت إحدى المهام الأخرى مسؤولية قيادة منظمات الخارج والتي كان مقرها في براغ . أما الثالثة فكانت مسؤولية قيادة منظمة موسكو.
***
منذ عام 1990، وقبل ذلك بقليل، شرعت المنظمات بمناقشات واسعة تستهدف دَمقرطة وتجديد آيديولوجيا الحزب وذلك من خلال مناقشة وثيقة مركزية. وأصبح طرح وثائق الحزب الأساسية للمناقشة على قاعدة الحزب وجمهرة أصدقائه والقوى والأحزاب الوطنية وعموم أبناء الشعب، قبل إقرارها في مؤتمرات الحزب، نهجا ثابتاً منذ ذلك الحين. أما قبل ذلك فكان إعتماد هذه الآلية وسعة إستخدامها خاضعة للظروف السياسية.
وأخذت المنظمات خارج الوطن، وحيثما لايوجد عائق أمني، تنتخب هيئاتها القيادية بطريقة ديمقراطية عن طريق الترشيح الفردي. وفي المؤتمر الوطني الخامس ( مؤتمر الديمقراطية والتجديد)، الذي مر ذكره والذي حضرته، كما ذكرت ذلك سابقا، جرت الإنتخابات بطريقة ديمقراطية لاتشوبها أية شائبة. وإستمر الحال، ولا يزال على نفس المنوال. ولا غرو في ذلك فقد تحول الحزب الشيوعي الى حزب ديمقراطي، فقد جاء في مقدمة النظام الداخلي الراهن، وهي نفس المقدمة التي أقرًت في "مؤتمر الديمقراطية والتجديد" مايلي:
ـ والحزب الشيوعي العراقي حزب ديمقراطي، من حيث جوهره واهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الإجتماعية والسياسية الأخرى. وهو إذ يرفض كل شكل من أشكال الحكم الإستبدادي والتسلط السياسي ومصادرة حقوق الإنسان، يناضل من أجل إقامة نظام سياسي ديمقراطي، وتأمين العدالة الإجتماعية.
________________________________________
[1] ـ لم يشترك أعضاء الخلايا في إنتخاب مندوبي المؤتمر مباشرة بل ساهموا في ذلك من خلال سكرتاري الخلايا المنتخبين.
[2] ـ للمزيد أنظر بهاء الدين نوري. مذكرات، ص 424. يحتمل أن يكون هناك إلتباسا في عدد الحضور، فمعلوماتي تفيد بأن عددهم كان 13 رفيقا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية