الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين المنحى المفاهيمي والمنحى الجمالي قراءة في مجموعة (أيوب يرحل مرتين ) للشاعر الأديب صلاح ابوسهير

صلاح ابوسهير

2017 / 9 / 27
الادب والفن


بين المنحى المفاهيمي والمنحى الجمالي
قراءة في مجموعة (أيوب يرحل مرتين ) صلاح ابوسهير

الدكتور الأديب الراحل :محمد سعيد الأمجد

لقد تحدثنا كثيراً حول العلاقة الجدلية والترابط البنيوي بين الوظيفة الفكرية للشعر ووظيفته الجمالية ، وقلنا ان الوظيفة الجمالية هي الأساس في البناء الشعري وهو يتعكز على اللغة في أداء وظيفته تلك – طبعا الكلام وفق المنظور الشعري الحديث وماركزته المدرسة الألسنية بطرقها المختلف عن مفهومه بل في مفهوم الكتابة بشتى ألوانها وهذا ليس دعوى لتفريغ الشعر من إيحاءاته وامتداداته في حركة الواقع ، بل هو رصد للآلية الصحيحة التي يعبر بها الشعر عن تجربة صاحبه في الحياة وممارسة الفكر بما فيه الأيدلوجية كمصدر ملم للشاعر ومحرك يؤشر سلامة تجربته الذاتية وإشعاعاتها ... المهم ان الشعر يصور الفكرة ويستوحي بعدها ولايقررها بشكل مباشر فج يضعها في مصاف الفكرة ذاتها ، فتتحول القصيدة إلى ( لافته ) أو (شعار ) فتضيع روح الشعر وجوهرة بضياع جماليته وتألق كلماته ورموزه وصوره .
وهذا ليس معنى مستحدثا قذفته حركة الحداثة بجدلياتها الحادة ، بل تجد له مرجعيته حتى في الشعر الجاهلي الذي أسس انطلاقة الشعر على ارض الصحراء والطلول والشمس العربية اللاهبة ، فهنالك فرق كبير بين ( مكر مفّر مقبل مدبر معا ً – كجلمود صخر حطه السيل من عل ) وبين (فيالك من ليل كأن نجومه – بكل مغار الفتل شدت بيذبل ) حيث نجد البيتين وهما من معلقة واحدة لامرئ القيس يعكسان فرقا صياغيا واضحا لاتجذبنا من الاول غير الموسيقى فيما يشدنا الثاني بالاضافة الى موسيقاه – بصورة رائعة مستوحاة من شد النجوم بجبل ( يذبل ) وهي كناية عن طول الليل ببساطة ! ولسنا بصدد البحث حول سياق هذه الفكرة ( الوظيفة الاساسية للشعر هي الجمال )* في مضانها من تراث العرب ، بقدر مانحن بصدد الاشارة الى ذلك كمدخل لقراءة اولية اجمالية اسعفنا الوقت قليلا لكتابتها عن المجموعة الشعرية الاولى للشاعر صلاح أبوسهير ، وهو شاعر انحدر من اصل جنوبي عراقي اصيل .. حاملا معه ارث الصحراء بكل ماتزخر به من قيم ومُثل ومعاني ... سوق الشيوخ تلك المدينة العراقية البطلة التي انجبت الابطال وخرجّت الاجيال وزاوجت بين البعد الرؤيوي العميق للحياة وامتدادها الموغل في عمق التاريخ والحضارة والرسالة الإسلامية العظيمة ...
ولاننا لسنا بصدد قراءة قصائد المجموعة بشكل استقرائي كشفي يستخبر كل عناصرها الإبداعية كما يظهر نقاط ضعفها من حيث الشكل والمضمون دفعا لها لاستحلاب شاعرها واستدرارا وعيه وقدرته الكتابية من اجل انتاج آخر اقوي وأعمق وأجمل ...سوف نقصر الحديث حول مدى قدرة المجموعة على حل الإشكال الوظيفية للشعر كنموذج يكاد ان يكون حديثا ، وضع ليكون أطروحة وان كانت بشكل غير مقصود – تلك المزاوجة المطلوبة بين الوظيفة الفكرية والمفاهيمية للشعر وبين وظيفته الجمالية والتعبيرية الاساس .
نجد هاجس الصياغة لدى الحسناوي عبر قصائده بشكل واضح ،فنراه يترك مايسمى بـ ( تكنيك الإشارة ) ليعرفنا بنفسه تعريفا يرتقي مواضعات العادة ليصل إلى حد استجلاء المفهوم وصياغة الفكرة التي تحفظ له جهادة المرير وممارساته السلوكية التي امتدت كشريط مسافر على طول فترة المنفى والجراح اللذين هو بصدد ابداع لغة ٍ لهما ، فهل نجح في تكوين تلك اللغة المنشودة ؟ ثم ماهو المفهوم اللغوي لدى الشاعر ؟ تجيبنا تعريفاته وفي المقطعين الأخيرين تتم المزاوجة المذكورة بشكل واع على المستويين الفكري والشعري ، بل يتجاوز هذا الوعي لدى الشاعر مديات أقصى حينما يقف القارئ – المتلقي الواعي على ثقافة النقد وربط الكلمة – الحرف ببعده الحياتي الحيوي الذي يعيد له ثقته بدورة الحركي في الواقع مع سباكة للجملة الشعرية تكاد تكون القمة في قصائد المجموعة من الناحية التعبيرية والاسلوبية :
الحرف سكينة صدري المهموم / اذبح بشفرته أقنعة الزيف / فوق هذا البياض ! / الحرف مدينة العجائب / تسكنها العباقرة / الحرف ترابي الضائع / وصدى امي / الحرف فضاءٍ ساحر / اسبح في حد الغرق !
ولكن الشاعر صلاح أبوسهير هنا ... وهو يحقق الفوز في المزاوجة المرجوة ، يقطع النقد ُ تصفيقنا له بالفات نظرنا الى غياب الترابط الضروري بين الجمل الشعرية ، والذي يمنح الجمل شكل القصيدة الحديثة فيما تنساب كلمات أبوسهير هنا بما هو اشبه بالحكم المتضمنة للشاعرية ، فتذكر كلام الحكماء والمتكلمين والمتصوفة والعاشقين حينا نقول لهم : ان هذا كلام شاعري رائع ، ويبقى لدى الناقد سؤال الفرق قائما بين هذا وبين الشعر كمفهوم ونموذج .. وربما تجاوز الشاعر هذه الاشكالية فيما قدمه لنا من تعاريف ومفاهيم حول التراب :
قصائد مكفنة / في حقائب مهملة / مضيف القصب المشيد من كرامة الجنوب / بوصلة تهديني في الضباب / رؤى يتيمة كالسراب ! / ص 25( التراب 1 ) / آهاتنا مخبوءة ٍ / اسفل تمثال السياب سيدة الهواء / تموت بمخالب الجاهلية ! / انامل تاكلها رمال الصحراء / افواج تساق / الى ملحمة البسوس / عيون تتقيا السلام ص27 ( التراب 3 ) / بساتين تنام بقبلة الفرات . ارائك تحمل/ شيوخ المنطق / التراب شلال العين المتساقط فوق بياض الشعراء / ص28 ( التراب 4 )
ففي هذه المقطوعات النثرية التي اخترنا منها هذه الجمل تبدو شاعرية ابوسهير بشكل واضح توضيفاً للشعر الرمزي وسباكة للجملة واستخداما للمفردة الجميلة الواعية التي تشع بالرؤى والمفاهيم والفن والابتكار خصوصا حينما نتامل هذا الربط التاريخي الجدلي بين الواقع الفضيع الذي نعيشه مع الشاعر وبين المآسي التاريخية المماثلة ( ملحمة البسوس ، الصحراء ، مخالب الجاهلية ) وكأن التاريخ يعيد انتاج نفسه على يد القدرة التصويرية للشاعر وعدسته الجمالية .
ثم يكلل صلاح ابوسهير نجاحه هذا بان يتجافى عن البحث الاعمى في مضان التاريخ ليدلنا على الرمز الذي انتصر على اعداء التراب ، وتوحد بالارض والكلمة والمبدأ ، واقام مملكة ذهبية من فتح عظيم تشيد بدمه ومعاناته الفريدة ،الا وهو الامام الحسين (ع) الذي اقام نهضته على تراب ارض الشاعر المنفي صاحب المجموعة ، وكانه يريد ان يوحي لنا بان تمسكه بالتراب ليس اعتدادا بقطعة جامدة من جغرافية العالم ، بل هو تمسك بمبدا اراق روحه في محرابه انبل شخص واقدس امتدادٍ للرسالة الاسلامية الحية حتى صار رمزا للشاعر يتغنى به مواسيا روحه المعذبة فوق ارصفة الياع والمنفى :
أتيت الى التراب / انشودة خالدة / وكنت الفرات ... السنابل ... الرؤى الصامدة / فلا ادري اانت الشهيد ام العراق ... ام انكما ثورة واحدة !
وبعد هذا يصطحبنا الشاعر الحسناوي في رحلة تعريفية اخرى مصطحبا معه كشافة الشعري ولغته الجميلة ( غير المموسقة )، مضيئا امامنا تراكيب لغوية تتقارب مع قصيدة النثر ، ونحن هنا نرحل معه في دراسة تحليلية لهذه التراكيب – التعريف لنرى مدى انسجامها مع ماتبناه هو من وعد ٍ قطعه على نفسه في ( المقدمة ) من ناحية تلك المزاوجة المفاهيمية الجمالية ... ونرتبها بالشكل الباني الاتي حسب اشعاعها الجمالي وروحها الشعرية اذ ان هذه البنائية ضرورية في رصد مدى نجاح المجموعة في حل الاشكالية المعاصرة المثتملة بثنائية الاصالة والابداع او الالتزام والشعرية فهو يقول : المنفى :
اشباح خلف اسوار الحزن سلاسل تقيد الغرباء
دخان السجائر يسري في اوردة اللانزف قلوب تترقب الاياب
سيدة الهواء توغل في الوحى قصائد يعطرها الحنين
حفر لتناسل الفئران شعراء بلا مأوى
مدن لاتحتوي النخيل بيت بلا عنوان
جواز سفر يؤشر بالتيه اطفال بلا هوية
خرائط تحتضن التائهين فراتيون بلا وطن
ملاجئ تدفن الحقيقة فنادق تتطاير من نوافذها
طيور تهجر اقفاص نوافذها الحسرات
الموت بشر بلا تراب
اقدام تجر الضياع اقوام يسخرون من لغتنا
وبين قوسي الصعود والنزل وعلى الرغم تذبذب اللغة الشعرية وفق الخط الباني اعلاه والذي يطبع غالب المجموعة تظل مجموعة الشاعر أبوسهير نموذجا شعريا واعدا بكل ماهو جديد ومبتكر ، ومنتجا من الرؤى والافكار الشعرية التي تضاف الى رصيد رؤيتنا الجمالية للواقع والاشياء وتعكس هوية نظالنا المستمر مع الذات والواقع المستلب ... كما انها تسهم بشكل مافي بلورة مدرستنا الشعرية التي نصبو لها عبر مانفترضه من ادب اسلامي مع تمنياتنا له ولكل شاعر واديب ملتزم بالرقي والصنع والابداع .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????


.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ




.. الذكرى الأولى لرحيل الفنان مصطفى درويش