الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا والملف العراقي ... الحاجة لحركة تصحيحية جديدة ؟

داود البصري

2003 / 2 / 27
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                                     

 

لم يعد سرا دفينا معرفة الهدف الإستراتيجي الشامل للحرب الوشيكة على النظام العراقي والتي تؤذن بإقتلاعه بعد عقود ثلاث طويلة من الحكم والتحكم وإدارة الصراعات الإقليمية وترتيب الملفات والأولويات وبعد إنتفاء الحاجة لخدمات النظام العراقي وهي في واقع الأمر كانت ( خدمات جليلة ) للأطراف والقوى الدولية التي ساعدت على إيصال نظام البعث العراقي للسلطة في تموز 1968 وبعد حملات الرفض الشعبية العارمة لنتائج هزيمة الخامس من حزيران / يونيو 1967 والتي شكلت طعنة كارثية للمشروع النهضوي العربي ممثلا بقيادة المرحوم جمال عبد الناصر والذي أستنزف نظامه بالصراعات العربية ثم جاءت الحرب مع إسرائيل مستغلة الصراع الداخلي في مصر بين المشير والرئيس لتجهز على النظام الناصري الذي تهيأ للرد وإزالة أثار العدوان ومحاولة إعادة الثقة للجيش المصري وبقية الجيوش العربية بعد الهزيمة العسكرية الفضائحية في حرب الأيام الستة ؟ وليس هنالك من تعطيل للجهود الناصرية أفضل من أسلوب إثارة حروب ( الضد النوعي ) ! أي محاربة القضية بنفس سلاحها الآيديولوجي ! فتم تهيئة الأمور للبعث العراقي المعزول شعبيا والمكروه إجتماعيا منذ الإنقلاب الدموي الشهير في فبراير / شباط 1963 ليعود للسلطة في إنقلاب القصر المعروف المدعوم أميركيا وإنجليزيا ليفتح البعثيون في العراق باكورة معاركهم مع الجماعات القومية وليناصبوا نظام الرئيس عبد الناصر العداء في أولى تطبيقات نظرية ( الضد النوعي ) السياسي العربية ، وليتوتر الموقف العراقي مع الحزب المناؤي في دمشق أيضا ولتستمر الصورة العدائية الشرسة بين النظامين اللدودين حتى لسنوات قليلة مضت وتحديدا عام 1997 أي في أخريات أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي وقف مواقفا صلبة من الحكم العراقي طيلة ثلاثة عقود بعد أن قاد حركة تصحيحية داخل النظام السوري جرد خلالها جناح المتطرفين وأصحاب الشعارات من سلطاتهم وسياساتهم التي ضعضعت الإقتصاد والمجتمع السوري ولم تستطع أن تقود البلاد لسد الأمان وليكون منذ عام 1971 مسؤولا عن قيادة السفينة السورية ليس وفقا لمباديء الحزب البعثي الحاكم فقط بل عبر العديد من السياسات البراغماتية التي تتجاوز النصوص والتعليمات العقائدية والحزبية المتخشبة وفي وضع دولي وإقليمي كان صعبا وحساسا ، فخاض حرب تشرين / أكتوبر بمعية الشقيق المصري وكان يعلم أنها حرب تحريكية للموقف الجامد رغم أن الإعلام السوري كان يصدح بحروب التحرير والشعارات االكبيرة ؟ ثم إستفاد من الطفرة الهائلة في أسعار البترول التي أعقبت تلك الحرب لبناء القاعدة الإقتصادية السورية وتجييش الجيش وتحديث المؤسسة العسكرية بالتعاون مع الإتحاد السوفياتي الراحل دون حظوظ كبيرة من النجاح ، وبعد إندلاع الحرب العراقية / الإيرانية عام 1980 كان الطرف العربي الوحيد الذي وقف موقفا مخالفا للغالبية العربية وفي تصحية إستراتيجية كبرى أثبتت جدواها وفاعليتها بعد عقد من السنين حينما غزا النظام العراقي الكويت ليهب العرب صوب الطبيب السوري المجرب والعارف بأحابيل النظام العراقي طلبا للعون والنصرة فدخل التحالف الدولي بعد أن إستنفذ كل الوسائل الممكنة لأقناع صدام بالإنسحاب قبل فوات الأوان .. ولكن لاأحد يسمع أو يتعظ ؟ ثم جرى ماجرى بعد عاصفة الصحراء وإعلان دمشق وقيام مؤتمر مدريد وتفاعلاته ثم جاءت أوسلو ومصائبها ليرحل الأسد ( البراغماتي ) ويحل محله ولده الشاب وغير المجرب سياسيا الدكتور بشار الأسد والذي إستبشرت به القطاعات الشابة من الشعب السوري خيرا لأنه وبصرف النظر عن طبيعة وآلية إنتقال السلطة إليه بشكل وراثي في ظل نظام إشتراكي وحزبي وجمهوري أيضا !! إلا أنه جاء محملا بشعارات المرحلة وبتحدي الشباب وحماستهم والرغبة العارمة في تجاوز سنوات الجمود والتحدي والدم والشعارات والتصفيات ودولة المخابرات الشمولية! وهذه جميعها تركة وإرث ثقيل لايعالج بين عشية وضحاها ، ولاتكفي النوايا الحسنة وحدها لمعالجته العلاج الناجع المطلوب ؟ وليس سرا أن بشار الأسد لايحكم منفردا وبرؤيته السياسية الإصلاحية بل أن هنالك الحرس القديم الذين كانت لهم أدوارهم في توطيد حكم والده الراحل ومن الذين يمثلون الزعامات التاريخية للحزب أو النظام ومؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية والإقتصادية ، لذلك كان التعثر الكبير في قضايا الحريات والمجتمع المدني والصراع الكبير بين شعارات الإصلاح والتغيير ومحاولات الحفاظ على هيبة الحزب والنظام ورجالاته القدماء وهي مهمة ليست باليسيرة في ظل أوضاع إقليمية متوترة وإستمرارية خضوع أجزاء مهمة من الأراضي السورية تحت رحمة الإحتلال الإسرائيلي في الجولان فضلا عن تشابكات الوضع اللبناني الحساسة والمعقدة لتأتي الأزمة العراقية وتلقي بظلالها الكئيبة على المشهد السوري الداخلي ؟.

ولعل اللقاءات الأخيرة بين عبد الحليم خدام ونائب الرئيس العراقي طه الجزراوي وتناسي صفحات رهيبة من العداء الدموي بين النظامين وبالشكل الذي إنعكس على هامش إجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة والذي رسم ملامح أزمة خليجية سورية بسبب التعاطي مع ملف النظام العراقي يرسم صورة واقعية للتحديات الداخلية التي تجابه الرئيس بشار الأسد ، فتحالف الرعيل الأول من القيادة السورية مع النظام العراقي يعني الوقوف بوجه العملاق الأميركي الهائح الذي لايخفي مطالباته المعلنة بترتيب صورة المنطقة إستراتيجيا؟ كما أن رغبات الرئيس الأسد بالإصلاح وتجاوز عقبات وكوارث الماضي وإخفاقاته تصطدم بالرؤية العقائدية المتيبسة لقادة الحزب من أمثال خدام والأحمر ومشارقة وغيرهم في الأمن والمخابرات ؟ وهي رؤية تهدد مستقبل النظام لأنها تحاول الإرتباط مع خصم تاريخي يحاول توريط أكبر عدد ممكن من الفرقاء العرب معه من أجل إنتشال موقفه الضعيف ؟.

والرئيس السوري حتى وإن كان متعاطفا مع القيادة العراقية التي تجابه خطر الإقصاء وبما يهدد مستقبل النظام السوري ذاته ، إلا أن رؤيته الإصلاحية تنسجم ودعوات تطوير الأنظمة السياسية في المنطقة لأدواتها ووسائلها وتحديث المجتمعات العربية ؟

فهل يضرب الرئيس السوري ضربته عبر حركة تصحيحية سريعة تنتشل سوريا من أزمة اللا قرار واللاهوية سياسية وبشكل يتناسب مع طموحات الرئيس الشاب وأفكاره الإصلاحية ويبعد رجال الحرس القديم الذين أضحى وجودهم من عناصر عدم الإستقرار المستقبلية ؟ فهل يتمكن الرئيس بشار الأسد من الإستقلال بالسلطة لأول مرة ليدشن عهده الإصلاحي الخاص ؟

الأمر المؤكد هو أن سوريا بحاجة لحركة تصحيحية جديدة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معبر رفح.. مصر تصر على انسحاب القوات الإسرائيلية| #غرفة_الأخ


.. توتر متصاعد على الحدود اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل| #غرف




.. سماع دوي اشتباكات بعد اقتحام قوات الاحتلال طوباس بالضفة الغر


.. مسيرتان في سيدني وملبورن بأستراليا للمطالبة بوقف الحرب على غ




.. حزب المؤتمر الوطني في جنوب إفريقيا يتصدر رغم فقده الأغلبية ا