الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الأدباء : روهينغا الفكر البشري
جميل فتحي الهمامي
2017 / 9 / 29الادب والفن
إن مفهوم المتن يقتضي دوما البحث عن الهامش ، مثلما المركز له أطراف ، والعاصمة تقف بجانبها المدينة الصغيرة والقرية ، والحي الشعبي. الأولى تحظى بأن تكون مركزا للرواد ، والثانية تكون في حيز اللاموجود في وعي الغالب والمهيمن والمسيطر على المجال ، أي مجال في هذا الوجود. في هذه المقاربة ، سأتطرق لمفهوم المهمشين في المجال الإبداعي الثقافي ، ولن أتحدث عن المهمشين كثيمات موضوعاتية في النص الأدبي الثقافي ، بل سأتحدث عن المبدعين بوصفهم مهمشين ، ومقصيين من مراكز الثقافة في العالم كله ، وليس العالم العربي وحسب ، فمن السطحية أن نتهم بيئة معينة بالتهميش من دون غيرها من المجتمعات الإنسانية ، قد يزيد في واحدة منها دون الأخرى ولكنه موجود بنسب متفاوتة ، وهذا يعتمد على طبيعة العلاقة بين المتن والهامش.
المهمش بشكل عام هو من يقصى بشكل متعمد من نسق إنساني اجتماعي وثقافي غالب، ومهمين على الفضاء المكاني والزماني الذي يتحرك به الفرد، ولنلاحظ ان المهمش يختلف عن المنفي، فالمنفي قد يكون اختار المنفى ، فهو منفي باختياره الإنساني المحض، لكن المهمش هو معزول عن قصدية تقف خلف هذا الغياب. والمهمش هو حاضر ولكنه يغيب عن ذهن المجتمع لأسباب عدة، وهي عدم الإحساس بأهمية هذا الفرد، وهذا أهون هذه الأسباب، وأما بقية الأسباب فهي تتدرج بين الحسد والغيرة والتنافس على مركز معين، والخوف من سلطة المهمش المعرفية والإنسانية، فيقصى كي لا يزيح المتن، أو قد يكون التهميش ناتجا عن الاختلاف ، فالمختلف غير مرغوب بالجماعات الإنسانية. وليكن أمام أعينا مبدأ واضح ، إنه لا يهمش إلا من يخاف خطره وقوته في التأثير، فالوعي لايعزل إلا المهم الذي يرى إنه له قوة تزلزل هذه الذات الثابتة، إلا في حالات إبداعية ضعيفة وركيكة فإنها تصارح بموقعها ولا تعزل. ومن منحى فلسفسي ذي نزعة إنسانية نقف أمام إسهامات كل من ميشيل فوكو ، وجاك ديريدا، و بيير بورديو، وإدوارد سعيد ، وجوليا كريستفيا، وغيرهم من المفكرين الإنسانيين ممن بحثوا في صور الاقصاء والتهميش والعزل الإنساني، ففوكو بحث في المرضى والمجانين، والنساء، كعناصر معزولة عن المجتمع وتبرهن على هوية أخرى لمركز المجتمع، فالمهمشون مدخل لفهم ثقافة المركز، التي اعتنى بها دريدا في “الكتابة والاختلاف” كاشفا عن ثقافة المركز ، ومركزيتها الإقصائية للأطراف، حيث لا ترى إلا نفسها، ولا تقرأ اختلاف الآخر، ليأتي سعيد ويفهم هذا كله، ويكون نسقا مختلفا ومغايرا تحاربه وتهمشه المؤسسة السياسية والثقافية الغربية، لرميه حجرا معرفيا يحرك مياه الفكر الاستعماري الراكدة والثابتة، بينما نجد بيير بورديو يصور حالات المعزولين من المهاجرين الجزائريين في أحد الأحياء الفرنسية الفقيرة، في كتابه “بؤس العالم”، وتشابهه في الاهتمام الناقدة الفرنسية “جوليا كريستيفيا” في كتابها “غرباء عن أنفسنا” في رصد حالات المنفيين والأجانب والغرباء، وتحليل نفسي دقيق لأدق تفاصيل المغتربين من حيث اللغة، وممارستهم لها، وكيف ان تكون اللغة بحد ذاتها حاجزا نفسيا كبيرا يمنع من التواصل مع الاخر ، وغيرها من الصور اليومية لعذاب المغترب والمعزول، وتأتي سبيفاك لتتحدث عن النساء الهنديات المعزولات ، بوصفهن مدلولا أي مفعولا به ، وليس دالا فاعلا نشطا في كتابها هل يستطيع الثانوي أن يتحدث ؟ لتكشف عن حق النساء المهمشات والمحرومات من حق الكلام . كل هذه الخلفيات المعرفية المؤسسة لثقافة الهامش، تجعلنا نقر بوجود الهامش في كل جوانب الحياة أيا كانت، ونحاول التخصص في الحديث عن الأدباء المهمشين والمفكرين والفنانين الذين يحاربون بالأوساط الثقافية، لنحاول أن نسمع بعضنا البعض ونتحاور بشكل جماعي، ونعترف بوجود أدب آخر، نقرأه ونساهم في تنميته بنقده بمصداقية وموضوعية وحيادية، فعندما تقرأ عن صيحات إبداعية منتشرة في أرجاء هذا العالم الكبير الذي ضاق به بنو البشر من بعضهم البعض وأمعنوا في فنون الأقصاء والتهميش، عن مؤتمر عن “ المهمشين الحقيقين” على رصيف قصر ثقافة المنصورة، الذي نظمه حسام حشيش وزملاؤه من الأدباء في المنصورة محتجين على مؤتمر بعنوان : “ المهمشون في المشهد الأدبي” وهو عنوان يغاير مضمون المؤتمر حيث تتكر نفس الأسماء المعتادة في كل عام ، وفي هذا الموضوع راعني ما قالته الصديقة فاطمة الزهراء رئيسة اتحاد فرع المنصورة ودمياط: عندما جاءتني دعوة حشيش لحضور المؤتمر كانت بمثابة القشة التي تعلق بها الغريق ، فأنا أعمل في المجال الثقافي منذ ثلاثين عاما ولم أحظى بتكريم، أو حتى تقدير لمجهوداتي، فقط التجاهل التام من المؤسسات الثقافية...
ولكم أن تتخيلوا ماهو الأثر النفسي والإنساني والاجتماعي الذي يتركه العزل والإقصاء على نفس المرء، فما بالكم بإنسان مثقف واعي مبدع، في شتى الفنون الإنسانية، تأتيه شللية ثقافية معينة تحاربه بصورة غير علنية، لا تقرأه، وإن قرأت له، أو شهدت آثارا من إبداعه، ادعت ضيق الوقت، أو عدم التمكن من رؤية الإبداع، أو تزييف حقيقية النص الإبداعي، بلصق النص بما ليس فيه، فكثير من لا يقرأ للشباب لأنهم شباب، ويفترضون بأن لغتهم ضعيفة، أو إنهم ليس لديهم هذا العمق المعرفي المفترض عند شيوخ الثقافة، إهرامات مصر، وحدائق بابل، الجامدة والخالية من روح التفاعل والتواصل الإنساني، والتهميش لا يتوقف عن عدم القراءة والتفاعل بل يكون من خلال الحرمان من منصب وترقية، ومقابلة في صحيفة أو تلفزيون، أو حتى من مصدر رزق للإنسان.
ختاما ، و نحن نرى حال أغلب المثٌّقّفين في العالم و أغلبهم يعيش حالة من البؤس ، لا يسعنا القول سوى أنّ المثقّفين هم " روهينغا " الفكر البشري...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-???? لما لبلبة مشيت في الشارع
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة