الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصيحة إلى الدكتور فيصل القاسم : - أغمض عينيك عندما تنام -

أنيس يحيى

2006 / 2 / 16
الصحافة والاعلام


نصيحة إلى فيصل القاسم :
" أغمض عينيك عندما تنام "
لا أدري كيف تبادر لي أن الدكتور فيصل القاسم ، وهو الاعلامي المتميز لا يغمض عينيه أثناء النوم . ولو كان الذي بيننا يسمح بالمداعبة لنصحته أيضاً بعدم إبقاء نظارتيه الشفافتين على وجهه عندما يأوى إلى الفراش .
عندما أشاهد الدكتور فيصل في برنامجه " الاتجاه المعاكس " ، أو عندما أقرأ له مقالة ما ، تختلط عندي الرؤيا . أراه واقفاً مع الليبراليين ، لكنه يتحدث بلغة خصومهم . ها هو في مقالته الاخيرة " لماذا لا يتوارون خجلاً ؟ "يكيل التهم ، وشيئاً من الشتائم لل " متربليين " . فهم عنده " مروجو الهزيمة " و " وجلادو الذات " .إلى غير ذلك من النعوت التي لا تعبر إلا عن حالة انفعالية متمكنة من صاحبها ؛ وكأني به يعاني من حالة اختناق شديدة دون أن يدري أن الاصابع التي تشد على عنقه هي أصابعه بالذات .
في البداية لا بد من الاعتراف أن الليبراليين مثل سواهم من البشر ، يخطئون أحياناً ، إلا أن أخطاءهم تبقى أخطاء الذاهبين إلى أحلامهم ، وإلى ما يرتسم من بشائر لغد أكثر فرحاً . وأظن أن تهم الدكتور فيصل وشتائمه ستكون أشد أذى لو حاول الليبراليون القول أن عالمنا العربي على خير ما يرام ؛ حريات ، تنمية ، عصرنة ، إلى ما هنالك من مفردات يصعب العثور على مدلولاتها في دنيا العرب .
هنالك قول لأدونيس : " لا نستطيع أن نغلب الموت إلا بوسيلة واحدة : أن نسبقه إلى تغيير العالم " .
ماذا يفعل الليبراليون سوى محاولاتهم ، المكلِفة جداً استباق الموت ، وتغيير عالمنا العربي الذي ما زال واقفاً في المكان الذي وقف فوقه أجدادنا منذ قرون ؟
يخطىء الليبراليون في التعاطي مع تلك الثقافة الجامدة التي ما زالت تحتفظ بالأظافر والأنياب ؟ ممكن جداً . إلا أنهم مصممون على إحداث التغيير . ومن الخطأ اعتبار ما تقوله غالبية الليبراليين ، محاولة " لتثبيط الهمم وتكريس الروح الانهزامية " . فالخطأ هو في الاستكانة إلى واقع محكوم من غيبيتين : الجنة والنار . والمحنة الكبرى ، وقد ابتليَ فيها الدكتور فيصل ، هي اعتبار كل مَن يُظهر تألماً من الواقع ، أو مجاهرةً بعوراته التي لا تحتاج إلى كبير عناء لاكتشافها ، يتّهم بـ " طابور خامس " ، وقد ذهبتْ بعض التهم إلى حد العمالة والخيانة .
لا بدّ من إعادة النظر في كل شيء .. وكل مَن يحمل من العرب قلماً ، أو يطل على شاشة من الشاشات الكثيرة ، ولا يعترف بأن ما نتخبط فيه هو من فعل ثقافة راكدة ، متمكنة منا ، هو من دعاة استمرار الواقع المفضي إلى الانهيار ، أدرك ذلك أو لم يدرك . أما السهولة التي يلجأ إليها البعض في إلقاء المسؤولية على اميركا والغرب ، ما هي في الواقع سوى إمعان في الانهيار . ليس لأن اميركا والغرب لا يسعيان بشراسة من أجل مصالحهما في شتى أقطار الأرض ، إلا أننا كما أرى فاقدوا المناعة ، ونرتجل خطابات لا يفهمها سوانا .
إن من الدلائل التي يعتمدها الدكتور فيصل لتأكيد غربة الليبراليين عن الشارع العربي ، هو انتصار حركة حماس في فلسطين والاخوان المسلمون في مصر . لا أعتقد أن أحداً يعيش وهماً مفاده أن الليبرالية تغلب على الشارع العربي . لكن وصول هذه التيارات الدينية إلى بعض البرلمانات كان بأدوات جاء بها الليبراليون . فجميعنا يعرف أن الانتخابات ، وتداول السلطة هما مفهومان طارئان على عالمنا العربي الذي اعتبر لقرون أن الحاكم يملك تفويضاً بالارض وما عليها . أما الأمر الذي يخشاه الليبراليون هو تنكّر الواصلين إلى السلطة ، من الآلية التي وصلوا من خلالها ، وأعني : الانتخابات والديقراطية . وليكفّ البعض عن الشعارات التي تُرفع بين الحين والآخر بأن الديمقراطية سلعة غربية لا تتلآم مع ثقافتنا المتوارثة .
كيف نستطيع يا دكتور فيصل اعتبار ما هو في العراق اليوم " فشل ديمقراطي كارثي " ؟ لا شك أن واقع العراق يشهد انهيارات حقيقية . أكان هذا بسبب الديمقراطية ؟ أم بسبب نظام صدام حسين الذي تحكّم بالعراق لعقود ؟ الفعل الذي تتحمل الديمقراطية مسؤوليته ، هو عندما جعلتنا نرى واقع العراق على حقيقته . إن تحميل الديمقراطية مسؤولية الواقع " الكارثي " في العراق هو محاولة جديّة جداً لدفع أجيالنا نحو اليأس والاحباط . بماذا تنصح يا دكتور هذه الاجيال للوصول إلى حيث تقف شعوب العالم الحرة ؟ لن تجد في المعاجم التي أمامك سوى الليبرالية بمضمونيها ؛ الحرية والديمقراطية . فاليبرالية هي في النهاية أهم انجازات البشر حتى اليوم ؛ ففي راحابها يستطيع الجميع أن يحيوا بعقائدهم وأعراقهم دون إكراه أو اضطهاد . والليبرالية ليست مفهوماً جامداً يصعب نقده ، لذا نجد الأحرار في العالم منكبون على إضافة ما تحتاجه من عدالة اجتماعية واقتصادية .
أخيراً ، وأمام هذا التآكل الداخلي الرهيب ، يطل علينا الدكتور فيصل القاسم بسؤال عن الليبراليين " لماذا لا يتوارون خجلاً ؟ "
أغمض عينيك عندما تنام يا دكتور فيصل وإلا ازدادت أعداد النوارس التائهة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا