الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبراع كشعر نسوي صحراوي

عائشة التاج

2017 / 10 / 1
الادب والفن


التبراع أو الشعر النسوي في نسخته الصحراوية


كان لنساء الربوة يومه السبت 30 شتنبر بصالون الربوة النسائي موعد مع دراسة شعر " التبراع " كما تناولته الناقدة العالية ماء العينين في أطروحتها
الأدبية التي نشرتها في كتاب وثق لهذه الظاهرة الاجتماعية والأدبية الطريفة .
وبدءا لابد من التساؤل ماهو التبراع ؟؟
في معناه المتداول يعني التبراع ذلك الشعر الحساني الذي تنتجه المرأة الشعبية في سمرها الليلي حول صينية الشاي بطقوسها الصحراوية البهية معبرة عن
مشاعرها واحاسيسها تجاه المحبوب سواء بشكل فردي أو جماعي حيث يرتجلن بالتتابع أبياتا من الشعر تكون متنفسا لعواطفهن الجياشة والمقننة وفق نظام مجتمعي محافظ ,يناورن بهذا الشكل لاقتلاع هامش حرية من سياجات اعراف مجتمعية ودينية يطغى عليها الطابع الذكوري ولا تعترف بحق النساء
في تملك الكلمة فبالاحرى بحقها في الحب والمشاعر والاحاسيس .

التبراع نافذة للتنفيس الوجداني :

ومن هنا وجدن أساليب لمراوغة آليات المنع من خلال تغليف تعابيرهن بمصطلحات دينية تكون جواز مرور للقبول وبالتستر على هوية صاحبة الشعر الذي يغدو معمما وملكا لكل النساء ,أو الاحتماء ببلاغة اللغة ومجازاتها لتمرير
أحاسيس العشق والوله المصادر بقوة المنع وحصاراته داخل ثقافة بدوية تطغى عليها الصرامة الذكورية الخشنة .

مواضيع التبراع :

وإذا كان الغزل يطغى على اهتمامات التبراع فهو لا يخلو أيضا من مواضيع أخرى تهم السياسة أو أمور المجتمع عموما ,كالتشكي من الظلم او التصوف الديني او ابراز مواقف سياسية ازاء قضية تهم الامة التي ينتمين اليها
وإذا كان التبراع كإبداع شفاهي قد اصطبغ بشروط العيش الصحراوية وعاداته المميزة نسبيا عن باقي المناطق المغربية فلا يمكن الجزم بأنه خاصية صحراوية حصرية .
ذلك انه من المؤكد ان للنساء المغربيات باختلاف تنوعهن الاثني مكانة ما داخل
المنتوج الثقافي علما ان عملية التوثيق خضعت ولا زالت لحسابات تتجاوز المعطي الثقافي المجرد وتتداخل بشكل حثيث مع السياسي والاديولوجي
كي تعكس ذلك الصراع القائم دوما وابدا من أجل تملك المنتوج الفكري او الثقافي لفائدة طبقة دون اخرى او فئة دون اخرى حسب التموقع في السلطة و النفوذ
ومن هنا يمكن فهم اقصاء النساء المبدعات من التدوين التاريخي .
فكما تصدرت وثقة الاستقلال المغربي موقعة واحدة من آل الفاسي وارثو ريع مقاومة الاستعمار وغابت كل المقاومات الميدانيات من كل المناطق والاقاليم
تغيب من سرديات الثقافة والابداع باقي النساء المنتميات لهامش حكم عليه بالوطنية المعطاء فقط .
وما ينطبق على المغرب يمكن تعميمه على المجتمعات العربية عموما
إذ لا يمكن ألا ينتج المجتمع العربي عموما شاعرات مقابل ذلك الكم الهائل من الشعراء ضمن ثقافة شاعرية بامتياز اللهم الا اذا كان سيف التوثيق يقطع رقاب انتاجهن ويحكم عليه بالابادة والفناء وراء سياج الاعراف وحصاراتها
خصوصا اذا تعلق الامر بالغزل لأنه جنس أدبي يسجل اعتزاز الإنسان بذاته من خلال الاعتراف بقوة مشاعرها وأحاسيسها وبمكانته الاجتماعية من خلال علاقته بالآخر ،الجنس المختلف والمكمل لكينونته الإنسانية .
وحده الرثاء والبكاء له حق الاعتراف والتوثيق مثل الخنساء .فالنساء جنس ضعيف كما يراهن المنطق الذكوري المتعالي ولا يعترف بهن إلا كمشتكيات او باكيات أو كموضوع للمتعة منفعلات لا كفاعلات ,
وإذا كان هذا هو حال التاريخ الأدبي العربي عموما فهمنا نقص الشاعرات المغربيات عبر التاريخ سواء منه القديم أو حتى المعاصر .
لذلك لا بد من بحوث اركيولوجية في دهاليز الثقافة الشعبية بتنوعاتها وتحليلها
لاستخراج إسهام النساء ثقافيا ، فخربوشة ،المغنية الشعبية التي نظمت شعرا سياسيا ضد الاستعمار واذنابه لم تكن نشازا وتلك المجموعات الغنائية النسوية في مناطق دكالة أو جبالة أو خريبكة أو المناطق الامازيعية بانواعها لا تخلو من
إبداعات نسوية في مجال الشعر الشعبي المرتجل داخل الاعراس او المناسبات الاجتماعية .

ويبدو أن الأعراف الصحراوية بسماحتها المعروفة وبمكانة المرأة داخلها قد سمحت بالبروز النسبي لفن التبراع مقارنة بباقي المناطق .
ذلك أن البيئة الصحراوية بامتدادها الطبيعي وشساعتها جعلت الإنسان الصحراوي إنسانا مسالما بعيدا عن التشنج وأميل للانطلاق والانفتاح ورحابة الوجدان .
إذ من المستهجن جدا ان يضرب الرجل المرأة سواء كانت أخته أو زوجته
واذا فعل لاي سبب من الاسباب سيعاقب اجتماعيا بالاحتقار كما تنص على ذلك بعض الاشعار او الامثال الشعبية التي ساهمت في تنشئة أجيال مسالمة ومحبة
بجانب مكونات طبيعة رحبة تمتص كل الضغوطات والطاقات السلبية وتحتضن انسانية الانسان بكل رحابة
فالانسان الصحراوي يستمتع بشساعة المجال حركيا وبصريا ومن ثمت كانت المراة الصحراوية تمارس حريتها في التنقل وفي العلاقات الاجتماعية بكل تلقائية مع الجنسين إذ تستقبل في خيمتها النساء والذكور بشكل عادي وبدون أية تأويلات مغرضة من منطلق كرم متبادل يجعل
العلاقات الاجتماعية انسيابية وتلقائية وبسيطة لا تتحكم فيها النوايا السيئة وتلك الآليات المركبة التي تردي بالعلاقات الاجتماعية في دهاليز التعقيد المركب داخل المدن ,
ومن مميزات الزواج الصحراوي عدم اعتبار الزوجة خادمة لدى الزوج فهي ليست مجبرة على القيام بالأعمال المنزلية وان فعلت فبإرادتها وبرغبتها وإن لم تفعل عليه تدبر أمره بعيدا عن اية سلطوية .
ثم إنه لايسمح بتعدد الزوجات داخل الثقافة الحسانية حتى وأن كان الشرع يسمح بذلك .
وان طلقت أقيمت لها بعد العدة خيمة يتم الاحتفال بها لمدة سبعة أيام تلبس فيها أجمل اللباس وتتزين ويتم الاعتناء بمشاعرها لرفع معنوياتها عكس ما يحصل في باقي المناطق حيث تتعرض للغمز والتحقير ولمضايقات تحطمها نفسيا أكثر فأكثر ,وكانها ارتكبت جريمة نكراء .
إذن في هكذا فضاء قد نفهم شروط بروز شعر التبراع كفن للتعبير عما يخالج الوجدان النسوي من احاسيس ومشاعر او من افكار تسجل من خلالها موقفا
او رسالة ما وقبل هذا وذاك لحظات متعة داخل زمن ممتد في فضاء ممتد
تحضر فيه زرقة السماء وصفاؤها فكيف لا يصفو المزاج وينتج شعرا ؟؟؟



نماذج للتبريعة :
تلك التي قالت في تبريعتها "يابالي صبرا إن مع العسر يسرا.." أي أنها تتفاءل بالصبر إلى أن تلتقي بعشيقها...
لتضيف أخرى قائلة " مصابي كديحة يشرب بيا تحت طليحة " ومعناه يا ليتني كنت قدحا ليشرب مني تحت شجرة الطلح، وهي إحدى النباتات المرتبطة بجغرافية الصحراء...
وتعبر أخرى عن إعجابها بابتسامة عشيقها "عندو تبسيما باني فيها إبليس خويمة"
أن السمر النسائي يستمر على شكل مساجلة أو محاورة تبراعية من خلال ارتجال امرأة لشعر غزلي تليها ثانية فأخرى في الموضوع ذاته، إلا أنه يتم التستر على ناظمة هذا الصنف الشعري لاعتبارات اجتماعية.
توظيف الدين لتمرير العشق
مثل قول إحداهن :
حُبَّكْ ذا الطَّاري…
ثابَتْ…رواه البخاري..
(حبك الذي دق بابي …ثابت في صحيح البخاري)
وتقول أخرى:
وَمْنَينْ نْصَلِّي…
يَحْجَلِّي وَ نْعَلْ مَّلِّ…
( في عز صلاتي أتذكرك …فأعيد الصلاة من جديد)

من مدونة التبراع التي جمعتها العالية ماء العينين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل امرأة حسانية شاعرة بالفطرة
محمد نور الدين ( 2017 / 10 / 1 - 14:54 )
بالفعل التراث والثقافة الحسانية لها خصوصية استثنائية في المشهد المغاربي عموما والمغربي الموريطاني خاصة ..وأهم ما فيها مكانة المرأة داخل النسيج الإجتماعي القبلي الصحراوية ميزتها الأساس الاحترام والتقدير ..ويلعب الشعر عموما الشفهي الدور الكبير في هته التربية بمختلف أنواعه سواء التبراع أو الترواح أي حين تتأهب العروس للرواح إلى منزل زوجها حيث تردد النساء اشعارا شجية اللحن كلها وصايا وحكم ولوعة فراق قد تصل إلى البكاء غالبا ..بل أن جل النساء يبرعن في النظم حتى في الحكمة البليغة التي تتدعو للتأمل أو السخرية والهجاء ..وبما أنه شفهي فلا أحد يعرف هؤلاء الشاعرات العظيمات ..
أنا واحد ممن ينتسب لهته البيوتات وجدتي كانت واحدة ممن يرتجل الشعر حسب الموقف
تقول في أحد مما أتذكر من - الكاف-
ياالعاشك مانك معشوك
يا الكاعد في كهوية
تستنى لاخرة ماجات
غار زاد إلا ذي هي
أي : أيها العاشق المنتحي مكانا قصيا متطرفا ..لست معشوقا.تنتظر الآخرة لتأتي ..لاتنتظر
..الآخرة هي ما تعيش

اخر الافلام

.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????