الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاسم والحب

غازي صابر

2017 / 10 / 2
الادب والفن


كانت صرائفنا زمن الملكية في العراق تكاد تحيط بمدينة بغداد و كنت وقتها فتى وأنصت لكل ما يقال وعرفت أننا من سكان المحافظات الجنوبية ولجأنا الى العاصمة هرباً من ظلم الإقطاع وكانت العوائل التي تصل الى محلتنا تنصب بيوتها من الصرائف والطين بينما الذين أمضوا فترة أكبر لديهم بيوت من الطين اللبن وهو قريب الى طابوق البناء وفيها غرف ومساحة تتوسط هذه الغرف وكثيراً ما تتناول العوائل فيها فطورها الصباحي و قبل إرتفاع قرص الشمس في السماء وتتسامر فيها وقت إنحدار الشمس صوب الغروب وكثيراً ما كنت أقضي جل أوقاتي في بيت عمتي أم جاسم والتي تجاورنا وأنا رفيق دائم لأبنها حسن وهو بعمري ويعجبني تعامل أبنها الكبير جاسم معي وكان يمازحني ويلاطفني وعندما التقي به كثيراً ما يواجهني بمرح :
ــ هلو دعبول كيف الأحوال ؟
كان جاسم في عمر الشباب وهو عامل بناء يخرج في الصباح الباكر ويعود قبل الغروب وأحياناً يعود للبيت باكراً عندما لايجد عمل هو شاب رشيق أسمراللون ولم يكن طويلاً ولا قصيراً وفيه ميزة جمال كانت تعجبني فلون عينيه بلون الكحل وقد أضافت جمال له .
كنت أحب عمتي وهي ترحب بي دائماً وكثيراً ما كنت أتناول فطوري مع ولديها وخصوصاً أيام العطل الدراسية وكنت أعشق فطورها وهو عبارة عن سياح وشاي وأحياناً سياح وبيض في الدهن مع شاي وكانت تلاطفنا قائلة :
ــ هذا بيض دجاجاتي وإنتما لابيض من ورائكم . وتقصدني وحسن .
وبعدها أخرج مع حسن بعد الفطور ونحن نحاول العمل كعتالين صغار في سوق مدينة بغداد خلف السدة التي تفصلنا عن قصور العاصمة وكنت أسمع أن زوجها مات بمرض معدي .
و كثيراً ما أسمع شكوى عمتي من إبنها جاسم لا لأنه بلا شهادة دراسية ولا لأن عمله بسيط وغير مجدي ولكن بسبب حبه لفتاة عرف أهلها بحبه لها ورفضوا زواجه منها مع أن الفتاة تحبه وهو كثيراً ما يحتسي الخمر ويمر من أمام باب دارها ويحاول اللقاء بها و أهلها يطردونه وهو مخمور وأحيانا يضربونه وتستقبله عمتي باكية وهي تمسح الدم عن جسده وتحاول معه أن يصحو لحاله ولهذا كثيراً ما كانت تشتكي لأبي من أفعال جاسم هذه وكنت أراها وهي تتوسل أبي أن يرشده ويحاول معه لأنه لايسمع لها وجاسم معيلها الوحيد مع ولدها الأخرالصغير حسن وقد تخلت عن كل شئ في الحياة في سبيل تربيتهما والعيش معهما .
مرة كنت أدرس مع حسن ودخل علينا جاسم وهو مخمور وعندما رأني ناداني كعادته المرحة :
ــ هلو دعبول لك أنت ولد شاطر إدرس كثيراً وإنجح دائماً لأن الحياة بلا شهادة لاتساوي شيئاً ولاتبقى أعمى ولاتعرف معنى الحياة كحالتي .
وكان يتلوى ولايسيطر على وقوفه ولاعلى كلامه ثم أضاف :
ــ لاتكن مثلي فقد فاتني قطار الزمن ولامستقبل لي . تصور أخ دعبول يعيرونني بأني فاشل وبلا شهادة ولا وظيفة ولامستقبل لي ولم يوافقوا على زواجي من ملاكي لكني لن أتخلى عن حبها .
وضرب على صدره بقبضة يده وبكى .
رد أبي على توسلات وبكاء عمتي بأنه كثيراً ما تحدث معه لكن أبنها مجنون بحب فتاته وفي النهاية وعدها أنه سيحاول معه هذه الليلة بالعقاب عندما يعود من سكرته ورد عليها غاضباً :
عسى أن يعود للبيت سالماً .
بعد الغروب خرج أبي عن طوره وهو يتمشى داخل حجرتنا وينتظر عودة جاسم الى البيت وحزم نفسه بحزام عريض لشد ظهره و أخرج عصى غليضة كان يخفيها و مرة عاقبني بها على ظهري عندما عدت الى البيت متأخراً ولم أخبره مسبقاً .
كان يتمتم مع نفسه ولم أسمع ما يقول لكني كنت مشدوداً لكل حركاته وكنت أعرف أنه قرر أن يعاقب جاسم أبن إخته إستجابة لتوسلات عمتي أم جاسم وحين سمع لغط في بيت عمتي تناول عصاه وخرج وتبعته وقلبي يخفق خوفاً على أبي وعلى جاسم وكيف سيعاقبه .
دخل بيت عمتي وأنا أتبعه وكان جاسم يترنح بين عمتي وأخيه حسن وبلا تحية بادره :
ــ الى متى تبقى يا جاسم تجلب المتاعب لأمك وتجلب لنا العار وأنت تسكر وتعتدي على أهل الفتاة الذين رفضوا إستقبالك وزواجك منها لأنك فاشل ؟
التفت جاسم الى أبي وسقطت دموع عينيه وردد :
ــ اشكرك يا خال ، لكني أحبها ولا أستطيع نسيانها .
ــ انت لاتفهم ؟ أهلها لايوافقون على زواجك منها .
ــ لكني أحبها يا خال وهي تحبني .
لم ينته جاسم من كلامه حتى إنهال أبي عليه بالعصى وهو واقف ولايقاوم أبي وبدأت عمتي وهي تبكي حمايته بعد أن أوغل أبي بضربه بعصاه وتحول أبي الى وحش وتغيرلون وجهه الى أصفر وهو يرتجف ولاشئ في تقاطيع وجهه غير الحزن والغضب وفي النهاية رمى العصا على الأرض وترك بيت عمتي بينما بقي جاسم يتلوى من الألم وهو يردد سكراناً:
ــ إضرب ، إضرب لكني لن أنساها ولن أمل عن حبها وعندما شاهدني وأنا أنظر اليه خاطبني :
ــ لك دعبول ، أبوك همجي ويابس مثل الخشبة ولايعرف معنى الحب ثم تهاوى على الأرض .. وهو ينظر في وجهي ... لكني أعذره وأسامحه فهوخالي ويبقى جاهلاً يبقى و بلا مشاعر وبلا أحاسيس وهذا الفرق بيننا .. ثم غفى ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب