الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الانتحار جبنٌ ، أم شجاعةٌ ؟

يوسف حمك

2017 / 10 / 6
الادب والفن


أكذب لو قلت : إن اليأس لم يطرق بابي ، و أن الخيبة لم تزرني ، أو إنني لم أستضيف الفشل في حياتي ،
أو لم تلاحقني الهزائم .
كما أخالف الصدق لو قلت : إنني لم أفكر حتى بالانتحار ، حينما نجحوا في كبح جماحي ،
و نالوا من عزيمتي .
إلا أنني لم أختر عقوبة الانتحار . بل آثرت أن أعاقب نفسي بقبول أمرٍ مستكرهٍ ، كردة فعلٍ سلبيةٍ للغاية .
فدفعت ثمن عنادي غالياً ، و لا زلت .

مهما كنتَ عنيداً ، فالظروف نادراً ما تصادر قوتك ، و تستطيع الإيقاع بك ، و تزجك في مأزقٍ يستحيل خروجك منه .
و تبدو لك الحياة كأنها لا تطاق ، و الرغبة في الموت تستيقظ من أعماقك .
فإما أن ترفع يديك مستسلماً خائر القوى نتيجة الصراع مع الخيبات ، و الفشل في إسكات صدى الانتكاسات المؤلمة ،
و الحوادث المهينة التي تصارع الكرامة و تقتلها ، و توحش الاضطرابات النفسية ، ثم إخمادها إلى حد الإحباط .
و إما أن تختار أمرين كلاهما بطعم العلقم :
الأول : أن تتجرأ فتنتحر ، و يتهاوى جسدك ، و تذبل روحك رويداً إلى حد التلاشي .
و الثاني : أن تقدم على فعلٍ تستقبحه ، و لا تميل إليه البتة ، و لا مكان له في قلبك ، بغية الانتقام من نفسك ،
أو من أحد المقربين ممن كبل قدراتك .
مع أنه بالاستسلام أو الانتقام تبقى على قيد حياةٍ تشبه الانتحار .

يقول الفيلسوف الألمانيُّ فريدريك نيتشه : ( متى ما شعر المرء بعدم قدرته على المزيد و الإبداع ، و السمو على ما هو فيه ، حينها يشعر بحاجته الماسة إلى الموت .... و عليه اختيار يوم لموته ، كي يسرق الفرصة من الموت المفاجئ ، ليجعله عيداً )
لعل نيتشه يقصد المشاهير من الأدباء و الشعراء و الكتاب و الفنانين .... أكثر من البسطاء و عامة الناس الذين تدفعهم البطالة للانحدار إلى قاع الفقر ، أو يداهمهم الفشل العاطفي .
فهذا اللورد بايرون الشاعر الانكليزي يشير إلى ذلك عند حديثه عن الشعراء و الأدباء قائلاً : ( نحن أصحاب الصنعة كلنا مجانين ، فنوبات الفرح الزائد ، و إفراط الكآبة تصيبنا جميعاً )

الشاعر الفرنسي بودلير حاول الانتحار عندما قُبِلَ حبه ل ( جين دوفال ) بالرفض من قبل أمه .
الطالب الهندي ( روهيت فيمولا ) انتحر شنقاً في سنٍ مبكرةٍ ، لأن الجامعة حرمته من منحته المادية ، فأغرق في الديون عقاباً لنشاطه السياسيِّ .
الكاتب الأمريكيُّ أرنست همنغواي الحائز على جائزة نوبل - و التي أخافته من ألا يستطيع أن يكتب أفضل مما كان يكتبه قبل حصوله على الجائزة – حاول الانتحار مرتين .
و في المرة الثالثة وفق في تحقيق هدفه حينما وجعه بلغ أقصى مداه فأطلق الرصاص على رأسه اقتداءً بوالده المنتحر بدوره .

الشاعرة آنا سيكستون حسدت صديقتها الشاعرة ( سيلفا بلاث ) عندما أقدمت الأخيرة على الانتحار ، فأطلقت الأولى صرختها المرعبة : ( كنت أنا أولى بهذا الموت ) .
فانتحرت بعد أحد عشر عاماً باستنشاقها غاز أحادي أوكسيد الكربون .

مع أن هؤلاء أحرزوا نجاحاً باهراً ، فحصدوا المراكز الأولى في المنح و الجوائز ،
لكنهم كانوا يخفون خلف هذا الانبهار روحاً مختنقةً من وطأة العذاب و قسوة الألم .
فكان التمزق بين غول الاكتئاب ، و جاذبية الرغبة في الحياة الهادئة .
و كانت النتيجة اختيار الموت الأبدي .

و على النقيض كثيرون هم الذين سقطوا مراراً ، و تكررت تعثراتهم ، غير أنهم غدوا أكثر الناس شهرةً و نجاحاً ، بعد أن شاحوا بوجههم عن الانتحار ، و أيقنوا أن البحث عن الجمال ، و الإصرار على حب الحياة أفضل من أي عقابٍ للذات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزراء الزراعة وقطاع الا?عمال والاستثمار والعمل والثقافة يو?د


.. لبنى.. ابنة الفنان المصري أحمد راتب تخطت صدمة وفاة والدها ب




.. نصير شمة يحتفل باليوبيل الفضي لتأسيس بيت العود العربي في الق


.. فنانة شهيرة تتمنى خروج جنازتها من المسرح القومي




.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر