الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البورصة الامريكية تنتظر الحرب

يعقوب بن افرات

2003 / 2 / 27
الادارة و الاقتصاد


 

 

الحرب على العراق مربوطة ارتباطا وثيقا بعدم قدرة الاقتصاد الامريكي على الخروج من الركود الذي اصابه مع انهيار البورصة في نيويورك في آذار (مارس) 2001. الرئيس الامريكي، جورج بوش، يواجه جبهتين في آن واحد، الاولى الحرب على العراق التي تحولت الى وصفة لاعادة الاعتبار للهيمنة الامريكية على العالم، والثانية محاولات تمرير الخطة الاقتصادية المرافقة للميزانية التي قدمت للكونغرس، بهدف انعاش الاقتصاد الامريكي.

في مطلع شباط (فبراير) قدم الرئيس بوش ميزانية بقيمة 2,23 تريليون (الف مليار) دولار الى الكونغرس للتصديق عليها. ويدل هذا المبلغ الخيالي على ضخامة الاقتصاد الامريكي مقارنة بأية دولة اخرى في العالم (الميزانية الاسرائيلية مثلا تصل الى 50 مليار دولار فقط)، ولكنه في الوقت نفسه يدل على حجم المشاكل التي يمكن ان يواجهها.

تكشف الميزانية انحياز ادارة بوش تماما لرأس المال الكبير. فالحل المقترح للخروج من الركود، هو منح الشركات اعفاءات ضريبية على ارباحها من الاستثمار في البورصة، وبذلك تشجيع المستثمرين على العودة من جديد لاسواق المال. ويبدو ان بوش لم يكتف باجراءات رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي)، الان غيرينسبان، الذي خفض نسبة الفائدة الى ادنى درجة شهدتها منذ سنوات طويلة بهدف تشجيع الاستثمارات.

اجراءات بوش لانقاذ رأس المال الامريكي، لا يقابله اي سعي لانقاذ ملايين الامريكان الذين وقعوا فريسة للبطالة والفقر المتزايد. صحيفة "نيويورك تايمز" (6 شباط) نشرت مقالا في موضوع البطالة يكشف ان انخفاض الطلب على العمال وصل الى ادنى درجة عرفها منذ 20 عاما. وتشير الصحيفة ان الاقتصاد فقد اكثر من مليوني مكان عمل منذ بداية الركود في آذار 2001. كما اكدت ان نسبة البطالة التي تبلغ رسميا 6%، آخذة بالارتفاع لان الكثير من العمال فقدوا اماكن عملهم وهم غير مسجلين في مكاتب التشغيل.

الرد الذي يوفره بوش للازمة المتفاقمة هو المزيد من التقليصات في برامج الرفاه، تتعلق بالمسنين والاولاد والفقراء. اما في المجال العسكري فتقترح الادارة ان يضاف للميزانية مبلغ لم يسبق له مثيل منذ اكثر من 20 عاما. فقد تم تخصيص 41 مليار دولار لانشاء وزارة الامن الداخلي الجديدة، و380 مليار دولار اخرى للجيش، وتشكل المحصلة اضافة 4,2% على الميزانية الحالية. من هذه الميزانية يتضح سلم اولويات الادارة الامريكية التي ترى ان الوسيلة لحل مشاكل امريكا وفرض هيمنتها وامتيازاتها على بقية منافسيها، ليست المنافسة الحرة بل التفوق العسكري.

ولا تنتهي المشكلة عند هذا الحد. فالزيادة المتوقعة في الميزانية العسكرية من جهة، والاعفاءات الضريبية التي ستمنح للشركات والاغنياء من جهة اخرى، ستخلق عجزا قياسيا في الميزانية يتوقع ان يرتفع من 304 مليارات دولار هذا العام الى 307 مليارات دولار عام 2004. واذا استمر الوضع في هذا الاتجاه، فخلال خمس سنوات سيصل العجز الى الف مليار دولار. واذا اخذنا بعين الاعتبار ان بداية ولاية بوش شهدت فائضا في الميزانية، مما ساعد في سداد الديون الحكومية الكبيرة، فان هذا العجز سيضعف امكانية سداد الدين، مما سيشكل خطرا اضافيا على الاقتصاد الامريكي.

ومن المهم هنا الاشارة الى ان هذه الميزانية لا تأخذ بعين الاعتبار نفقات الحرب على العراق. ومن المتوقع ان تتراوح هذه النفقات بين 50 مليار و200 مليار دولار اضافية، مما سيضيف للعجز مبلغا اضافيا سيأتي على حساب العلاج المكثف للمشاكل الكبيرة الذي يعاني منها المجتمع الامريكي، وفي مقدمتها البطالة. ان هذا الوضع يفسر معارضة نسبة كبيرة جدا من الجمهور الامريكي للحرب على العراق، فالمزاج الشعبي متشائم وفاقد للثقة بالاداء الاقتصادي للادارة الحالية.  

وقد تلقى بوش ضربة اضافية من قبل غرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي نفسه المنتمي لحزبه، وذلك في تقريره نصف السنوي امام الكونغرس الامريكي في 11 شباط. ففي شهادته تراجع غرنسبان عن تأييده للتقليص الضريبي، وحذر انه من الممكن ان تفقد الحكومة سيطرتها على العجز في الميزانية. ويعتبر غرينسبان، الذي عين في منصبه من قبل الرئيس ريغان عام 1987، اهم شخصية في مجال الاقتصاد وهو الذي قاد الاقتصاد الامريكي نحو النمو والازدهار في العقد الاخير.

اللافت للنظر هو اعتقاد غرينسبان بان الحاجز الاكبر امام النمو الاقتصادي، هو الشكوك في امكانية اندلاع الحرب على العراق. بهذا كشف غرينسبان ان الاوساط الاقتصادية في امريكا تنتظر نتائج الحرب المحتملة. وقد بلغت الامور حد قيام صحيفة "واشنطن بوست" (13 شباط) بنشر مقال حول توقعات بورصة وول ستريت لنتائج الحرب، وتقول الصحيفة ان الاعتقاد السائد بسيط جدا وهو: "ان الحرب ستكون قصيرة وتأثيرها على سوق المال سيكون حلو المذاق".

الحرب، هكذا يتبين، اصبحت الحل الافضل بالنسبة لرأس المال الامريكي الذي يدفن رأسه كالنعام في التراب، بدل الاعتراف بان اسباب المشكلة الاقتصادية ليست في العراق بل في طبيعة النظام الاقتصادي نفسه المعتمد على العرض والطلب.

ان الاسواق العالمية لا تستطيع ضمان الارباح للشركات الضخمة التي أغرقت العالم بفائض منتوجاتها الضخم، في حين تراجعت القدرة الشرائية بسبب اتساع رقعة الفقر في العالم. ان الدمار الذي ستجلبه الحرب سيزيد الفقر، ولن يحل امراض النظام الرأسمالي. هذا ما يفسر عدم حماسة دول مثل المانيا وفرنسا اللتين تخشيان من ان تؤدي الحرب الى زعزعة اضافية لاركان النظام الرأسمالي.

المقال الذي تطرقنا اليه سابقا يبدأ بالآمال التي يعوّلها على الحرب، ولكنه ينتهي بالسؤال الذي يسأله كل انسان عقلاني: "ماذا لو امتدت الحرب الى فترة اطول، وتعقدت وكلفت خسائر، كما يتكهن كوغيل (مدير شركة استثمارية في مدينة شيكاغو)؟ كوغيل نفسه يجيب: ان هذا سيكون مشكلة". اذا لم يكن بمقدور الحرب ان تحل مشاكل امريكا الاقتصادية، فالفشل سيكون بلا شك كارثة سيدفع الشعب الامريكي ثمنها الباهظ ومعه شعوب العالم كله.  

 

 

 

  الصبار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية في باريس: ما التغيرات في سوق العقارات الفر


.. عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم الإثنين 1 يوليو 2024 بالصاغة




.. -مشهد اتعودنا عليه من حياة كريمة-حفل تسليم أجهزة كهربائية لـ


.. تقديرات تظهر بأن مدى صواريخ حزب الله يهدد بتعطل إنتاج نحو 90




.. كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد المصري بعد ثورة 30 يونيو؟