الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توضيح -إعلان دمشق-

سلامة كيلة

2006 / 2 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


التوضيح الذي صدرعن هيئة إعلان دمشق أعطى روحاً أخرى، تختلف عن تلك الواردة في الإعلان. ليبدو أنه يطرح صيغة بديلة. فقد حدّد التوضيح موقفاً واضحاً من الخطر الإمبريالي الأميركي، و من مجمل المشروع الإمبريالي و تجسيداته في فلسطين و العراق وأخطاره على سوريا. كما أشار إلى أن إعتبار التغيير الديمقراطي هو المهمة المركزية لا يعني إهمال المهمات الأخرى المتعلّقة بالمسألة الوطنية و الفساد والتنمية و البطالة و القضايا المعيشية و تكافؤ الفرص و العدالة الإجتماعية. و هي القضايا التي كانت غائبة عن نصّ الإعلان.
وكذلك حاول التوضيح أن يركز على مسألة المواطنة في المستوى الديمقراطي، بالتأكيد على أن الديمقراطية التي يطرحها تنطلق من مفهوم المواطنة و الحقوق والواجبات المتساوية و الدولة المدنية، وأنها بعيدة كلّ البعد عن المفاهيم المتخلّفة و المغلقة للعصبيات ما قبل وطنية، مشيراً إلى فقرات الإعلان التي تتناول هذا الجانب، ومنتقلاً إلى تفسير النصّ المتعلّق بالإسلام إنطلاقاً من أن هدفه كان التأكيد على قيم الإسلام التحررية والإنسانية، دون أن يوضح الخطأ الذي وقع فيه النصّ، و المتعلّق بتبني أيديولوجيا أصولية عبر التأكيد على أن الإسلام عقيدة كذلك، وبالتالي النظر إلى الأديان والمذاهب والأفكار الأخرى إنطلاقاً منه كعقيدة (أي كأيديولوجيا). وهو كذلك يلحظ القضايا الشعبية دون أن يتخذ موقفاً واضحاً من مسببات إفقار الشعب وزيادة البطالة، وأساسها النهب المنظّم لـ"قطاع الدولة"، ومن ثمّ التخلي عنه بعد إفلاسه. وبالتالي عدم لحظ ضرورة دور الدولة الإقتصادي.
وأمام كلّ هذه التعديلات والتوضيحات كان أجدر أن يصدر هذا التوضيح كنصّ جديد يتجاوز نصّ إعلان دمشق. وهو ما كان يعطي الحوار الذي جرى حول نصّ الإعلان الأهمية التي تستحقها. حيث يعاد بناء النصّ إنطلاقاً من إضافة ما كان ناقصاً فيه، وشطب ما جرى الإختلاف حوله، أو شكّل نقيصة في النصّ ذاته. الأمر الذي يحوّله إلى نصّ توافقيّ يمكن أن يكون أساس حوار من أجل تأسيس تحالف واسع يمكن أن يفعّل قوّة المعارضة ويفتح لها مجال النشاط في كلّ القطاعات المجتمعية.
ولاشكّ في أن إصدار توضيح فقط دون اللجوء إلى إعادة صياغة النصّ يطرح العديد من الأسئلة. فهو يطرح التساؤل حول السبب الذي منع تغيير النصّ الأساسي بدل إصدار توضيح؟ وبالتالي يطرح التساؤل حول قيمة التوضيح ذاته، فإذا كان نصّ إعلان دمشق يتضمّن كلّ هذه النواقص والإلتباسات، فلماذا لا يُعدّل بدل الإقتصار على توضيح يثير إلتباساً جديداً؟
إذن ما هي القيمة القانونية للتوضيح؟ هل يجبّ ما يتناقض معه في نصّ الإعلان؟ وهل ما يضيفه يساوي في القيمة نصّ الإعلان ذاته؟ لهذا يمكن أن نقول أنه شطب الفقرة المتعلّقة بـ "حرية العمل السياسي لمكوّنات الشعب السوري الدينية و المذهبية"؟ وشطب الفقرة المتعلّقة بالإسلام محِلاً محلها التوضيح المذكور؟ وهل أصبح الدفاع عن المطالب الشعبية جزءاً من الإعلان؟ هل نستطيع قول ذلك؟
إن التوضيح بالتالي يثير إلتباساً جدياً، حيث ليس من الواضح لمن الأولوية، للنصّ أم للتوضيح؟ وفي العادة يكون النصّ هو الأساس والتوضيح مجرّد رأي تفسيري، خصوصاً وأن التوضيح لم يتضمّن نصاً يقول بأن ما ورد فيه يجبّ ما يتناقض معه في نصّ الإعلان، وبالتالي يتحوّل هو إلى نصّ أصليّ.
إن التمسّك بأن يُردّ على الملاحظات التي تناولت نصّ الإعلان، على شكل توضيح فقط يشير إلى مدى "القداسة" التي بات يتمتع النصّ ذاته بها. وبالتالي بات من غير الممكن تغيير أيٍّ من بنوده، رغم أن نصّ الإعلان يتضمّن الإشارة إلى إمكانية تعديله. وهي "قداسة" تشكّك في التوضيح ذاته، لأنه سيخضع للنصّ الأصلي وليس العكس، وسيفسر إستناداً إلى النصّ الأصلي بدل أن يُفسَّر النصّ الأصلي به كما يوحى.
إن التمسّك بالنصّ الأصلي يوحي بالتمترس خلف ما ورد فيه، ورفض كلّ ميل إلى تعديل أيٍّ من نصوصه. وبالتالي التأكيد على أنه بات يمثّل "مبادئ أساسية" تحكم التحالف المتشكّل على ضوئها، وأنها أساس هذا التحالف وليس التوضيح التالي. فقد تشكّل التحالف أصلاً على أساسها، قبل صدور التوضيح. والموافقة عليها هو أساس الإنضمام إلى التحالف وليس الموافقة على التوضيح، أو هما معاً. لكن دون التطرّق إلى التناقض العميق الذي بات يحكم روحية الإعلان وروحية التوضيح. فكيف يمكن أن يتأسّس العمل السياسي على أساس مفهوم المواطنة من جهة، وعلى أساس حقّ العمل السياسي لمكوّنات الشعب السوري من جهة أخرى؟
وبالتالي، فإذا كان النصّ يعاني من إزدواجية في هذا المجال ( حيث أنه ينصّ على مفهوم المواطنة من الأصل)، فإن التوضيح يكرّسها ولا يزيلها كما هدف مصدروه، وربما يزيده تعقيداً. الأمر الذي يجعله يوحّد المتناقضين. مما يؤدي لأن تكون فاعليته محدودة، أو مشلولة، أكثر مما بدا في النصّ الأصلي، الذي بات يُعتبر مقدّساً إلى حدّ الرفض المطلق لتعديله، والتشبّث به وكأنه بات أقنوماً.
هذا الميل هو الذي يزيد في إرباك ممارسة المعارضة، ويقود إلى عدم توحيدها. لأنه بات يعتبر نصاً كُتب "خلسة" كنصّ غير قابل للتعديل. الأمر الذي يشكّك في التوضيح ذاته ويقلّل من أهميته.
أعتقد بأن المسألة الأساسية الآن تتعلّق بتعديل النصّ على ضوء التوضيح، وبالتالي صياغة نصّ جديد أساسه "روح" التوضيح، مستفيداً من بعض فقرات النصّ الأصلي. وهذه هي الخطوة الضرورية والمفيدة بعد كلّ الحوار الذي إستثاره نصّ إعلان دمشق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رهان ماكرون بحل البرلمان وانتخاب غيره أصبح على المحك بعد نتا


.. نتنياهو: سنواصل الحرب على غزة حتى هزيمة حماس بشكل كامل وإطلا




.. تساؤلات بشأن استمرار بايدن بالسباق الرئاسي بعد أداءه الضعيف


.. نتائج أولية.. الغزواني يفوز بفترة جديدة بانتخابات موريتانيا|




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: سنواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة