الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرسوم الكاريكاتورية..بين حرية التعبير والحرية المسؤولة المتسامحة

كريم بياني

2006 / 2 / 17
الصحافة والاعلام


أثبتت الاحداث التي جاءت على خلفية تداعيات الرسوم الكاريكاتورية للرسول الكريمِ، أن عالمنا بشرقه وغربه، متحضره ومتخلفه، قويه وضعيفه، يفتقربشكل كبير الى مبادئ التسامح واحترام الحقوق ومعه يفتقد بطبيعة الحال مبادئ الحكمة وتحكم العقل. وجاءت لتؤكد ايضا على عبثية الجهود التي تحاول ردم الهوة وجسر المسافة التي لازالت تفصل بين القيم الحضارية بمختلف توزيعاتها الثقافية والجغرافية. أن هذا الامر يأتي في ظل هيمنة القطب الواحد الذي يتعامل مع العالم على اساس تقسيمه الى معسكرين واحد مناوئ له ودائر في فلكه وأخر مناهض وبمثابة عدو مفترض، وسخر القطب المهيمن آلته الحربية والاعلامية من أجل سيادة ثقافة معينة مبنية في احد جوانبها على بث شعور من الخوف والرهبة والصدمة في سائر ارجاء العالم وفي جانبها الاخر يعتمد التهديد والتخوين بحق كل شعب او جماعة او حتى فرد لايدين لهذه الثقافة بالولاء. واصبح كل من يغرد خارج حدود هذ النمط الثقافي ارهابيا وناشرا لثقافة الكراهية بحكم القاعدة التي سنها الممسكون بدفة القطب والتي تنص صراحة وصارخة وبدون ادنى شعور بالعار انك اما ان تكون معنا أو مع الارهاب وليس هنالك طريق او خيار ثالث، وكان هذا ارهابا في اقبح صوره اضافة الى كونه استهانة بكل قيم التسامح وحرية الرأي والتفكير والمعتقد المنصوصة عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وقبلها ضمن تعاليم جميع الاديان السماوية والارضية.
هذه الثقافة (التخوين والتهديد والتخويف) وجدت لها انعكاسات وصدى وارهاصات في الكثير من المناطق التي لازالت تعتبر مرتعا خصبا لنمو الدكتاتوريات ومنها منطقتنا. وكأن كرتنا الارضية قد خلت من الخير والخيريين وأصحاب الفكر الحر وليس امامنا الا ان نختار مرغمين بين شرير متحضر وشرير بدائي، بين منظومة ارهابية تمتلك ناصية العلم والتكنولوجيا واسلحة الدمار الشامل وأخرى تمتلك السيف والمفخخات، والويل لمن يسيء الاختيار.
في الجانب الاخر تأخذ الصورة اشكالا وابعادا مختلفة، لكن للاسف تؤدي الى نفس النتيجة التدميرية، فبات كل شيء فينا مسكونا بنظرية المؤامرة، دبيب النمل وهمسات الليل والسكنات والحركات اصبحت كلها تسير وفق خيوط تآمرية وتسلك مسارات مرسومة لها سلفا في اقبية الموساد!، وكل شاردة وواردة فانما تم تلقينها وتوجيهها كي يكون سهما توجه لصدر حضارتنا وتراثنا وثقافتنا!، وكل دعوة الى التجديد ومواكبة هذا الايقاع السريع لعالم متغير وإعمال العقل والفكر في أمور تقتضي ضرورات الحياة أن تنسجم وتتناسق مع كل تحول او تطور يستجد، انما هو تجاوز على المقدس وأنقلاب على الثوابت ورجس من عمل الشيطان.
يجب ان نسلم بأختلاف قيمنا الحضارية وهذا ليس عيبا ولابمكن ان تكون مدعاة للشعور بالنقص او الدونية فأختلاف القيم الحضارية لا يعني بأي شكل من الاشكال افضلية قيمة على اخرى، لكن هذا الاختلاف واضح وواقع ويجب ان نفهمه ونتفهمه ونحسن التعامل معه في اطارمبدأ التسامح وقبول الاخر. نعم علينا ان نعترف بأننا نجهل قيم وثقافة الاخر ولكن في الوقت نفسه يجب أن لايغيب عن بالنا جهل الاخر لثقافتنا وقيمنا.
عندنا كل شي يدار من قبل المركز او المؤسسة المتسلطة سواء اكانت دينية، سياسية، طائفية او عشائرية، فليس ثمة مجال للخروج على النص او تجاوز للخطوط الحمر وما أكثرها، وهناك كل شي مصدره الفرد بقناعاته واختياراته واجتهاداته في سياق منطق علمي وموضوعي متحرر، بطبيعة الحال في اطار منظومة قانونية، وانسجاما مع هذه الحالة فأنه يتحمل تبعات قراراته كافة، ويكون مسؤولا ومطالبا بالاعتذار في حالة ارتكاب الاخطاء
وهنا يلتبس الامر علينا، فعندما نطالب الاخرين بالاعتذار نيابة عن مذنب او مخطيء او مسيء دون ان يكون لهم اية علاقة بموضوع الاساءة فأنما نعمل بما هو مناقض ومخالف لمبدأ قانوني و أخلاقي وتسامحي هو في جوهر ثقافتنا. وهذا هو المبدأ عينه في الثقافة الاخرى وأن بسياقات نصية مختلفة لكن المبدأ واحد، والغريب أننا نعيب على الاخرين تمسكهم بمبادئ هي في صلب عقيدتنا ونصوصها المقدسة.
نعم الصحف التي نشرت وأعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية متمثلة بجميع اجهزتها التحريرية صاحبة القرار اخطأت ومارست حقا في التعبير اساء الى معتقد للآخرين، ليس هذا فقط بل تجاوز ذلك الى التنكيل باحد الرموز الدينية المقدسة. وبذلك اخرجت القضية من دائرة ممارسة حق التعبير عن الرأي الى دائرة عدم المسؤولية والفوضى وهذا الامر يعود بنا ثانية الى أعادة النظر في تحديد مفاهيم الحرية والمسؤولية وشرف المهنة ونتخذ منها درسا أعلاميا وصحفيا كي لا تبقى ملتبسة في اذهان البعض كما هو الحال مع مفهوم الارهاب.
أن نشر هذه الرسوم يدخل ايضا في دائرة نشر ثقافة الحقد والكراهية التي طالما يتهمون الاخرين بها على صعيد المناهج التربوية والدراسية وهذه هي المنطقة الخطيرة التي كان على الجميع ان يتجنب الولوج اليها.
ألرد العنيف المقابل أعاد التأكيد على ان العنف لازال انسب الوسائل التي نتبعها في تسوية الامور وحل الخلافات ليس مع الاخر فحسب بل و مع بعضنا أيضا حتى يصل بنا الامر الى ممارسته ضد أنفسنا أحيانا، وهذا جانب اخر يحتاج الى وقفة ومراجعة وتغيير في السلوك اضافة الى تغيير في وسائل الحوار. بل الى مراجعة جذرية لمسألة معرفة الاخر وهذا الامر مطلوب من الاخر ايضا لان ماجرى دلل على فهمه القاصر تجاه من يعتبر بالنسبة اليه آخراً.
بالرغم من اختلاف القيم والمفاهيم والثقافات بين الحضارات لكن هذا لايعني انها متصارعة كما يذهب هنتنكتون الى ذلك ويروجها تلامذته الممسكون بزمام قطبية العالم، لكن بين هذه الحضارات هنالك الكثير من المشتركات على صعيد القيم الفكرية والانسانية والاجتماعية يمكن ان تشكل جسورا للالتقاء والحوار، والانسان بفطرته وطبيعته يميل الى التعايش بسلام وامان مع الاخرين على اختلاف الاديان واللغات والطبائع وهو كائن اجتماعي ومشارك، لكن الايديولوجيات وجهل البعض ممن بأيديهم تسيير امور عالمنا اليوم؛ بحركة التاريخ وعدم شعورهم بالمسوؤلية تجاه حماية كرتنا الارضية، اضافة الى عدم استعداد البعض للخروج من أسر الدوائر النصية المغلقة، هي التي تفسد بعض جوانب هذه الفطرة وتسيرها في غير أتجاهها المنتج والبناء. وهؤلاء وأولئك يلتقون على اكثر من صعيد، يتفقون ويتاَمرون على قتل كل القيم الانسانية والحضارية والاخلاقية في عالم وجد اصلا كي ينعم به الانسان ويعيش فيه سعيدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من