الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاث محطات ضوء مغربية من شمس الموسيقى العربية

حسني أبو المعالي

2006 / 2 / 18
الادب والفن


المحطة الأولى : رقصة الأطلس
ــــــــــــــــ
تغفو حبات الرمل وهي تجانب وتساكن بعضها البعض حبة حبة على امتداد الساحل الاطلسي الكبير، تعانق ضوء القمر المنفلت من غيمة كانت للتو تلاحقه، تفيق بين تارة وأخرى على ايقاعات المد والجزر، مد اتعبته صخور الشاطئ وجزر يشكو فراق الأمواج، تستحم حبات الرمل كل صباح بمياه المحيط ودفئ الشمس•
ذاك هو المحيط الأطلسي سمير المحبين والعشاق، حيث يتوغل الفنان عبد القادر الراشدي ويغوص بموسيقاه في أعماق المحيط بحثا عن نفيس لآلئه من أسرار البحر وأسرار الموسيقى، يصطاد الفنان الكبير لؤلؤته النادرة (رقصة الأطلس) موسيقى حالمة طالما حركت الوجدان، تتناثر حروف سلالمها الموسيقية بين حنايا حبات الرمل والرمل على الشاطئ يشدو أغنية ويناشد أمواج البحر موجة تركب موجة، تعلو الأمواج تتصاعد يتراشق رذاذها أنغاما أطربت الناس وعشاق الموسيقى (سيكا ــ نهاوند ــ صبا و بياتي) تتصاعد ايقاعات شتى تتلون (مصمودي ــ اقلال ــ بلدي ــ عيساوي وكذا أندلسي) وغيرها من الايقاعات التي تميز بها الراشدي في ألحانه التي جابت العديد من البلدان ولبت نداء موسيقاه أفضل الحناجر وأجمل الأصوات المغربية ــ نعيمة سميح ــ اسماعيل أحمد ــ لطيفة رأفت، تعلو الأمواج تتصاعد صوب الشرق حيث جبال الأطلس تقف شامخة، وبين الأطلس والأطلسي تتهادى رائعة الراشدي (رقصة الأطلس) نشوى وقد شكلت وألحانه الجميلة الأخرى عقد اللؤلؤ الذي صاغه الفنان خلال مسيراته الفنية وزين به جيد النهضة الموسيقية في المغرب أكثر من نصف قرن•

المحطة الثانية : سماعي نهاوند
ـــــــــــــــ
ينساب النغم هادئا يدعوك الى الاستماع ثم الى الاستمتاع، آخدا طريقه الى القلب محمولا على همس المناجاة، مناجاة تحمل معنى الدعاء والأمنيات في ساعات الغسق وتحمل معنى العتاب والملامة في ساعات الشفق، عتاب الى زهرة ذبلت في غير موعد الذبول والى قمر أفل في غير موعد الأفول، وربما إلى حبيب أو حبيبة طال غياب أحدهما حدا تجاوز قدرة التحمل على الانتظار (ولما بعدك عني طال حنيت لأيام الهجران) ودعاء هو أقرب الى امنيات بعيدة المنال وأحلام لا تتحقق، وذكريات حلوة لكنها ضائعة قد لا تعود•
هذا الشعور بالفقدان يصعب تصويره موسيقيا إلا على يد فنان تجاوزت قدرتة الفائقة على الخلق الى أفاق ابداعية أوسع، أنه الفنان الكبير (أحمد البيضاوي) الذي تمكن من تجسيد مختلف المشاعر عن طريق مجموعة من المقامات والايقاعات المختلفة عبر إنجازه الموسيقي الرائع (سماعي نهاوند) والنهاوند مصطلح شرقي لمقام يشترك فيه الشرق والغرب (دومينور) أي المقام الصغير الذي يحتل النغم الحزين مركز البطولة في سلالمه الموسيقية ومع ذلك فهو يجعلنا بفضل أنغانه وأنامل المبدع المستثناة نعيش اللحظة بين ضدين، فيشجينا ويبكينا تارة، ويمسح دموعنا تارة أخرى، وللحزن طعم خاص في هذا المقام الموسيقي فهو عزاء المهاجر في وطن الغربة، ودواء العاشق في زمن الوحدة، وما أن يكتحل القلب بسحره حتى تهرب كل الأحزان•

المحطة الثالثة :فرحة ورزازات
ــــــــــــــــ
بهيجة بكل مقاييس البهجة، ناطقة بكل معان الفرح بالرغم مما يقال عنها باعتبارها موسيقى صامتة، لذيذة كطعم التمر في ورزازات، عبقة كاريج أزهارها، عذبة كمياهها وشلالاتها، تسحرك فتلامس جميع الحواس، تتلون على حركة من الايقاعات المتنوعة فتهز الكيان والوجدان وتجعلك تميل بقلبك قبل جسدك أو بهما معا، تتوزع أنغامها فراشات تنتقل من مقام الى آخر عبر قنوات وجسور موسيقية أبدع المؤلف في بناءها وصياغتها بأجمل الصور والألحان، صور تأخدك بعيدا وتنقلك الى عالم حالم يتمنى كل مستمع لو لم يصح منه لساعات طوال، شأنها في ذلك شأن العديد من الانجازات الفنية الكبرى لمبدعين كبار أمثال الموسيقار محمد عبد الوهاب، محمد القصبجي ورياض السنباطي وغيرهم من الخالدين•
تلك هي معزوفة فرحة ورزازات كما أطلق عليها مبدعها عازف الكمان المتقاعد الفنان (الجيلالي بن المهدي) الذي اتخذ من مقام الحجاز ــ وهو من المقامات العربية الأصيلة ــ مدخلا جميلا لمعزوفته الحية والتي تبدأ بتقاسيم منفردة على آلة القانون وهي تهيئ المناخ الممتع لدور الايقاع الراقص، الايقاع الخفيف من النوع المصمودي مصاحبا إياه ذات المقام الذي الفته اسماعنا بأنغامه التي تعتمد على جمال الاختلاف في اللحن عن طريق الائتلاف بين ما هو بهيج وما هو حزين، فالحجاز سيد المقامات العربية وهو شيخها وحكيمها فلا يجرؤ فنان على الغوص في عميق محيطاته إلا من شرب من مياهه واستحم فيها منذ نعومة أظفاره•
فرحة ورزازات فرحة تناثرها صخب الرياح من نخلات وأشجار الواحة المغربية (ورزازات) الواحة الجميلة في مياهها وشلالاتها وبساتينها بعد أن جمعها الفنان زهرة زهرة، فراشة فراشة، وتمرة تمرة، وأودعها في سلالم موسيقاه وأطلقها فرحة رائعة شكلت ماسة مضيئة احتلت موقعها بين كنوز الموسيقى العربية وكونت جزءا هاما من رصيد أعماله الفنية وطموحاته الكبيرة، إلا أن تلك الطموحات سرعان ما تراجعت في ظل غياب الدعم والتشجيع نتيجة للتربية الموسيقية المفقودة، ومهما تظاهرت مجتمعاتنا العربية على مستوى النظرية بضرورة الفن باعتباره مرآة للمجتمع فإنها على مستوى التطبيق لا تعرف قيمة مبدعيها الحقيقيين حتى يهرموا ويشيخوا وربما بعد فوات الآوان•
على أية حال ستظل فرحة ورزازات إحدى المحطات الموسيقية المشرقة التي تبعث على الفرح والنشوة لمستمعيها، أما بالنسبة لمبدعها (الفنان الجيلالي بن المهدي) فكأني به يروي عبر آسى نظراته وملامحه المتعبة حكاية بائعة الورد التي غالبا ما لا تحظى بمن يهديها زهرة•








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب