الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناقد هاشم مطر وكتاب عبد الحليم المدني (الطريق الى بعقوبه )

حسين سدايو

2017 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


د-عبد الحسين رمضان
الناقد هاشم مطر و كتاب عبد الحليم المدني “الطريق الى بعقوبه»

هو كتاب "المحبة والتآخي" الذي يتناول سيرة "رجل دين" مهموم بالوجع الانساني تسطره يد "علماني اديب" يعرض تلك السيرة متحرراً من "عقد المجتمع والدين" باسلوب " اقرب الى الروائي منه الى شيء آخر "في بيئة "الالفة والتسامح" (بعقوبة) وباسلوب "آخاذ بطريقة غنائية وسردية تلقائية غير مبوبة حسب الزمن".

هكذا يصف الناقد هاشم مطر الكتاب والرجل والمدينة واسلوب ومنهج الكتاب، متبعاً ذات الاسلوب في عدم التبويب، مما صعب عليّ قراءة المقال ودفعني الى العودة الية أكثر من مرة لانتشال وترتيب ماينبغي عليّ الكتابة عنه – أتعبني استرسالك يا أبا نخيل رغم جودة وروعة ما كتبت.

يكتب هاشم مطر عن كتاب يعرف مؤلفه حق المعرفة فهو استاذ اللغة العربية في مدرسته الثانوية في بعقوبة في السبعينات، وعن شخصية شهد بعض فعاليات ونتائج عملها وسيرتها. عن الكتب التي تخص حسينية بعقوبة في ذلك الزمن التي ساهم بتجليدها مع اخيه، عن شخصيات عاصرته، عن طقوس دينية حضرها، عن احداث سمعها ممن عاصروا السيد. بل كتب هاشم مطر عن مدينة هي مدينته التي ولد وترعرع وشب فيها، مدينة البرتقال والقداح، الشجر والماء، مدينة النخيل والتي اطلق على ابنته الاولى اسمها “نخيل”، المدينة التي "تشكل المنظر الجميل والتي تهيئ لقبول الصفاء والالفة".

أي طريقة لتناول "تاثير الجغرافية ليس في قيادة وتوجيه التاريخ كما يقول ارنست تيد(1) ولا في نشوء الحضارات كما طرحها ارنولد توينبي(2) بل اثر الجغرافية في تشكيل المزاج والطباع والعادات الاجتماعية والاخلاق علماً وسلوكاً، هو مزيج من كل ماذكره هؤلاء مضيفا الية “ابن خلدون” عن “علي الوردي” الذي قرأه هاشم بامعان !
ولأن الكتاب يتناول سيرة رجل دين هو "داعية للصلح الاجتماعي" في بلد يعج بالمشكلات السياسية، فقد حظيت تقاليد المجتمع، وكنه وجوهر وتفسير الدين والموقف من التطورات السياسية، باهتمام الناقد عبر تناوله مثلث "المجتمع ، الدين ، السياسة"!.

عرض هاشم مطر هذا يجري باسلوب ذو لغة رقيقة عذبة، تفوح حقاً، منها رائحة الجوري والبرتقال وبطريقة وديعة وداعة"اهل اللواء"، كان لطيفاً حتى في طريقة نقده وعرضه السيرة دون تبويب حتى "لايخل" كما يقول بعرض الكتاب متجنبا كتابة منشور سياسي او اي ادعاء "بالتفلسف" رغم انه ينغمر في فقرات عديدية بالكتابة السياسية ويقر بالتفلسف "دعني اتفلسف" في مواطن تستدعي الاحداث والمنعطفات ذلك !

ويحدد الناقد اسلوب نقده "بالتساؤل والاستنتاج"، واتبع حقاً ذلك مرات عديدة في في القضايا الخطيرة متسائلاً ومستنتجاً "بحذر شديد" قد يؤاخذه من ليس على دراية كافية بموضوع الكتاب وجغرافيته !
ثمّن هاشم مطر عاليا طريقة عرض الكاتب لشخصية السيد الغائب الحاضر، وركز على ابراز جوهره كداعية للصلح الاجتماعي والفضيلة، ممارساً لها، واقفا بوجه "العصاب المذهبي" متصدياً "للافكار المتشددة القومية والدينية" منفتحاً على الأيدلوجيات الاخرى ومنها المادية بالسلوك والممارسة في المنعطفات التي شهدها المجتمع البعقوبي. وتوقف عند ممارسات انسانية عديدة متميزة للسيد؛ مضيئة، ذات دلالة تاريخية تتطلب الجرأة والتضحية والاقدام (قضية امامة المسجد بعد كاشف الغطاء، النأي عن المرجعية وفتاوى التكفير، برقيات التهنئة للسلطات، الخطاب المرسل اثناء الحرب العراقية الايرانية ... الخ).

كان هاشم ناجحاً، أقصى درجات النجاح، في "تكثيف" عرض قيم السيد وربطها بالتطورات اللاحقة، والحالية، واجراء مقارنة سليمة ورائعة وبكل "حذر" يتساءل ويستنتج في قضايا يعتقد ان موقفا اخر يمكن ان يكون الأكثر انسجاماً مع قيم السيد.

واحدة من الاشياء "الجميلة" التي ابرزها الناقد هاشم مطر هي تفسير اشكال مساعدة الناس والوقوف معهم عبر "الكرم الحاتمي" وموقف السيد حين قطع دراسته الحوزوية "لمساعدة الناس في درء خطر الفيضان عام 1954" وسخريته، أقصد هاشم، من اشكال الكرم الفمي والبطني، في استعراضات الطقوس الدينية والعزاءات!، و"سعة" افق السيد التي تتجاوز الطائفة والدين والقومية تتجلى كما يوضحها الكتاب ويتوقف هاشم عندها بمواقفه الملموسة من الصابئة والمسيحيين، والشاه واسرائيل والايدلوجيات العلمانية والمدنية !
وكما اشرت يقارن هاشم بين سلوك السيد آنذاك وموقف رجال الدين والمرجعيات منذ 2003 ولحد الآن ! يجرى ذلك بتلقائية ودون اقحام مفتعل!.
وعن اسلوب الكاتب، وكما اشرت فان هاشم يبدي اعجابه بالشاعرية الأخاذة الأقرب الى الرواية مطالبا الكاتب بحماس عالٍ "اكتب الرواية يامدني"!! ويثمن باعجاب العرض التفصيلي لكل مرافق حياة السيد ومواقفه بل ويصف الفصل الخاص بالطرائف والنكات "المرفق الجمالي للكتاب". وينتقد، وبلطف ايضا، الكاتب في عدم تحديد موقف من الاحتلال العثماني ومجريات الحرب العالمية الاولى وعدم نقد السلطة السياسية الحالية وينتقد بشكل اكثر وضوحا مواقف مؤسسة السيد بعد رحيله من السلطات والمنعطفات السياسية والمؤتمرات ويدعو الى تطعيمها بالخبراء والاكاديميين!.

اما بخصوص "اهل اللواء" فان هاشم لم يبالغ قط في وصفه صفاء وتآخي المجتمع البعقوبي بشاعرية جميلة. لقد عشت انا شخصيا سنوات اربع وسط هذا المجتمع وخبرت مؤلف الكتاب وناقده لأكثر من سنتين في ذات المدرسة التي كانوا فيها وواصلت الصلة بالعديد من "اهل اللواء" طيلة السنوات الأربعين اللاحقة.
أهي صدفة ان يكون هاشم مطر واحمد حسين وهاشم القريشي "ابناء اللواء" مركزا لتجمع العراقيين من حولهم اينما حلوا! في ايران وسوريا وبلغاريا وبولونيا والسويد والدنمارك؟. تنتشر في صالونات وبالكونات بيوتهم ورود الياسمين والجوري، وتفترش اسرة بيوتهم عشرات من اجساد الضيوف وتصطدم قدماك وانت الداخل الى بيوتهم، اينما حلوا، بعشرات من ازواج الاحذية المتداككة، ودوما، واينما حلو، كذلك تركن غابات غناء، ليس صدفة، قرب الأماكن التي يسكنوها!.
كيف يمكن لمنيرة وهناء وبوجينيه، زوجات البعقوبيون المذكورون، ان يكنّ بذات والالفة والرقة والطيبة إن لم يكنّ "الطيور على اشكالها تقع".
قلت مرة وبوعي الكامل "اتمنى ان يكون العراقيون، كل العراقيين، بعقوبيون وبصراوين"، دون ان اشعر بسنتيم مربع واحد شعورا "جهويا" !!
هذا النسيج الذي احتضن كما يشير هاشم، في تناوله كتاب المدني، الوف الناس من شتى المحافظات اثناء الحصار هو ذات النسيج العابر للقوميات والاديان والطوائف الذي ارعب السلطات الدكتاتورية قبل، 2003 فسعت الى محاولة تدمير ذلك باجبار مجموعات البعقوبين على الهجرة و"تهجير" فئات اخرى اليها!.

يستخدم هاشم الصيغة الصحيحية المألوفة للكاتب حين يتحدث، أكتب، اقرأ، لا اعرف، ولكنه يصدمني، وهو المدني العلماني حين يكتب، اعتمدنا، لظننا، وقفنا – ادخلنا رأينا، صيغة "وقفنا" "كلاسيكية" قديمة مرفوضة اليوم في مقال نقدي لكتاب قرأه هاشم لوحده وعرض استناجاته واراءه !
كلما اقرأ مثل هذه الصيغة، رغم ندرتها، يرن في رأسي خطاب ملك الاردن بعد ثورة تموز 1958 في العراق، "نحن الملك حسين"، كنت طفلاً وسمعت ذلك من المذياع فلم استوعب الصيغة. سالت نفسي هل يقصد عائلته او المحيطين بالعرش؟ فاجابني لاحقا الاستاذ محمود الالوسي مدرس اللغة العربية مفككا وموضحا هذه الصيغة !.
وفي المقالات النقدية يتم تجنب "الجزم" في عرض رأي يعتقد صاحبه ان الآخر كان يعنيه في اتخاذ موقف. ورغم انه جاءت لمرة أو مرتين في مقالة هاشم لسعيه في تقديم تفسير ايجابي لاحدى مواقف السيد!.
لكني "مأخذي" الهام على مقالة هاشم هو الطرح المتناقض وغير الدقيق ، جوهريا وتاريخيا، لمفهوم الدين وعلاقته بالسياسة على ضوء تجربة السيد .

لا اشك ان هاشم يعي جيداً، وقد درس ذلك لسنوات طويلة، وقرأ كثيرا وعايش تجارب حركات وسلطات وبلدان، سياسية ودينية، اقول يعي جيدا جوهر الدين "ومكانته" السياسية في المجتمع، لكن الممارسات الفعلية لجمعيات وسلطات رجال الدين والسياسين السلبية "والاجرامية" "والمنحطة" بحق الأفراد والناس، والادعاءات الزائفة " الدينية والسياسية شكلا" – كل ذلك دفع هاشم الى مجموعة متناقضة من الاراء والمفاهيم المجانبة للصواب، ساشير اليها على شكل رؤوس نقاط حسب.
- "لروحانية الكتب نكهتها الانسانية" وان "كانت دينية" هل ان الدين يفتقد النكهة الانسانية.
- "دين السيد غير دين اليوم" هو ذاته وهذا يسمى "الدين والواقعي والدين النظري" !
- "التدين الزائف" ويعني وجود تدين "صحيح" ! فكيف تنفي عن الدين نكهته الانسانية !؟
- الدين طقس عبادة لا يعنى بالسياسة !
منذ ظهور اولى اشكال التدين و "كهنته" و"رجاله" مرتبطون "مع او ضد" الساسة والحكام !
- تحول الدين الى سمسرة" ! لم يتحول بل استخدمته منذ ظهوره فئة لاستغلال الناس وما تزال !
- قبوله بمقولة السيد "عدم تسيس الدين وجعل السياسة في خدمة الدين" ! هذا اطلاق غير سليم .
- الدين يقول هاشم في مكان آخر، بناء الانسان ومساواة الانسان بأخيه ّ وهذا يلغي كل ملاحظاتك السلبية السابقة – ليعاود القول "الدين كتلة من النفاق" !!!
- "متحرر من عقد الدين" ! العقد، بمعنى التقاليد المقيدة المحبطة موجودة حتى في الايدلوجيات "المدنية العلمانية" !

اؤكد مرة اخرى ان هاشم يعي معنى الدين والسياسة ولكن :
- الانحطاط العميق والكبير لممارسات الساسة والهيئات الدينية ورجاله والدرك الذي اوصلوا البلد اليه بادعاءاتهم اولاً.
- انحياز هاشم للقيم الانسانية وحماسته تدفعه الى اطلاق نعوت واستخدامات غير سليمة في "احتقار" و"شتم" السياسة ! الفكر السياسي كما يقول ارسطو هو واحد من ارقى نتاجات العقل البشري !

وباختصار شديد فان الممارسات الفعلية والواقعية اليومية لمن يطرحوا انفسهم "ممثلي الدين" و "رجال السياسة" والبون الشاسع بينها وبين "المبادئ" التي يدعون انهم "يمثلونها" ويدافعون عنها هي وراء الاطروحات التي اشرت اليها.
واتساءل، قبل ان اختتم – هل يمكن ان اضع طروحات السيد "الفقهية" ومواقفه من الحوزة ورجال الدين الشيعة في العراق وايران، اقول هل يمكن ان اضعه ضمن "التيار العربي العراقي" "مدرسة النجف" في مواجهة التيار الايراني "مدرسة قم"؟

واخيراً ورغم اني شعرت حقاً، من استرسال هاشم مطر وعرضه، بأني قرأت الكتاب، الا ان ذلك سيدفعني ويحفزني بالتأكيد، الى قراءته !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قراءة مثمرة
أحمد السيد علي ( 2017 / 10 / 23 - 20:18 )

د حسين سدايو

تحياتي

للأسف قرأت قراءتك الناقدة للنقد متأخرا بسبب الانتقال لسكن جديد، انا كنت قد قرأت

القراءة النقدية للناقد الصديق الواعد الصاعد الأستاذ هاشم، واعجبت بها، رغم إنني بعيد

عن اللاهوت، وأنا أعرف جيد الراحل السيد عبد الكريم المدني من صغري، وقد شيّع

بجنازة ضخمة ابتدأت من خان النصف الى النجف بعد الانتفاضة الشعبانية، وقد أغلقت ا

النجف كل أبوابها لظنهم انها انتفاضة جديدة كما ذكر لي خالي طالب علي عليه الرحمة . سنة 1992

د حسين لقد انصفت هاشم والكاتب واهل بعقوبة

بوفاءك وملاحظاتك الهامة فشكرا لهذا الجهد المشترك لكاتب السيرة وناقدها وناقد ناقدها

محبتي لكم جميعا

اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي