الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمزية الحدث

نبيل محمود

2017 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إن ما يضفي دلالة رمزية على بعض الحوادث العابرة في التاريخ ليس تفاصيلها في ذاتها، وإنما الملابسات والإشكالات التي سترافق سيرورتها التاريخية، لاحقا،ً والمآلات والنتائج التي ستنتهي إليها.
فبدلا من أن يكون فرصتنا فإن النفط قد صار مشكلتنا!

كتب المؤرخ عبد الرزاق الحسني ((... كان عمال شركة النفط في كركوك ينزلون في حفرياتهم إلى أعماق بعيدة الغور في الأرض. وفي يوم 14 تشرين الأول 1927م فاضت إحدى الحفر بالسائل الثمين، وأخذ يتدفق بغزارة هائلة، فأدى ذلك إلى مقتل ثلاثة من المهندسين وبضعة أنفار من العمال، ولم تقوَ الجهود على سد فوهة هذه البئر إلا بعد عشرة أيام، كان النفط يتدفق خلالها...)) عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث ج3.
في الاقتصاد السياسي الحديث يُعدّ مفهوم التراكم الأولي- البدائي معضلة كبرى في تحوّل اقتصادات المجتمعات من النمط الزراعي إلى النمط الصناعي. والتاريخ يورد أمثلةً قاسيةً اجتماعياً لهذه العملية، كإجراءات (التسييج) في بريطانيا التي واكبت ثورتها الصناعية أو سياسات القسر الستالينية، لتحقيق التراكم الرأسمالي المطلوب للتحول الاقتصادي الصناعي على حساب المنتجين الزراعيين.
وفي بعض بلدان الشرق الأوسط بدا اكتشاف النفط (الذهب الأسود!) وتسويقه وكأنه فرصة ذهبية لتوفير الموارد المالية للتحوّل إلى مجتمعات ودول صناعية حديثة. دون إثقال كاهل المواطنين بأعباء مجحفة أو تكبيدهم المشقات والآلام الجسيمة. وهذه بلا ريب مسألة سياسية ومهمة مصيرية وتاريخية يقع على عاتق النظام السياسي إدارتها وإنجازها لمصلحة الجميع.
إن السياسة تغدو مبدّدةً لأعظم الفرص المتاحة في التقدم والتطور حين تشوبها، أو تطغى عليها الممارسات اللاعقلانية. وذلك حين يركّز العامل السياسي كل قواه على قضية السلطة بدلا من بذل الجهد في تعظيم دور الدولة ومؤسساتها. ففي الوقت الذي تمضي فيه معظم المجتمعات الحديثة في مسارها السياسي بالانتقال التدريجي والمستمر من مفهوم (حكم) الأفراد إلى مفهوم (الإدارة) العقلانية للشأن العام، وتحقيق أقصى منفعة ممكنة لجميع الأفراد. فإن المسار السياسي لبلداننا ينهمك بكل عزم للانتفاع الخاص بالموارد العامة من قبل فئة قليلة على حساب الآخرين. أو (وهذا هو الأفظع) انخراط الفاعلين السياسيين في تبديد هذه الموارد في مغامرات دامية وأهواء عابثة والتلاعب بالمصائر الإنسانية لأفراد المجتمع. كما أثبت التاريخ القريب لكثير من دول المنطقة وتخبط سياساتها وتبديد الموارد المالية الضخمة في الحروب أو المشاريع غير المنتجة أو الكسب غير المشروع للبعض على حساب المصلحة الكلية للشعوب.
يقف المرء أحياناً بذهول أمام هذه الظاهرة، القدرة الفائقة على إهدار الثروات العامة وتحويلها أحياناً إلى تراجيديا قاتمة سوداء! وكأن الأمور تمضي بشكل غرائبي ومقصود لتأكيد صحة تلك المقولة المتهكمة (إن وجود النفط في بعض البلدان غلطة جيولوجية لابد من تصحيحها) !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا