الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا إلى أين؟

الحزب الشيوعي السوري

2001 / 12 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي




عن جريدة الرأي للحزب الشيوعي السوري
(المكتب السياسي ) العدد 1 تموز 2001

أستبشر السوريون خيراً بوعود الإصلاح التي سبقت ورافقت تغيير العهد في البلاد قبل أكثر من عام .
وشهد العالم كله روحاً حية وجديدة تنبث في المجتمع السوري اصطلح الجميع على تسميتها"ربيع دمشق" .
لكن الشهور الأخيرة، وبدءاً من شباط الماضي ، شهدت التفافاً صارخاً على آمال أهل البلد في إصلاح جدي يعيد وضع بلادهم على سكة العمل والتراكم والحرية. الشعور العام في سورية هو أن هناك فرملة قوية، إن لم نقل انعطافاً نحو الخلف، سواء في مجال الحريات العامة والإبقاء على قانون الطوارئ وسريان الأحكام العرفية أو في محاكمة الفساد أو في مجال علاج مشكلة البطالة والفقر ، أو حتى في مجال إصلاح وتنشيط الحزب الحاكم أو تشكيل وزارة جديدة .. لكن بقدر ما يبدو أن فص تحقيق اختراق إصلاحي تهدر بنشاط، فإن العودة المحض إلى الوراء مستحيلة ومجرد وهم.
ففي الأصل لم تصدر النوايا الإصلاحية عن هوى فردي، ولا هي خيار بين عدد من الخيارات الأخرى المتكافئة، بل هي حصيلة إدراك موضوعي لحقيقة أن البلد لم يعد يمكن أن يدار بطريقة مزرعة الإقطاعي أو بأسلوب المافيا.
الوقائع معروفة للجميع، والخلاصة المرجحة لها هو أن سورية تعيش وضعاً خطيراً و مفتوحاً على آفاق غير مطمئنة.

1 ـ من الواضح أن هناك تعطيلاً فعلياً لأي توجه نحو الإصلاح و إعادة البناء و رغم محدودية وعود الإصلاح التي أطلقت قبل حوالي عام واحد. ولعل السبب في نجاح هذا التعطيل هو افتقاد البرنامج الإصلاحي للشجاعة والتماسك و وضوح الرؤية من جهة، و عدم ثقة التيار الإصلاحي بالشعب، و بالتالي بقاؤه ضعيفاً أمام قوى العطالة التي تمتلك مفاتيح قوة فعلية من جهة أخرى.

خلال العهد السابق، وخاصة في بداية الثمانينات، عاشت سوريا على فائض من القمع أرهب المجتمع و أقصاه إقصاءً تاماً من الميدان العام، وتكونت في ظل الخوف والإقصاء المعممين مصالح فاجرة جشعة و استمر الفساد الدولة والمجتمع، بل و استخدم سلطة الدولة لتحصين انحطاطه.
و بالتدريج تحولت هذه المصالح المكتسبة بالغضب إلى "حقوق بديهية و طبيعية" و أثبتت الطبقة المنتفعة الفاسدة شراسة لا حدود لها توازي حدود فسادها.
لذلك فإنه لا معنى لأي إصلاح أو تطوير وتحديث دون تحرير الدولة والمجتمع من قبضة هذه الطبقة، وتخليص البلد من طفيليتها وأنانيتها، من دناءتها و انعدام كفاءتها.

2 ـ تبرر هذه الطبقة الحاكمة المالكة وجودها ودورها بذريعة "الاستقرار و الاستمرار" مستغلة الميراث المتناقض الذي ورثه الدكتور بشار الأسد عن والده الرئيس.
هذا الشعار زائف ومزايد، والغرض منه هو قطع الطريق على أي توجه إصلاحي مهما يكن محدوداً.
فهذه الطبقة التي كانت نسبياً أمام الرئيس الراحل (لم تكن ضعيفة إلى الدرجة التي تفترض عادة). و كانت تتطرف في الولاء له و تبجله لتجيل مواقعها و مصالحها، استغلت انتقال السلطة لتدعيم قوتها، و تعزيز موقعها من صنع القرار. ففي العهد السابق ـ وقد كنا معارضين له على الدوام ـ كانت هذه الطبقة تدور في فلك صاحب أما اليوم فهي تريد القرار لنفسها لكي يكون صانع القرار مجرد واجهة لها.
لذلك ليس هناك عدم استمرار فحسب، بل في الواقع انقلاب تام للوضع السابق.
و بالتالي فأن مصدر الخطر هو العجز عن سياسة الدولة وقيادة المجتمع و صنع القرار و تنفيذه، أي باختصار العجز عن الحكم. وهو عجز ناشئ عن التعطيل والثقل الباهظ للماضي.
و من غير المتوقع أن يكون الاستقرار أحسن حالاً من شقيقه الاستمرار إذا استمر وضع الشلل هذا لكن الاستقرار و الاستمرار يحتفظان بكامل معناهما بالطبع إذا فهمنا المقصود بهما، استمرار الفساد السياسي و استقرار سياسة الفساد.

3 ـ يتكيف الوضع الراهن في سوريا في ما يلي :
ضعف القيادة وعدم وحدتها، طبقة مالكة، حاكمة شرسة جداً و رجعية جداً و فاسدة جداً، مجتمع منهك و مغيب و مفقر، و أخيراً معارضة سياسية ضعيفة و مأزومة ومفتقرة بدورها سياسياً واجتماعياً. و كل ذلك في ظل تحديات إقليمية و عالمية تفرض استجابات مرنة و مبدعة عليها، و خاصة الخروج على النسق البليد المعتاد لسياسات السلطة السورية. فكيف إذا كان هذا النسق على علاته ـ مشلولاً؟

4 ـ يلتقي كذلك في الوضع الراهن مساران نكوصيان:
نكوص عن وعود الإصلاح والبناء الداخلي، و نكوص إسرائيلي و أمريكي عن تفاهمات مؤتمر مدريد قبل عشر سنوات من اليوم.
يضاف إلى ذلك هجوم عالمي أمريكي يعيد التذكير بالاندفاع الأهوج لكن الجبار لقوى الاستعمار القديم.

نتوهم كثيراً إذا ظننا أنه تمكن العودة إلى الوراء، و أنه تمكن المتابعة على سياسات عشوائية قصيرة النظر و عديمة الأفق الاستراتيجي. نتوهم كثيراً أيضاً إذا ظننا أن مناعة سورية الوطنية والاجتماعية .
يمكن أن تستند على هياكل سياسية مهترئة ومنخورة وخطاب سياسي ركيك وأداء سياسي هزيل، فضلاً عن اقتصاد استنزفه الفساد و شعب مدمر المعنويات. فالفشل في معركة الإصلاح لا يعني الفوز بالاستقرار و الاستمرار.
والفشل في "معركة السلام".
لا يعني العودة إلى الجمود.
والعجز في مواجهة التحديات المستقبلية لا يعني ضمان الحاضر و ثباته. إن التقاء المسارات الارتدادية في الوقت الراهن يمكن أن يكون مفترق طرق يؤدي إلى الانفجار و الكارثة أو إلى إحياء عام. فمن الممكن أن يكون تعطيل الإصلاح مناسبة لتحرير جذر من الفساد و انفتاحاً جاداً على الشعب.
و من الممكن أن تستفيد سوريا من فشل"معركة السلام" لإعادة بناء استراتيجية شاملة للبناء الوطني و المواجهة.
و ليس من المستحيل الصمود في مواجهة الاندفاع الأمريكية إذا اتبعت سوريا سياسة ديناميكية و شجاعة في الاعتراف بشعبها والتفاعل الإيجابي مع جوارها العربي (العراق و لبنان خاصة) و الإقليمي.

5 ـ ليست الخيارات وفيرة أمام البلد و لا الوقت مفتوحاً. فإما أن تنتصر سوريا على ذاتها، أي على كل ما هو بشع ورديء في نظامها الراهن، و هذا النصر الحقيقي و شرط كل نصر أخر، أو أن تستمر و تستقر على هزيمة ذاتها، أي على هزيمة كل ما هو جميل وإنساني و أخلاقي فيها.
و هذه هي الهزيمة الحقيقية و جذر كل هزائمها الأخرى.

سوريا محتاجة فعلاً إلى الاستقرار كشرط للتراكم والبناء لا كشرط لاستمرار النهب و النهابين الذين يتعاملون مع البلد كغنيمة و أسلاب حرب. و شرط الاستقرار هو قطيعة بناءة مع الاستمرار السلبي، بقدر ما أن هذه الاستمرار تهديد مستمر للاستقرار. باختصار سوريا بحاجة إلى ثورة في السياسة، ثورة تجديد في هياكلها السياسية و في العمل والفكر السياسي فيها.
هذا هو المعنى الوحيد الجدي للإصلاح الجذري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر