الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأدب والسياسة

ممدوح مكرم

2017 / 10 / 18
الادب والفن


هناك الكثير من الرؤى حول هذا الموضوع، الذي دعيت للكتابة فيه، ولكنْ منطلقنا يختلف عن الغالبية العظمى من الرؤى السائدة، التي قاربت الموضوع بشكل، سكوني(استاتيكي)، و التي تفصل بين الأدب والسياسة كمجالين مختلفين،وإنْ يلتقيان في بعض الجوانب، هذه الرؤى إما ذات نزوع ليبرالي جديد على مستوى السياسية، أو نزعة الفن للفن على مستوى الفلسفة.
أما نحن نرى الموضوع من زواية الجدل بين الاثنين(بين الأدب والسياسة) ونقصد بالجدل: تلك العلاقة التي تجمع بين طرفين وتوحد بينهما في ذات الوقت، من خلال تناقضهما الُموَلّد للحركة، والتي تؤدي إلى حدوث تحول نوعي في الظاهرة؛ جاء بناءًا على تراكمات كمية وصراعات داخل باطن الظاهرة ذاتها. من هذه المقاربة نفهم العلاقة بين الأدب والسياسة.
والأدب: يشير إلى النشاط الإبداعي الإنساني الذي أخرج الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والمقال، والمسرحية، والدراما، هذا النشاط الإبداعي لا ينفصل عن النشاط العام للإنسان وقلبه ونواته الصلبة: الاقتصاد. أما السياسة: فلا نعني بها شكلها المسطح والمبتذل ومتابعة الأحداث ونشرات الأخبار، بل نعني بها نشاط الإنسان اليومي لتحسين وضعه الاقتصادي- الاجتماعي، واجبار السلطة على احترام مساحة الحقوق والحريات العامة والخاصة عبر عقد اجتماعي مكتوب، يُعرف بالدستور(المشروط بالفارسية) ما يمكن أنْ نسميه بـ" الصراع الطبقي"
فالسياسة كما نعرفها وخبرناها هي: انحياز وموقف، انحياز للمهمشين والفقراء والمستضعفين، وموقف من الاستبداد والظلم والاستغلال، السياسة هي فن مقاومة كل ذلك عبر تحشيد الجماهير والإرتقاء بوعيها في عمل انتفاضي وثوري يخلع جذور تلك الممارسات اللاإنسانية في المجتمعات البشرية.
(1)
يمكن أنْ نرى العلاقة بين الأدب والسياسة من زوايتين:-
الأولى: زاوية أبستمولوجية( معرفية): أي العلاقة الوشائجية من خلال العلوم الإنسانية، الأدب بعلومه المختلفة، والسياسة بعلومها المختلفة، يلتقيان في زوايا مهمة تتعلق بالمقاربات المنهجية، ومعالجة موضوعات أدبية ذات أبعاد سياسية، أو معالجة الأدب من منظور سياسي، مثلا هناك ظاهرة ما يُعرف بالأدب المقاوم( في الشعر، الرواية، القصة...إلخ) هناك زاوية سياسية تنظر للموضوع من منظور علم السياسة العام، والاجتماع السياسي، ونظريات ثورية تمثل الإطار المنهجي في السياسة كعلم ومعها رديفها علم الاجتماع، والإتكاء على الفهم المادي- العلمي للظاهرة(المادية الجدلية والتاريخية).ولا يفوتنا أنْ نذكر في هذا الصدد أطروحة الدكتورة " درية شرف الدين" في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت عن: السينما والسياسة ، هو قياس جيد يمكن أنْ نتكأ عليه في هذه النقطة.
الزواية الثانية: الأدب والسياسة كنشاطين إنسانيين: الذي يحدد وعي الإنسان وانطولوجيته الاجتماعية( وجوده الاجتماعي) هو كيف يشبع الإنسان حاجاته المادية والروحية؟ كيف ينتج ما يلبسه ويأكله؟ كيف يزرع ويصنع؟...إلخ( وهذه الزواية التي يهتم بها الاقتصاد السياسي) وما يسميه علماء الاجتماع بـ: نمط الإنتاج/أسلوب الإنتاج( أو التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية) والتي تحدد شكل النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع؛ فنقول: نظام مشاعي بدائي، أو عبودي، أو خراجي، أورأسمالي....إلخ، وفي التشكيلة تتحدد العلاقات بين الناس( علاقة طبقية هرمية: باستثناء التشكيلة المشاعية الأولى) وفق ذلك يتحدد البناء العلوي/ الفوقي للمجتمع والتي ضمنها(الأدب، الفكر، الفلسفة، الدين، السياسة، التشريع...إلخ) والاقتصاد يشكل > هكذا تتحقق مقولة" الأدب مرآة المجتمع" يعكس الأدب المجتمع، نرى أنفسنا في روايات نجيب محفوظ أو ديستويوفسكي مثلا، وقصائد لوركا أو الأبنودي، وفي قصص هيمنجواي وتشكيوف، أو يوسف إدريس والشرقاوي ويحيي الطاهرعبد الله.
(2)
ليس كل سياسي يكون مبدعًا( أي شاعر، أو أديب) ولكن كل مبدع هو سياسي، وإبداعه يعبر عن السياسة( بشكل صريح أو ضمني، مباشر أو غير مباشر)، وهناك مبدعون انتموا لرؤى سياسية، وكانوا في أحزاب سياسية، سواءًا على مستوى منطقتنا أو العالم( خُلق مصطلح المبدع الملتزم) وما أطلق عليه " جرامشي" المثقف العضوي أي: الذي يرتبط بالجماهير يعلمها ويتعلم منها، على سبيل المثال الأديب الروسي : انطون تشيكوف" أحد أعمدة القصة القصيرة العالمية، الي انحاز للمهمشين، وكان الزعيم الثوري الروسي " فلاديمير لينين" يقرأ بشغف أعمال مكسيم جوركي، ونشأت بينهما علاقة حميمية، كتب " جوركي" رواية الأم التي تعكس واقع العمال الروس في ظل القيصرية، ومن خلال الأم التي تنخرط مع خلية عمالية ثورية في أحد المصانع الكائنة بضواحي المدينة، وارتبط مكسيم جوركي بحزب العمال الاشتراكي الروسي(الشيوعي لاحقا) . في أعمال همينجواي نجد المهمشين والفقراء، كما في العجوز والبحر، قصائد الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل(الفصحى) والأبنودي ونجم وجاهين وحداد في العامية، نجد صدى السياسة والصراع الاجتماعي والطبقي والحلم القومي، الذي انتهى في هزيمة 1967م. لوركا في أسبانيا وقصائده عن الغجر وهو الذي راح شهيدًا في الحرب الأهلية بين فصائل اليسار واليمين الفرنكاوي الذي قمع الحركة العمالية المناضلة( التي يدافع عنها اليسار).
في مصر أدباء وشعراء عُرفوا بتوجههم السياسي( وتحديدًا اليسار الماركسي والقومي) فؤاد حداد كان عضو في منظمات ماركسية، وعاش تجربة الاعتقال، يوسف إدريس كذلك، وغيرهم. وهناك فصيل من المبدعين يكون له موقف سياسي لكن دون أنْ يسلك مسلكًا تنظيميًا مثل أديبنا الكبير نجيب محفوظ الذي احتفى في رواياته بالحارة وبالحرافيش وهذا تعبير عن انحياز اجتماعي وطبقي، وهناك في الاتجاه المقابل : الأدب الذي يعبر عن البرجوازية( ثروت أباظة ، إحسان عبد القدوس وآخرون) كانوا يمثلون النزعة اليمينية في الأدب والفن؛ وهو عاكس لحالة الاستقطاب الاجتماعي الحاد في المجتمع المصري بين من يشبعون ومن يجوعون!
(3)
السياسة أثرت في الأدب على مستوى المضمون فكانت الحروب مادة دسمة لكثير من الروايات والقصائد والقصص، رواية " لمن تدق الأجراس" لهيمنجواي مثلا تتناول أحداثها الحرب الأهلية الأسبانية إبان حكم الديكتاتور " فرانكو" وعمل جمال الغيطاني الرائع " حكايات الغريب" الذي يتحدث عن حرب السويس 1956م أيام العدوان الثلاثي.
ونقرأ ونسمع قصائد أحمد فؤاد نجم التي كان يتغني بها الشيخ إمام، ويغنيها الطلبة والعمال في تظاهراتهم، ولا تصالح لأمل دنقل التي تمثل أيقونة الرفض للتصالح مع العدو الصهيوني، كانت المقاومة الفسلطينية واللبنانية – فيما بعد- ملهمة وكُتبت عنها قصائد وقصص وراويات، بل برز ما يُعرف بشعر المقاومة( خط محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد) ورواية المقاومة وقصصها عند " غسان كنفاني" و" إميل حبيبي".
وامتد تأثير السياسة على الشكل أيضًا، فتيار ما بعد الحداثة ظهر في فرنسا عقب ثورة الطلاب والعمال 1968م، وبدأت تظهر التجارب الجديدة في الكتابة ذات المنحى الوجودي الجديد، وتَكَسُر الحلم الإنساني، وشعور الإنسان بالاغتراب والانسحاق الاجتماعي في ظل الرأسمالية، وتشيؤ الإنسان والقيم، كل ذلك فرض أشكال جديدة للتجربة الإبداعية، فظهرت قصيدة النثر كنتيجة لذلك، وظهرت أنماط جديدة متمردة من القصة والرواية وغيرهما من الأجناس الأدبية، إدوار الخراط في رامة والتنين(الرواية) في الشعر الجيل السبعيني( إضاءة ومن على شاكلتها) كل ذلك بفعل تحولات سياسية عاصفة، زادت أكثر منذ تسعينات القرن الماضي ونهاية الحرب الباردة، ودخولنا في موجة العولمة، التي غيرت الأبنية الاقتصادية،والاجتماعية، والسياسية، وغيرت في بنية الأدب شكلا وموضوعًا.
موضوع السياسة والأدب موضوع كبير وعميق ، ومتشابك، ولا ندعي ولم ندعي، أننا أحطنا به، فقط مجرد إشارات سريعة ومبتسرة في خطوط عامة، نتمنى أنْ تحوزّ الإعجاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير