الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان التي تأخرت مائة عام

سعيد لحدو

2017 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إن من ينظر إلى خارطة الشرق الأوسط ويتمعن بمدى التغيرات الكبيرة التي طالتها خلال المائة سنة الأخيرة، سيدرك بلا شك الأسباب والدوافع العميقة التي مهدت لموجات متلاحقة من الصراعات والحروب والمآسي الإنسانية بدوافع ومسمسيات مختلفة سماتها الأبرز كانت وما زالت الطائفية والدينية والمذهبية والعرقية والطبقية. ولم تتعلم هذه الشعوب ولا قياداتها السياسية والدينية والقبلية، وحتى نسبة كبيرة من طبقة المثقفين فيها، من هذه التجارب المأساوية، لتؤسس لمستقبل أفضل لبلدانها.
لقد مرت أوربا في مرحلة مشابهة من النزاعات والحروب في القرون الوسطى وتعلمت أن قبول الآخر والتعايش معه من منظور التصالح والتبادل فيه فائدة للجميع. وهكذا عقدت اتفاقية وستفاليا للسلام عام 1648 وأسست دولها القومية التي تمتعت بسلام نسبي فيما بينها مهد فيما بعد للثورة الصناعية التي شملت تأثيراتها الإيجابية العالم أجمع. ولأن الألمان لم يكونوا قد أسسوا دولتهم القومية إلا في عام 1871 بعد الثورة الصناعية، أرادوا أن يكون لهم أيضاً دورٌ في تقاسم النفوذ والفائدة ورفض البريطانيون والفرنسيون ذلك، وقد أدى ذلك النزاع إلى حصول الكارثة العظمى بوقوع الحرب العالمية على مرحلتين لم يفصل بينهما سوى عشرين عاماً!!!
هذه الكارثة العالمية لقنت القوى العظمى وكل الدول التي عانت من ويلاتها، الدرس الأبلغ في طريقة حل نزاعاتهم بكل الطرق والوسائل الممكنة باستثناء الصراع المسلح. مما هيأ الظروف لتأسيس منظومة من الدول الديمقراطية التي وضعت المواطن وحريته ورفاهيته فوق كل اعتبار. واتجهت مع الزمن لتتقارب أكثر رغم الاختلافات وتؤسس لما يسمى اليوم بالاتحاد الأوربي التي تطمح اليوم كثير من الدول لتكون جزءاً منه.
أما منطقة الشرق الأوسط رغم المعاناة الكبيرة التي عانتها وتعانيها بسبب بحثها الدائم عن عناصر للاختلاف مع الآخر عوضا عن التلاقي والتوافق فلم يقدم قادتها (بالمعنى الحرفي طبعاً، لكي لا تجري مساواتهم بغاندي مثلاً) نموذجاً واحداً للبحث عن سبيل للتطور والتحضر، وإنما مالأوا الجماهير الشعبية وسايروا عواطفها النابذة للعقل والتعقل واستندوا إلى هيجانها الدائم وتهييجها المستمر لتكوين شعبية فارغة من المضمون سرعان مايجري سحلها في شوارع العاصمة عند أول انقلاب عسكري ناجح.
إن التهويل والتهويش والديماغوجية مازالت السياسة الأبرز في عواصم الشرق الأوسط عامة والذي يستحق بجدارة لقب "الشرق الحزين". كنتيجة منطقية وحتمية لمقولة حب الموت بدلاً من حب الحياة التي سادت في الأوساط المتدينة كوسيلة للتقرب إلى الله عوضاً عن التقرب للشعب وتخفيف همومه ومعاناته. وقد انعكس هذا الإحساس في كل مجالات الحياة الأخؤى، كما في موسيقانا الدامعة والتي مازالت حتى بالنسبة لي الموسيقا المفضلة.
قضية كردستان والاستفتاء الذي أجري في كردستان العراق في الخامس والعشرين من أيلول لا ينفصل عن هذا الإطار. بل هو في الحقيقة جزء هام وأصيل منه. والقضية الكوردية أو الكردستانية بمفهومها الأشمل، لم تكن غائبة عن مسرح الصراعات المتنوعة في الشرق الأوسط طوال المائة سنة الأخيرة دون أن يوجد لها الحل النهائي، ككل الصراعات الأخرى. وبغض النظر عن الأسباب الذاتية المرتبطة بالكورد أنفسهم، أو بمصالح الدول الاستعمارية وتبادلاتها البينية على أنقاض الامبراطورية العثمانية، فإن أساس المشكلة وكل المشاكل والصراعات الأخرى يكمن في أعماق الذهنية المسيطرة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية سواء كانوا قادة أو شعوباً بعدم قبول التقاسم في أي شيء. وعدم التنازل لأنه بالمنظور الشعبي هو تعبير عن فقدان للهيبة والرجولة وبالتالي الشعبية. أما منظور المصلحة والمنفعة العامة والحق، فهذه قضية خارج الاهتمام وتأتي في المرتبة الأخيرة. لذلك لن تجد لها أي صدى في محاولات البحث عن حلول للمشاكل.
تشكلت كل الدول الحالية، أو رسمت حدودها على الأقل، من قبل الدول التي سُميت استعمارية، وذلك وفق اتفاقية سايكس–بيكو التي مازالت شعوبنا ترجمها كل يوم، أو أثناء الفترة القصيرة نسبياً التي حكمت فيها هذه البلدان وبنت فيها أولى المدارس والمستشفيات وعبدت أولى الطرق التي شهدتها المنطقة. أما أربعمائة عام من الحكم العثماني المتخلف والمتحجر فلم يكن استعماراً عند هذه الشعوب ذاتها لأنه بنظرها تعبير عن الخلافة الإسلامية!!! وهذا كافٍ بنظرها للتغاضي عن كل سلبياته التي حكمت حياة الناس من كل الأطياف بالفقر والجهل والتخلف.
أما الغريب في الأمر فإن هذه الحكومات والشعوب تناقض نفسها وتناهض بشدة ما يطمح إليه الشعب الكوردي الذي يساوي تعداده سكان العراق ودول الخليج مجتمعة إذا استثنينا السعودية منها، وتدافع بحرص شديد عن الحدود الجغرافية التي رسمتها مساطر الاستعمار ذاته الذي تشتمه ليل نهار، وتستنكر على الكورد أن يعبروا عن رأيهم في المستقبل الذي يطمحون إليه!!!
لقد نصت معاهدة سيفر عام 1920 على أن لسكان ولاية الموصل والتي هي كردستان العراق حالياً الحق في اختيار وتقرير مصيرهم. ثم جاءت معاهدة لوزان عام 1923 لتتغاضى كلياً عن ذلك الحق وتحصره بين سكان ولاية الموصل والحكومة العراقية التي لم تلتزم يوماً بما نص عليه الدستور العراقي لا قبل استقلال العراق ولا بعده. فهل يُلام سكان كردستان إذا رأوا أن مصلحتهم تقتضي الانفصال عن العراق بدولة عصرية تراعي مصالح جيرانها وتحرص على حسن العلاقة معهم؟
ومن جهة أخرى، لماذا يجب أن يكون للعرب دولهم القومية، وللأتراك والإيرانيين أيضاً وكل شعوب الأرض الحق ذاته، بينما عندما يتعلق الأمر بالكورد تظهر المواقف الرافضة من هؤلاء الذين عايشوا الكورد وتبادلوا معهم السراء والضراء قروناً طويلة!!
الزواج بالإكراه إحدى ميزات مجتمعاتنا الشرق أوسطية. وهذه متعلقة أيضاً بالذهنية التي تحدثنا عنها ومعنى الرجولة في المجتمعات الذكورية. وما دام الأقوى هو الرجل أو الحكومة أو "الزعيم والقائد" فلا معنى لسؤال المرأة عن رأيها في شريك حياتها لأنه في الحقيقة والواقع العملي ليس شريكاً وإنما سيدأ ومالكاً. وهذا التوصيف ينسحب على السلوك العام في المجتمع والسياسة في الشرق الأوسط. ومن هذا الباب تحديداً يأتي الحرص المبالغ فيه على الحدود والوحدة المزعومة في واقع انفصام كامل في الحياة العملية. وتجربة مائة عام من الضنى والضنك والاضطهاد والصراع الذي لم يحل مشكلة لا في العراق ولا في غيره من دول الجوار، هذه التجربة كانت أكثر من كافية لتبرير كل خطوة تخطوها كردستان بإرادة شعبها في أي اتجاه جاءت. ناهيك عن الحق والعدل والمساواة وتقرير المصير.
أثناء مشاركتي في الملتقى الثقافي بجامعة السليمانية قبل عام ونصف تقريباً قلت إن كردستان تأخرت مائة عام عن موعدها وحان لها أن تقوم. واليوم أؤكد مجدداً على هذا الموقف من باب الحرص على توفير ظروف أفضل لتعامل شعوب المنطقة مع بعضها البعض لما فيه منفعة الجميع وتقدمهم نحو المجتمع البشري المتحضر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة