الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركسية ماركس

رحيم العراقي

2006 / 2 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


المنظر اللبرالي الفرنسي، والأوروبي الأكثر شهرة خلال القرن العشرين تحدث طويلاً عن الفيلسوف الألماني «كارل ماركس» الذي يفترض ان يكون «خصمه» بالتعريف.. فآرون هو «منظرً اللبرالية» و«ماركس» هو رمز الفكر الاشتراكي.
قدم ريمون آرون العديد من الكتب التي اصبحت بمثابة «مراجع» وليس اقلها شهرة كتاب «السلام والحرب بين الأمم» الذي نشره مؤلفه في عقد الستينيات الماضي ولم تتم ترجمته ـ للأسف ـ الى اللغة العربية رغم أهمية العديد من الاطروحات التي تضمنها من أجل فهم أحداث جرت فيما بعد وكان آرون قد «تحدث» عنها برؤية مستقبلية ثاقبة.. ومن مؤلفات آرون الأخرى «مراحل الفكر السوسيولوجي» و«المتفرج الملتزم» الذي تحدث فيه عن العديد من القضايا العربية.. الخ.
هذا الكتاب الجديد الذي يصدر بعد سنوات من وفاة صاحبه يحتوي على المحاضرات التي كان «ريمون آرون» قد ألقاها على طلبته في جامعة السوربون عام 1962 وعلى مستمعيه عام 1977 وتحدث فيها عن فكر ماركس ولكن ايضا وأساساً عن الدور الذي لعبته الاطروحات الماركسية في تكوينه الفكري. يقول: «انني لست مديناً لتأثير مونتسكيو أو توكفيل الفكري.. ومازالت على الرغم مني أولي أهمية أكثر لفهم اسرار رأس المال (كتاب ماركس الشهير) مما أهتم بكتاب الديمقراطية في اميركا لتوكفيل
لكن بالمقابل لا يتردد ريمون آرون: في أن يؤكد «خيانة» الماركسيين أنفسهم لافكار ماركس. يقول: «اذا قمنا بدراسة للأنظمة التي تقول بانتمائها الى ماركس وخاصة من وجهة نظر اقتصادية من النمط السوفييتي ـ السابق ـ فإنه ينبغي علينا ان نلاحظ بان هذا النمط لا يشكل تطبيقاً للافكار التي قدمها كارل ماركس في كتابه رأس المال؟ وذلك بكل بساطة لكون أن هذا الكتاب لا يحتوي على نظرية على ما ينبغي ان يكون عليه الاقتصاد المخطط ـ اي الاشتراكي.
ان ريمون آرون، كما يشير في اشكال متنوعة، ينتمي الى جيل الثلاثينيات من العقد الماضي.. اي الجيل الذي ما كان له ان يكون حيادياً تجاه «الماركسية» وذلك مهما كانت مواقفه «تأييداً» أو «رفضاً».. من هنا تم وصف «ريمون آرون» و«جان بول سارتر» ـ الفيلسوف الملتزم بانهما «الصديقان اللدودان».. «صداقتهما» قامت على اساس انتمائهما لجيل لعبت فيه افكار ماركس دوراً رئيسيا.. وهما «لدودان» بسبب المواقف المتعارضة التي تبنياها حيال تلك الافكار نفسها.
وكان جيل ريمون آرون «يعيش في اجواء» مشربة بالفكر وبالايديولوجيا الماركسية.. فمناهج التعليم، وخاصة الجامعية المكرسة لدراسة العلوم الاجتماعية، كانت تجد في صاحب «رأس المال» احد نقاط ارتكازها.. وعلى الصعيد السياسي كان الحزب الشيوعي هو احد القوى السياسية الرئيسية وقد برز دوره أكثر تأثراً بعد دوره الكبير في مقاومة الاحتلال الالماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية ولم يكن الموقع المتميز الذي احتله الاتحاد السوفييتي ـ السابق ـ على المسرح الدولي بعيداً عن «حضور» الفكر الماركسي في شتى ميادين الحياة العامة. في المحصلة العامة لم تكن معطيات الواقع آنذاك الا بمثابة «تربة خصبة» لجعل الماركسية بمثابة مسألة اساسية حتى بالنسبة لاولئك الذين يدحضونها، ومن بين هؤلاء «ريمون آرون» مؤلف هذا الكتاب.
وبمقابل «الحضور» الكبير لافكار كارل ماركس منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر ـ هذا ما يتعرض له المؤلف طويلاً في احد دروس بجامعة السوربون في عام 1962 ـ كان هناك نوعاً من «الغياب» الكبير ايضا للفكر «اللبرالي».. ويعترف «ريمون آرون» نفسه بهذا الصدد بانه لم يقرأ توكفيل، الفيلسوف وعالم الاجتماع اللبرالي الكبير إلا في وقت متأخر.. ويبدو انه لم يتعمق أبداً في «معرفته» لاطروحات «ستيوارت ميل» وغيره من منظري اللبرالية الانجلوسكسونيه.
ان «ريمون آرون» يؤكد مراراً وتكراراً في دروسه ومحاضراته التي يحتويها هذا الكتاب على أن تأثره بالفكر «الماركسي» انما قد جاء في موقع «الند». أي الموقع الذي فرض نوعاً من «الحوار» ومن «المعركة» بنفس الوقت. يقول «آرون» بهذا الصدد: «ان اي انسان يمتلك حسا بسيطا عن آليات الابداع الفكري يعرف جيداً بان الانسان الأكثر اهمية بالنسبة لنا هو ذلك الذي كنا قد دخلنا في صراع وفي نقاشات معه. وهذا ما يفسر بشكل ممتاز واقع ان افضل ممثل للفكر اللبرالي الفرنسي، وأحد ممثليه البارزين عالمياً، خلال النصف الثاني من القرن العشرين قد درس بعناية بالغة كارل ماركس. يقول: ليس هناك مؤلف اخر قد قرأت له وشارك في تكويني الفكري أكثر من كارل ماركس.. لكنه هو ايضا ذلك الذي لم اتوقف ابداً عن قول الآراء السيئة حياله.. لقد اهتم «ريمون آرون»، كما يبدو بوضوح في كتاباته، بكل جدية وتركيز بمعرفة ماركس.. ألا يمثل هذا تمشياً مع القاعدة الاستراتيجية المعروفة: «اعرف عدوك».. قد ينبغي التأكيد هنا بان «آرون» قد رأى في ماركس بالأحرى «خصما» وليس عدوا.
ولعل افضل شاهد على «اعجاب» ريمون آرون بماركس جملته التي يقول فيها: «إن المبدأ الذي حاولت تتبعه يحتل سمة قل أن وصل مبدأ آخر إلى مثلها وهو انه يمكن شرحه بإخلاص في خمس دقائق اوخمس ساعات اوخمس سنوات او في نصف قرن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟