الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعش المام جلال الطلباني وعلم كردستان معا

شورش إبراهيم

2017 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



رافقت سقوط كركوك السهل بيد الحشد الشعبي والجيش العراقي , سقطة أخلاقية موازية , أبطالها ,هم المهزومين أنفسهم . "صناع القرار" في السُليمانية . حيثُ كانت كركوك هي وليمة قاسم سليماني الكبيرة ,التي أعدتها أسرة الرئيس العراقي الراحل المام جلال الطلباني له ,والتي لم تُدرك أربيل تفاصيلها إلا متأخرة , بعد سماعها من فووهات بنادق "الحشد الشعبي" و"الجيش العراقي ", وهي تجتاحُ كركوك ,في حضرة بيشمركة الإتحاد الوطني الكردستاني ومباركتهِ .
كأن قدر كركوك أن تُسقط أولاً من السُليمانية !
السقوط من هناك كان وقعهُ أشدُ ألماً من خسارةِ أربيل لكركوك , فقد سبقَ الجيش العراقي والحشد إليها "داعش" , دون أن تُشعر قادة كردستان العراق بكل هذا الإحباط , وتبقيهم وحيدين في هاوية أربيل الكبيرة , فصُناع القرار هناك, يُدركون أن الطريق إلى كركوك أصبح بعد سقوطها بهذا الشكل, سيمرُ حتماً بحربٍ أهلية كبيرة , ستُحرقُ أربيل والسُليمانية معاً , طالما بقيت إيران تطبخ القرار السياسي لساسة السليمانية هناك . فهذا يعني بالمطلق إن بيشمركة الإتحاد الوطني الكردستاني باتوا أقرب إلى خنادق الحشد الشعبي والجيش العراقي , منها إلى خنادق بيشمركة الديمقراطي الكردستاني .

من المثير للإنتباه أيضاً أن تحذير وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون لأطراف الصراع , بضرورة بقاء الوضع على ما هو عليه في المناطق المتنازعة عليها بعد اجتياح كركوك الأخير, وتشديده على عدم حدوث المزيد من الاشتباكات , جاء بمثابة طوق النجاة "للبارزاني" . رغم تعاطي حزبهُ مع التحذيربشكلٍ سلبي إعلامياً , وتسويقهُ بأنهُ يخدم المركز في بغداد على حساب أربيل , في إشارةٍ مبطنةٍ إلى قوة بيشمركة الديمقراطي الكردستاني ,وقدرتها على إلحاق الهزيمة بالحشد الشعبي المدعوم من الحرس الثوري الإيراني والجيش العراقي معاً في كركوك , وتأكيد قدرتها على استعادة زمام الأمور في المناطق المتنازعة عليها مع بغداد مجددا, ما أن يُصدر قائد البيشمركة ‘‘مسعود البارزاني‘‘ أوامره بالتقدم نحوها .

طبعا من المؤكد أن "البارزاني ", الذي ما كان سيقدمُ بأي شكل من الأشكال على محاولة استعادة كركوك, حيث الحشد والجيش العراقي المدعومتنان سياسيا من واشنطون حديثاً , والمتفوقتان عسكرياً على بيشمركة كردستان العراق, في ظل الشقاق بين أربيل والسُليمانية , بالإضافة إلى الأسلحة الأمريكية الثقيلة التي بحوزتها , كان سيخسر سياسيا أكثر بكثير مما خسره إلى الآن , لوبقي يُراقب حرائق كركوك دون التقيد بتحذير تيلرسون الصريح عوضا عن نجدة أبنائها ,الذين دعموه قبل أيام قليلة في استفتاء الاستقلال بأغلبية ساحقة , لذا أصبحت القادة في أربيل تستثمر هذا التصريح , وخيانة صناع قرار تسليم كركوك في السليمانية ,في الاكتفاء بالخسائر العسكرية والتقليل من خسارتهم سياسياً , وهم يُراقبون من على تخومِ كركوك دُخان حرائقها, وهي تبتلعُ شمس استقلال كردستان , وأكباد أكرادها في كركوك , حيثُ شُريانُ حياة دولة كُردستان المنشودة .

هذا الوضع الكارثي الذي حل بإقليم كردستان العراق , جعل من جلوس "البارزاني" على طاولة العبادي ,أقصى ما يمكنه فعله , بعد إن كان يلوح سابقا من بعيد للعبادي بورقة الاستفتاء وخريطة كردستان , وهي تضمُ كافة المناطق المتنازعة عليها مع حكومة بغداد , والتي سيطرت عليها البيشمركة مؤخرا في حربها المدعومة من قبل التحالف الدولي ضد داعش . .

.لذا لم يكن ترحيب أربيل بدعوة العبادي للتفاوض بالشيئ المفاجئ للمراقبين . رغم أنه من المتوقع أن تطيل أربيل موعد الجلوس على طاولة المفاوضات مع بغداد , محاولةً تحقيق انتصارات عسكرية ولو صغيرة في محور مخمور, بعيدا عن كركوك , في محاولة منها لاستعادة شيئ من هيبة بيشمركتها , بالتوازي مع محاولة الحصول على الدعم السياسي الغربي , والسعي وراء تغيير موقف واشنطون المتفرج على الأحداث لدعمها . خاصة بعد تلبية أكراد المهجر والداخل لنداء مسعود البارزاني بشكل كبير في التظاهر دعما لكركوك وأهله , وتنديدا بعودتها لحضن بغداد ,وبالتالي تجنب الجلوس على طاولة العبادي خالية الوفاض, كما هو حال قادة أربيل الآن , خاصة وأن العبادي لا يزال منتشيا بالتفوق العسكري والسياسي , الذي حققهُ في كركوك قبل أيام قليلة , فجلوس "البارزاني" معه في هذا التوقيت يعني انتحارا سياسيا .

فأربيل تُدركُ جيدا أن الانتصارات العسكرية على الأرض ,ستكون أداة التفاوض السلمية المطروحة والأكثر أهمية على طاولة الحوار مع العبادي , في ظل نكبة كركوك , وتقمص أمريكا لشخصية شرطي المرور المنظم لسير دبابات الحشد والجيش العراقي , في المناطق المتنازعة عليها بين الإقليم وبغداد . وباتت على يقين أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إليها كشركة بلاك ووتر مجانية لا أكثر , توفرُ لها ملايين الدولارات التي كانت تصرفها سابقا على الشركات الأمنية العاملة في العراق ,والتي كان حاكم العراق العسكري بريمر يستخدمها إبان سقوط صدام حسين , في الحرب ضد أنصاره آنذاك , فبعد المشاكل القانونية التي طالت مؤسسها إيريك برينس وتحول شركته العالمية إلى قضية رأي عام تُلاحقها المنظمات الحقوقية العالمية في كلِ مكان , سخرت أمريكا بيشمركة إقليم كردستان العراق و الحشد الشعبي بالإضافة للجيش العراقي في الحرب ضد داعش في العراق . وأصبحت تدرك إنها ليست حجر أساس المشروع الأمريكي في المنطقة , كما روج الإعلام العربي والغربي لها على حدٍ سواء, والتي دفعت "البارزاني" إلى الاستعجال في تنظيم الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق . على الأقل في الفترة الراهنة .

وفي ظلِ ابتعاد أمريكا عن المزيد من التوتر مع طهران , استجابة لشركائها الأوربيين , الذين وجهوا النقد لحديث ترامب علانية , عندما انتقد صراحة اتفاق سلفه أوباما ومن خلفه الدول الخمس الدائمة العضوية مع طهران في الملف النووي , وإعلانه عن رغبته في تعديل الاتفاق مع إيران ,على الرغم من أن الاتفاق لا يحمل أي بند يُتيحُ له ذلك . أصبحت خيارات أربيل شحيحة في استعادة هيبة بيشمركتها عسكريا وأمجاد السياسيين فيها, بعدا عن الدور الأمريكي الداعم لها , حيثُ كان "البارزاني" يُستقبل مع علمه كرئيس دولة في العواصم الأوربية , وكانت أربيل أقرب لخُطى القادة في الغرب وتركيا منها إلى بغداد حتى وقتٍ قريب .

ومن فوارق السياسة أيضا, أن نشهد أربيل تستعين بالدب الروسي قريبا , , والمتلهف لإبرام عقود نفطية طويلة الأمد مع أربيل, في ظلِ خياراتها القليلة بعد صدمة كركوك ,ليكتمل مسرح التناقضات السياسية منذُ سقوط المناطق المتنازعة عليها في يد بغداد , في محاولة منها لملئ الفراغ الكبير الذي خلفته أمريكا وراءها , أو ربما يكونُ خيارا آخر لاستعادة أمريكا مجددا ,كونها لن يروق لها تمدد الدب الروسي في شمال العراق كما تفعلُ في سوريا الآن. على الرغم من أن خطة كهذه , قد تكون وقعها كارثيا على حكومة الإقليم , بأن تدفع واشنطون للوقوف بشكل علني في صف بغداد وضد أربيل , وبالتالي سيتسببُ في خسارة جديدة "للبرزاني ", قد تفقدهُ مكانته في أربيل أيضا , إلا إنها تبقى إحدى الخيارات الممكنة بيده , وقد يُراهن عليه قريبا كما راهن على الاستفتاء من قبل .

خسارة "البرزاني" لرهانه الخارجي بالحصول لاحقاً على دعم أمريكا والغرب لمشروعه الاستقلالي , رغم عدم وجود ضمانات له من قبلهم , بل في ظل معارضتهم للاستفتاء علناً , إضافة لخذلانه من قبل "صُناع القرار" في السليمانية , جعلته يُدرك أن نجاحه في لف نعش المام جلال بالعلم الكوردي , لم يكن يعني إنه كان قد كسب ود المنقلبون عليه في السُليمانية , وإن الطريق كان مفروشا أمامه بالورود لإعلان دولته, بل كان المنقلبون يُحضرون آنذاك فخاخ قاسم سُليماني لاصطياد حلم الاستقلال الكردي في كركوك, ليصبح نعش المام جلال ,نعش علم كردستان الأخير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل