الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هلال ...........هلال - رواية - الفصل الحادي عشر

السيد عبد الله سالم

2017 / 10 / 29
الادب والفن


(11)
وصلت الأخبار السعيدة، والمدينة على وشك الانفجار، والرجال في المدينة كلها ومن البادية المحيطة بالمدينة قد اجتمعوا أمام قصر الوالي؛ يريدون رأس العبد الأسود، ومَنْ معه من تجار اليمن، ولكن حكمة الوالي دعته للتأني قليلاً، فما فعله العبد الأسود جرمٌ خطيرٌ سيعاقب عليه، ولكن تجار اليمن ليسوا جميعًا مثل هذا العبد، ولن يؤخذوا بذنبهِ، فأمر رجاله بالقبض على العبد الأسودِ ومحاكمته.
وبينما أهل المدينة ما زالوا في عنادهم، أقبل الحمام بالبشرى، فهدأت نفوس الرجال، وتغيَّرَ حالهم، وتقدَّم أحدهم إلى الوالي، قائلاً:
- فلنترك العبد الأسود لهلال الحمال، فوق بساط المصارعة، ليعاقبه هلال بجرمهِ.
لاقت الفكرة قبولاً لدى جموع الرجال، وراحوا يهتفون:
- العبد الأسود لهلال.
- العبد الأسود لهلال.
تلعثم والي المدينة، فما فعله العبد الأسود مع ياسمين، يستوجب القصاص منهُ، فقد تخطى كل الحدود، وأهان المدينة كلها بجرمه الذي لا يغتفر، فرفض الفكرة، وأصر على القبض عليه، ومحاكمتهِ أمام قاضي القضاة، حتى لا يعود هو أو أمثاله لفعل مثل هذه الأمور المخزية، ولكن إصرار الرجال، وهتافهم المستمر:
- العبد الأسود لهلال.
- العبد الأسود لهلال.
جعل الوالي يتراجع عن قرار المحاكمة، ولكنه أصر على القبض على العبد الأسود وحبسه، فلا يخرج من محبسهِ إلا إلى حلقة المصارعة.
في السجن جُنَّ جنونُ العبد، وزادت حماقاته، فراح يتوعد حرس السجن، ويعتدي عليهم بالسب والقذف، وأكثر من مرَّةٍ حاول الاعتداء عليهم بالضرب، والحرس يضحكون منه، ويسخرون من فعلهِ، ويتوعدونه بهلال على بساط المصارعة، والعبد يزداد غضبًا كلما جاءت سيرة هلال أمامه، ويتوعده بالقتل إذا ما صارعه.
بعد أن وثق الوالي في عودة هلال إلى المدينة في وقتٍ قريبٍ، أراد أن يفي بوعده ويكمل المسابقة التي بدأت في المدينة منذ وقتٍ قصير، فأمر حاجبهُ أن تستمر المنافسة تحت إشرافهِ، وأن يخرج العبد الأسود لملاقاة المصارعين كما كان مخططًا من قبل، وعلى البساط راح العبد يُظهرُ أسوأ ما عنده، ويفتل بالمصارعين بلا رحمة ولا هوادة، متجاهلاً العرف السائد في مثل هذه المباريات.
وصل هلال ومن معه إلى المدينة في ثلاثة أيام، فاستقبله أهلها استقبال القادة الأبطال، وخرج إليهِ والي المدينة ينتظره على طرف المدينة، وحوله القادة والأعيان والتجار من أهل المدينة، فأقبل هلال على يد الوالي يقبلها، ولكن الوالي جذبه من يده وقبله بين عينيه، وهو يقول:
- مصارع الأسود، غدًا يصرع العبد الأسود.
شكر هلال الوالي ومن معه، وأخبرهم أن الأموال والبضائع في الطريق كما أخبرهم والي الكوفة، وانصرف هو وصادق الأعرج، كلٌّ إلى داره.
دفع هلال باب داره، وكانت ياسمين وطفلاها وأم هلال، في انتظاره في فناء الدار، فاندفعوا نحوه في لهفةٍ وفرح، رفع هلال طفليه بين يديهِ، وراح يقبلهما بشغفٍ وحنان، وياسمينُ إلى جوارهِ رغم فرحها، فقد بان عليها الهم والضيق، ترفع عينيها من حين لآخر ناحية هلال، تنظر إليهِ في لهفةٍ واعتذار، فإذا ما قابلت عيناها عينيه، حوَّلت عينيها ناحية الأرض خجلاً وحياءً، كانت تتمنَّى لو أخذها بين أحضانهِ وقبَّل الشَّامةَ التي فوق شفتيها كما عودها، ترك هلال الطفلين، وراح ناحية أم هلال، وانكبَّ فوق يديها تقبيلاً ولثمًا، ودموع عينيه قد ملأت حجرها، فضمَّتهُ لصدرها، فتبلل صدرها بدموع هلال، رفعت أم هلال رأسه بين يديها، ومسحت الدموع من على خديهِ، وقبَّلتهُ فوق جبينه، وهي تهمس:
- ولدي، حبيبي، وحيدي.
- أمي، أمي.
وضع هلال يديه على كتفِ ياسمين، برفق وهوادة، وكأنه يطمئنها، وجلسوا جميعً حول الطعام، وراح هلال يحكي لهم ما حدث له في أرض العراق، وحكى عن ميمون الأصفر، وعصابة وادي الغيلان، التي ملأت الأرض فسادًا، فكان مصير أفرادها جميعا الشنق في سوق المدينة، وراح يخوض في سيرة صديقيه، صادق الأعرج، و سعدون الحطاب، وما فعله صادق الأعرج من أجله، وأنه عرض حياته للخطر من أجل إنقاذه، وأنه لن ينسى فضلهُ أبدًا.
كل هذا وياسمين في حيرتها، لا تدري هل علم هلال بما حدث لها؟، وهل درى بقصة خطفها بمعرفة العبد الأسود؟، حتى انتصف الليل فقاموا جميعًا للنوم، وتوجه هلال وياسمين لغرفتهما، وعلى الفراش تمدد هلال بجوارها، لا يتحدث إليها ولا يعيرها انتباهًا، زاد قلق ياسمين، فرفعت رأسها من على الوسادة، ومالت حتى غدت بنصف جسدها على صدر هلال، وقالت له:
- ما بك يا........؟
لم تكمل كلامها، وانخرطت في بكاءٍ مريرٍ، قطَّعَ قلب هلال، الذي التفت إليها، وجذب جسدها كله فوقه، وتبسم في وجهها، وراح يداعبها كما عوَّدها، يقبِّلُ شامتها، ويعضُّ شفتيها، وطعم الدموع في فمها وفمه قد جعل للقبل طعمًا جديدًا، لم يتعودا عليهِ، فازدادوا في القبل، يقتلون مرارة الأيام الماضية التي عاشوها، بحلاوة الأحضان والقبلات، ورويدًا ذابت الأحزانُ من قلب ياسمين وهي بين أحضان هلال، فجفَّ الدمع في عينيها، وهمَّت تخلع عنها ملابسها، وهلال يساعدها في ذلك، حتى صارت فوقه نصف عارية، فألقى بها إلى جواره، وهمَّ بها وهو فوقها، فذابت ياسمين من تحته نشوانةً باللحظاتِ الحلوة التي استعادت طعمها من جديد.
بعد قليلٍ، كان هلال إلى جوار ياسمين على جانبهِ الأيسرِ، يداعبها، ويخفِّفُ عنها ما مرَّتْ بهِ من تجربةٍ قاسية، وما عانته في غيابهِ من آلام:
- لا تحزني فقد عدتُ إليكِ، وسأرد كرامتك وكرامتي.
- أنا آسفة، فلم أكن أتوقع ما جرى معي.
- أعلم. فقد حكى الرجال لي ما حدث.
- عندما جاءنا الخبر المشئوم عنك.........
- كفاك حديثًا في هذا الأمر.
- العبد الأسود لي، وأنا سأنتقمُ منهُ.
أقبلتْ ياسمين على هلال، وراحت تقبل وجنتيهِ، ورأسهُ، وشفتيه، وانزلقت فوق رقبتهِ وصدرهِ، تلثم كل ما يقابلها من خلايا جسدهِ، وتعبثُ بيديها في كل أماكنهِ الحيوية، تتأوَّه إذا لمست شفتاها خشونة شعرهِن وصلابة عضلاتهِ، وهلال في نشوتهِ، يفتحُ كل مغاليق نفسه، لوردتهِ التي يعشقها بجنون.
- ياسمين...!
ردد اسمها بينه وبين نفسهِ:
- ياسمين، امرأتي أنا.
- ياسمين، امرأتي أنا.
قالها وصورتها وهي طفلةٌ في دروب الحيِّ، تملأ ذاكرتهُ، فتعود ذكريات الماضي تطفو على سطح الوجود، وتغزو كيان هلال، فتجدد في روحهِ مشاعر الهوى، الذي عاشه في صباهِ مع ياسمين.
- ياسمين، امرأتي أنا، ومنْ يقتربُ منها فسوف يلقى عقابه.
هكذا قرر هلال بينه وبين نفسه، فالعبد الأسود الذي تطاول على المدينة كلها، ومدَّ يد الأذى لأهل هلال وناسه، قد جاوز كل الحدود حين حاول النيل من شرف ياسمين وعرضها، واستحق الموتَ لما فعلهُ معها في وضح النهار، وعلى مسمع ومرأى من الناس جميعًا، دون أن يشفع لها عنده دموعها التي ملأت جفونها، وحزنها على زوجها الذي ظنَّت أنه ضاع منها إلى الأبد.
- أيُّ صنفٍ من الرجال أنت أيها العبد الأسود؟ كيف قلبك لا يلين لدموع امرأةٍ تستعطفكَ، لتدعها وحالها مع أحزانها، وما هي فيه من آلام، دموع امرأةٍ ثكلى يا جبان!.
ظلَّ هلالُ حتى اللحظات الأولى من الصباح مستيقظًا يتقلَّبُ فوق الأشواك والجمر، يتحرق شوقًا للقاء العبد الأسود، ليعاقبه على فعلته النكراء، عند الفجر وياسمين على صدره لا زالت نائمةً، راح هو الآخر في غفوةٍ عميقة، بدون رغبةٍ منهُ.
صحت المدينة كلها مبكرًا، على غير عادتها، وشاعت روح التفاؤل بين أهلها، وسادت المودة بين الناس في معاملاتهم مع بعضهم البعض، وكانت شمس آخر الشتاء قد جعلت نفوس أهل المدينة في حالةٍ من الرضا و السكينة، فانعكس ذلك كله على البيوت والشوارع، فبدت المدينة أكثر إشراقًا ونظافةً وجمالا، وبدا ذلك واضحًا في سوق المدينة، فالحوانيت قد فتحت أبوابها من الصباح الباكر، وأما كل حانوتٍ صاحبهُ قد جلس ومعه معاونيه، وأصدقائه يتحدثون ويطيلون الحديث، عن هلال ومعركته مع العبد الأسود، وعصابة وادي الغيلان، وزعيمها ميمون الأصفر، ذلك الصعلوك الذي خدع الدنيا كلها سنينًا طويلة، ونهب أموال المدينة وقتا ما قتل من أهلها، والناس في حديثهم سعداء بمصير ميمون الأصفر وصعاليكه، وتخيلوا أجسادهم تتدلى في سوق الكوفة تنهشُ الطير رؤوسهم ولحوم أجسادهم، جزاء ما أفسدوا في الأرض، والحاج رضوان أمام وكالتهِ سعيدًا بهلال ورجاله، يحكي لمن حوله عنه وعن أمانتهِ وبطولتهِ وشهامتهِ، ويتفاخر بفراستهِ حين اختار هلال الحمَّال ليكون أميرًا لقوافل التجارة، و تحدث عن استحقاق هلال ليكون أمير القوافل في الخلافة كلها، بل ليكون أمير جيوش الخلافة كلها، وتمنَّى لو يصل ذكر هلال إلى سمع الخليفة في دمشق، فيجازيه ما يستحق من مكافأةٍ، وتعيينهِ في المكانة التي تليق بهلال في ديوان الخليفة، والناس حول الحاج رضوان سعداء بما يقول، ويؤمنون على كلامه، بل يتمنون المزيد والمزيد لهلال الحمَّال.
كان اليوم يوم هلال، فصار كأحد أبطال الحكايات التي يرددها السمَّارُ في ليالي سمرهم، وأصبحت سيرتهُ قصيدةً عطرة يتغنَّى بها الرواةُ في كل مجالس المدينة، والجميع في انتظار حاجب الوالي الذي يشرف بنفسهِ على مسابقة المصارعة، لتبدأ أخر جولة في المصارعة بين هلال والعبد الأسود، والجميع يتحرق شوقًا ليروا هلال يطيح بهذا البعد القميء.
وفي سوق المدينة، كان الخدم، يقومون بعملهم على قد وساق، يهيئون البساط في حلقة المصارعة، فقاموا بمد بساط جديد كان أخضر اللون فاقعه، فبدت أرض الحلقة كأنها قطعةٌ من الجنة الخضراء، وزيَّنوا أطرافها بالمفارش الحمراء والسوداء، وعلى جانبي الحلقة، مدَّت البسط الحمراء من القطيفة، والسجاد الفارسي، ووضعت المساند على البسط، ليجلس الكبراء والأعيان، وفي الأركان البعيدة، وضعت المشاعل، وتأكدوا أنها قد مُلأتْ بالزَّيت، وتفنَّن الخدم في زينة المكان، بالأعلامِ والرايات.
وبعد صلاة العصر خرج أهالي المدينة من المساجد متجهين ناحية السوق، وحول حلقة المصارعة يحجزون لأنفسهم وذويهم الأماكن المناسبة، وحرس الوالي حولهم يشرف على كل هذا، والجميع في حركتهم يتوخون النظام والهدوء، فاليوم يوم عرس المدينة كلها، وبدأت مواكب الفرسان من كل البوادي المحيطة بالمدينة تفد إلى السوق ومنه إلى حلقة المصارعة، ينتظرون رؤية هلال هلال، يطلع على الحلقة ليقتص من هذا العبد الأسود الذي ملأ المدينة فسادًا ورعبَا.
صحا هلال على صلاة الظهر، وتوجه بعد أن تناول طعامه إلى حمام السوق، حيث كان ينتظره صديقه صادق الأعرج، وعادا سويًّا إلى دار هلال، وارتدى هلال أحلى ملابسه، فبدا في زينتهِ، كأحد الأمراء يوم عرسهِ، ومشى في دروب المدينة تشيعهُ ابتسامات الناس وتشجعهُ وتطالبهُ بالقصاص من ذاك العبد، حتى وصل إلى حلقة المصارعة بعد العصر بقليل.
بعد العصر أمر الحاجب رجاله بإحضار العبد الأسود من السجن، والذهاب به إلى السوق، ففعلوا ذلك على الفور، ومرَّ العسكر بين دروب المدينة والعبد الأسود بينهم، يتبعهم غلمان المدينة وصبيانها، ينهرون العبد الأسود ويسبونه، ويتوعدونه بهلال، والعبد وقد جُنَّ جنونه يبادل الغلمان سبابهم بسباب، ويتوعدهم بالقتل، كما سيفعل مع هلالهم الحمَّال.
وعندما وصل حاجب الوالي إلى حلقة المصارعة كان كل شيءٍ جاهز للمعركة الكبرى بين هلال والعبد الأسود، والجميع في أماكنهم جالسون، وباقي أهل المدينة واقفين يلتفون حول الحلقة، ينتظرون إشارة الحاجب لبدء المباراة، أشار الحاجب للمنادي أن يبدأ الآن، فتوجه المنادي إلى منتصف الحلقة، وراح يهتف في الناس:
- أمر مولانا الوالي بجائزة كبيرة لمن يفوز في هذه المسابقة، وقد وصل إلى نهاية السباق العبد الأسود ويقاتله اليوم الفارس المغوار، أمير القوافل، مصارع الأسود، هلال الحمال، فليتفضلوا.
أشار المنادي لهلال بالنزول إلى البساط، وترك الجند العبد الأسود وأطلقوه فوق البساط، والناس من حول الحلقة يهتفون:
- هلال مصارع الأسود.
- هلال مصارع الأسود.
زمجر العبد الأسود على البساط غضبًا وحاول الاشتباك مع هلال، قبل بدء المباراة، ولكن هلال ابتعد عنه ونهره المنادي، وعلى البساط بدا هلال الحمَّالُ في نشاطهِ وقسماتهِ، كأحسن ما يكون الرجال، وبدا العبد الأسود أمامه، كالذئب الجائع يبحث عن الدم والموت، على عكس هلال الذي بدا هادئًا متزنًا يتصرف برجولة الأبطال، وشهامة الأمراء، وبسالة الفرسان، شتَّان ما بين العبد الأسود في حركاته المجنونة، وثبات هلال المصارع العاقل.
أعلن المنادي عن بدء المباراة، فهجم العبد الأسود على هلال يريد أن يقبض على رقبته، فمال هلال إلى الجنب بخفتهِ المعهودة، فطاشت يد العبد، وكاد أن يسقط على الأرض، اعتدل هلال وواجه العبد، وهو يبتسم، فاستشاط العبد غيظًا وجمع كل قواه وانحدر كالسيل على جسد هلال، يريد أن يقبض على خصره ليفقده توازنه، ويحمله من على الأرض، فتركه هلال واثقًا من نفسه، فقبض العبد على خصر هلال، يحاول أن يرفعه من على الأرض، ففشل، فأمسك بالحزام الملفوف على خصر هلال، يريد أن يرفعه ولكن بلا فائدة، مال العبد بخصره قليلاً ناحية أقدام هلال، وأمسك بسرواله يحاول أن يطرحه أرضًا، وهلال كالجبل، لا يتزعزع، فهلل الناس حول الحلقة:
- الله أكبر، الله أكبر.
- هلال مصارع الأسود.
- هلال مصارع الأسود.
علا الضجيج والضحك بين الناس حول الحلقة، وبان العبد الأسود على حقيقتهِ أمام هلال، كالحصاة تبغي أن ترفع صخرةً ضخمة، وبدا كالقزم يصارع عملاقًا ضخمًا، فماله عليه من سبيل، أُصيب العبد الأسود بالإحباط، وراح يدور على البساط كالثور الهائج، يسب ويشتم الناس من حوله، ويتوعد هلال بالقتل، فتقدم منه هلال، ومدَّ يديه نحو ذراعي العبد الأسود، فالتقيا في اشتباكٍ بالأيدي، ضغط هلال بكل قوته على أصابع العبد حتى لواها، فصرخ العبد، وهو يشعر أن عظام أصابعه قد تكسَّرتْ، فأفلت نفسه من أمام هلال، الذي طارده وجذبه من الخلفِ، وراح يضغط على مؤخرة رقبتهِ وظهرهِ، والعبد يئن من شدة الألم، فطرحهُ هلال على الأرض بعد أن دكَّ فقرات ظهره وعنقهِ، فوقع العبد على الأرض وسط صياح الناس وهتافهم:
- العبد الأسود لهلال.
- العبد الأسود لهلال.
وقف هلال على رأس العبد، لا يلمسه، حتى يقف على قدميهِ مرَّةً أخرى، ظل العبد على الأرض لا يتحرك، وعيناهُ تجولان بين الواقفين حول البساط، يبحث عن مخرجٍ لهُ من ورطتهِ، فلمح السيف في خصر أحد الحرَّاسِ، فاختمرت الفكرة في رأسه، وقام بطيئًا من على الأرض، حتى صار في مواجهة هلال، وراح يدور حوله، وعيناه على السيف، يريد الاقتراب من الحارس، وفجأة قفز العبد على الحارس واستلَّ السيفَ منه، وتوجه ناحية هلال يريد قتلهُ بالسيف، فعلا الصراف في الحلقة، وارتعد الناس من هول المفاجأة، ولكن هلال تفادى ضربة السيف، وهجم على العبد، وأمسك بساعده، ورفعهُ بعيدًا في الهواء، وراح يضغط بيدٍ على رقبة العبد، وباليد الأخرى على مقبض السيف، ورويدًا جعل هلال رقبة العبد تحت إبطه، يكاد يقطع أنفاسهُ، فسقط السيف على الأرض، تناوله هلال على الفور، بعد أن دفع العبد على الأرض، وصار السيف في يد هلال، والعبد على الأرض، يصارع من أجل التقاط أنفاسه، وتهيَّأ هلال لضرب العبد بالسيف على رقبتهِ، ورفع السيف إلى أعلى، وعيون العبد المخنوق قد جحظت من الرعب، والسيف تحت ضوء المشاعل يلمع كالبرق.
كتم جميع مَنْ بالحلقة أنفاسهم، وانتظروا هلال أن يطيح برقبة العبد، لكن هلال رمى بالسيف بعيدًا خراج البساط، فتناوله الحارس من مقبضهِ، ووضعه في جرابه، واتجه هلال بثبات وقوة، ورفع العبد عن الأرض، ودار به عدة مرَّاتٍ، ثم ألقى بهِ في الهواء، فسقط العبد على ظهرهِ، يعوي كما تعوي الذئاب، لا يقدر على الوقوف، ولا يقدر على الكلام، تركه هلال في مكانه، واتجه نحو حاجب الوالي، وانحنى طاعةً واحترامًا، فنادى المنادي بفوز هلال، فتقدم منه الحاجب، وقبَّلهُ بين عينيهِ، وسلَّمهُ صرة المال مكافأة الوالي للفائز، وانصرف عنه، فتقدم صادق الأعرج من هلال، ليحمله فوق كتفيه وهو يهتف:
- هلال مصارع الأسود.
- هلال مصارع الأسود.


تمت

د. السيد عبد الله سالم
المنوفية – مصر
17 أغسطس 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب