الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبودية الحديثة او ال-ايكي-نو-دو-

قاسم علي فنجان

2017 / 10 / 30
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"أن الرأسمال المولود حديثاً ينزف دماً وقذارة من جميع مسامه, من الرأس حتى اخمص القدمين" كارل ماركس.
ترد تقارير بين الحين والآخر عن وجود تجارة للرقيق في كل انحاء العالم بشكل عام, وبشكل خاص في اوروبا, وهي عودة حثيثة للعمالة الرخيصة. وتكشف هذه التقارير الواردة من منظمات الامم المتحدة المختصة, والتحقيقات الصحفية عبر العالم, تكشف عن ارقام هائلة في اعداد من يعملون في البيوت بصفة خدم, وفي الدعارة, ومن يعملون في مجال الزراعة وصيد الاسماك, وفي البناء, والمناجم, وفي المطاعم وغاسلي سيارات. وتشير بيانات منظمة العمل الدولية, الى ان هناك ما بين 40-20 مليون ضحية حول العالم من يعملون عبيدا. وتقدر قيمة الارباح السنوية لهؤلاء العبيد الجدد بما يتراوح 150 مليار دولار, وتشير التقارير الى ان العبودية الجنسية هي الاكثر ربحاً, اذ انها تدر 36 الف دولار سنويا عن كل مستعبد-ة, وتذكر المنظمة بأن النساء تمثل 66% من ضحايا الاتجار بالبشر, وان 90 مليار دولار من أصل ال 150 مليار دولار من هذه الارباح تأتي من تجارة الجنس. لهذا فأن "تسويق الجنس وتسليعه, يمثل احد الجوانب المميزة لعملية تحويله الى نشاط تجاري" كما تقول احدى الانثربولوجيات.
ومع هذه الارقام فنحن لا نرى "الا قمة جبل الجليد" كما يذكر الجهاز الوطني لمكافحة الجريمة البريطاني في تقرير له, والذي اشار الى ان بريطانيا تعد احدى اكثر الدول الاوروبية التي تنتشر فيها ظاهرة العبودية, حيث تذكر الارقام المقدمة في تقرير الجهاز, بأن هناك ما بين عشرة الاف الى ثلاثة عشر الف حالة عبودية, ويعزى ذلك الى وجود مليون شخص يعيشون في بريطانيا دون اذن, ما يجعلهم اكثر عرضة لأن يكونوا من ضحايا العبودية, وبريطانيا كما هو معروف كانت المنشأ الرئيس للرأسمالية, والتراكم البدائي لراس المال كان -في جزء اساسي منه- عبر تجارة العبيد, فقد ذكر ماركس بان مدينة ليفربول كانت تستخدم لأجل المتاجرة بالعبيد 15 سفينة في عام 1730 , الى ان وصل عدد السفن التي تنقل العبيد في عام 1792 الى 132 سفينة. ويواصل ماركس قوله الى ان ليفربول قد نمت بفضل المتاجرة بالعبيد, وان هذه التجارة هي طريقها للتراكم البدائي.
وحسب مؤشر العبودية العالمي لعام 2014 فأن الهند تعد من اكثر الدول تصديرا للعبودية في العالم, بأكثر من 14 مليون هندي يشتغلون عبيدا. وتذكر الامم المتحدة ومنظماتها المختصة, بأن النزاعات والحروب وتفشي الجهل والامية والامراض والاوضاع الاقتصادية المنهارة في الدول المصدرة للعبيد -فهناك اكثر من ثلاثة ملايين طفل يموت سنويا بسبب الجوع في دول افريقية واسيوية- هذه كلها اسباب كافية لأن تنشأ بيئة خصبة للعبودية, فهجرة الشباب والعوائل مع اطفالهم الى البلدان الاكثر امنا ورفاهية, يجعلهم اكثر عرضة للمتاجرة بهم وحتى بأعضائهم الجسدية.

لكن ما هي العبودية؟
هي نمط من انماط انتاج ما قبل الرأسمالية, تشكلت بانحلال المجتمع المشاعي, الذي كان سائدا في مرحلة ما, فمع تطور بسيط لأساليب الانتاج, ومع الحفاظ على الاسرى لاستغلالهم في العمل والحروب, وبظهور بوادر للتملك لهذه الارض أو لتلك الاداة أو لتلك المجموعة البشرية المسماة "العائلة", او "ذلك الشكل الخاص من الاجتماع "القبيلة" كما يقول ماركس, ظهر نمط جديد للإنتاج هو العبودية, في هذا النمط يصبح اسير الحرب أو ابن العشيرة الذي حل به الخراب مفيدا, فهو ملزم بتقديم نفسه لسيده الجديد أو بالأحرى لمالكه, فلقد اصبح والحال هذه اداة انتاج مملوكة بالكامل للآخر المسيطر, ويصبح بذلك جزء من ثروة السيد المالك, ويستطيع قتله متى شاء ذلك, وان من الادلة على ذلك ما كان يقام في حفلات البوتلاش والتي كان يجري فيها اتلاف لثروات الزعماء, وكانت هناك اداة تشبه الهراوة تسمى "قاتل العبد" كان الهنود الامريكيون يستعملونها في هذه الاحتفالات لقتل العبيد, كجزء من اتلاف الثروة.
أن نفي المشاعة الاولى قد جاء بالعبودية, او ان العبودية جاءت كنافية لمجتمع المشاعة, انها انفصال الانسان الجماعي المشاعي عن مشاعيته وجماعته بتملكه لشيء ما. لكن هذا الانفصال والتملك لم يأت عبر تحولات ميكانيكية والية, بل عبر تفاعلات عنيفة, فسيطرة وتملك انسان لإنسان اخر لم تكن ذلك الخيار السهل للإنسانية,وبتلك السيطرة تبدا علاقات جديدة, هي علاقة السيد بالعبد, وهي علاقة تبعية خالصة, فالعبودية هي اذن النتيجة الطبيعية لحياة المشاعة عند درجة معينة من تطورها.

لمحة تاريخية
"اذا اشترى رجل عبدا أو أمة وأصابه مرض قبل اتمام شهره, فعليه "المشتري" ان يعيده الى بائعه والمشتري يسترجع النقود التي دفعها" مسلة حمورابي القانون رقم278 .
في العراق القديم وفي فجر السلالات الاولى لتكوين دول المدن السومرية "(لكش, اور, الوركاء" في تلك الفترة السحيقة القدم من تاريخ هذه البقعة, كانوا عندما يجلبون الاسرى, يحولوهم الى عبيد, فالأرض كانت تحتاج الى ري صناعي- فلولا تقنية الري لما امكن استيطان الجنوب العراقي- حتى تكون صالحة للزراعة, وقد صاحبت تلك الزراعة البسيطة تربية المواشي,فكانوا بحاجة ماسة لكل يد عاملة,وكانوا يطلقون على هؤلاء العبيد تسمية "الرؤوس" مثل المواشي تماما, وان الانسان هنا يبدا ان يصير سلعة, وقد وجد الأثاريون تسمية قد تكون رسمية آنذاك تطلق على العبيد المملوكين لأصحاب الاراضي اسم الـ"ايكي- نو-دو" أي الشخص الذي لا يرفع بصره امام سيده, او الشخص الاعمى المفقأ العينين, وظيفتهم سحب الماء من القنوات والابار لإرواء المزروعات والحدائق والبساتين, وقد وجد علماء الاثار عبارة تقول "وفقأ عيون اربعة عشر الفا واربعمائة اسير اسرهم الاشوريون" في مسلة شلمناصر الاول, منتصف القرن الثامن قبل تاريخنا الحالي. واذا ما تقدمنا في التاريخ الى الامام, فأن قضية العبودية بدأت تأخذ شكلا قانونيا محددا, وبالأخص عند الملك البابلي حمورابي, من سلالة بابل الاولى, تاريخ 1894-1594 قبل عصرنا الحالي, فالمواد (282-278) من شريعته كانت قد اكدت على شراء العبيد وعلاقتهم بأسيادهم, واذا انتقلنا الى مصر الفرعونية فأن بناء الاهرام هي دليل واضح على مستوى العبودية, فقد ذكر الأثاريون ان عدد من عمل على بناء الهرم الاكبر "خوفو" فقط قد تجاوز المئة الف عامل "عبد", وهؤلاء كانوا يجلبون من المناطق التي تسيطر عليها دول الفراعنة كأسرى حرب, وفي اثينا كان يوجد في سنة 309 قبل تاريخنا الحديث 21 الف مواطن حر, مقابل 400 الف من العبيد, وفي روما كان يوجد في سنة 204 قبل تاريخنا 214 الف مواطن مقابل 20 مليونا من السكان العبيد, وفي عصرنا القريب وفي بدايات المرحلة الرأسمالية,فأن التاريخ يذكر انه ما بين عامي 1510 و1870 كان قد نقل 24 مليون عبد من الساحل الغربي الافريقي, وقد هلك منهم اثناء اصطيادهم أو احتجازهم وخلال نقلهم في السفن, وبسبب الامراض ما يزيد على 6 ملايين عبد, وان الملك شارل كان قد اصدر مرسوما ينص على ان الهنود يكونون ملكا للمستوطنين الاسبان عن طريق الوراثة ايضا, وقد ذكرت روزا لوكسمبورغ كلمة لاحد الاساقفة يقول فيها "اننا مخولون بالقول بان الاسبانيين, عن طريق تعاملهم الوحشي واللاإنساني مع السكان الاصليين- امريكا- ابادوا نحو 12 مليون ما بين رجل وامرأة وطفل".
ان هذه اللمحة التاريخية الموجزة جدا, تعطينا تصورا عن المعاناة الكبيرة التي عاشتها البشرية على مر تاريخها الطويل, هذه المعاناة المستمرة لكن بأشكال مختلفة اخرى, لا تنفك ان تعود, او لنقل بالأحرى بأنها لم تغادر اصلا, فأن العبودية الان بدأت تسجل ارقاما مهولة في عدد من يجبر على العمل بها, وان الاتجار بالبشر صار سمة هذا العصر الرأسمالي المقيت, لقد كتب ماركس مرة يقول بانه "ليس ثمة ما هو اوسع دلالة من نظام سرقة الناس الذي مارسه الهولنديون في سيليب لأجل زيادة عدد العبيد في جزيرة جاوا, ولهذا الغرض كانوا يهيئون خصيصا سراقي بشر", واليوم هذه الممارسات نجدها ونسمع عنها في كل مكان, من اوروبا الشرقية المنهارة اقتصاديا الى اسيا المتخمة بالحروب والنزاعات الى افريقيا المجاعة والامراض الى امريكا اللاتينية المخدرات والعصابات. ان التاريخ دائما ما يعيد نفسه, لان الناس لم تنجز انتقالا حقيقيا تستطيع معه ان تعيش بمساواة وعدالة حقيقية, والانماط التي تعاقبت على البشرية, هي بنفس البؤس والشقاء, فلم تتحلل العبودية بالكامل, لكنها تحولت الى القنانة الاقطاعية, وبعد ذلك الى العمل الماجور في النمط الرأسمالي مع تعديلات على اشكالها, "فلو سئل اقتصادي في العصر القديم: ما هو العامل؟ لكان عليه ان يجيب مقتفيا اثر المنطق المماثل: العامل هو عبد, لان العبد كان العامل في عملية العمل في العصر القديم" ماركس.

عبودية مستمرة
لم تكن الرأسمالية كنمط انتاج هي الاخرى بأفضل حال للإنسانية من سابقاتها, فأن سر التراكم للرأسمال جاء على حساب عبودية البشر في كل مكان, وبشكل خاص من افريقيا ومن امريكا المكتشفة حديثا, ان العمالة الرخيصة التي يبحث عنها الرأسمال, لا يمكن له توفيرها بدون حروب ومجاعات وصراعات ونشر الامراض هنا وهناك, وكل هذه تنتج عبودية, وان الارقام التي تذكرها الامم المتحدة وهيئاتها وباعترافها لم تكن على درجة عالية من الشفافية, وهي "الامم المتحدة" ايضا تفتقد الى احصائيات دقيقة بعدد المستعبدين, فعمال خدمة البيوت ورعاية الاطفال في الدول الغنية, تسجل ارقاما عالية, وهؤلاء يتعرضون لأسوأ معاملة من قبل مشغليهم.
أن هذه نخاسة منتشرة بشكل مؤسف في العالم وخاصة في دول الخليج التي تسجل اعدادا لا تستطيع الا ان تقف امامها مبديا دهشتك, فإذا وقفت في احد مكاتب ما تسمى "مكتب تشغيل" فتستطيع ان ترى النخاسة بشكلها الاولي, فأن الخدم "العبيد" يصطفون, ويأتي المشتري ليعاين البضاعة, ويبدأ بالتفاوض مع مدير المكتب "النخاس" على السعر,حتى تتم عملية البيع. وتشير الاحصائيات المتوفرة من تلك الدول, بأن هناك ما يزيد على المليونين من الخادمات "عبدات" يمارسن الخدمة في المنازل, وهن يتعرضن لكافة انواع الانتهاكات الجنسية وسوء المعاملة.واننا كنا قد ذكرنا انه في أثنيا كان هناك 21 الف مواطن حر مقابل 400 الف من العبيد, وفي دول الخليج فأن هناك 11 مليون عامل-ة "عبد-ة " من بين 33 مليوناً من سكان الخليج.
ان التفاوت الطبقي الصارخ بين البشر قد بلغ مستويات عميقة جدا, فقد اشارت مجلة "فوربس" ان عدد الاثرياء في العالم وصل الى 946 ملياردير من مجموع سكان الكرة الارضية البالغ عددهم سبعة مليارات نسمة, وان هذه الارقام يجب ان تنبأنا بان شيئا ما سيحصل, فأنه من غير الممكن ان يستمر الحال على هذا الوضع, لان الرأسمالية قد بلغت اوجها, ولن تستطيع ان تنتج اي .حلول لأزماتها المتكررة والدورية, فقط المزيد من الموت والخراب((فالإنتاج الرأسمالي لا ينمي التكتيك وتركيب عملية الانتاج الاجتماعية الا عن طريق انه يقوض في الوقت ذاته المصدرين الاثنين لأية ثروة: الارض والعامل)) ماركس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا