الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممكنات التغيير في العراق

خالد صبيح

2017 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



في العراق هناك عملية سياسية، طائفية ومحاصصاتية، بنيت في سياق أساسه ومادته الخام هي، أولا، ممارسات النظام البعثي ومانتج عنها من خراب شامل طال بنية الدولة والمجتمع، والنظام هو أصلا نتاج لبنية مجتمعية وسياسية نسج سماتها واقع العراق المعاصر، لاسيما في عهده الجمهوري. وثانيا، تركيبة قوى المعارضة السياسية العراقية التي تدير البلد الآن، التي هي بدورها نتاج لذات البنية، وانعكاس ورد فعل على واقع النظام، وأيضا لما لها من ارتباطات اقليمية (ايران) أثرت في خياراتها ورهاناتها وتحكمت في توجهاتها. وثالثا، الاحتلال الامريكي وماجلبه معه من ويلات وتقسيمات وخطط عقّدت الوضع المعقد أصلا، وسيّرت البلد في سكة مدمرة يبدو الفكاك منها من المستحيلات.

الواقع العراقي مزري في كل جنباته وتفاصيله، فساد، طائفية، تفكك اجتماعي، انقسام وطني، فوضى إدارية.. الخ. مايعني أن حل جذري لمشاكله، أو بالأحرى إشكالاته، بات أمرا لايحتمل التأخير.

لكن كيف سيتحقق هذا التغيير، وماهي ممكناته؟

أفضل الحلول بالتأكيد هي الغاء العملية السياسية برمتها ووضع بديل وطني يقدم ساسة وحكام وإداريون نزيهون وطنيون قادرون على إدارة هذا التحول، لكن أي عاقل يدرك أن هذا الحل في ظل تركيبة الواقع التي أشرت لها ومآلاته غير ممكن على الأقل في الوقت الراهن. وسيكون العراقيون، وعلم السياسة، ممتنين لمن يأتيهما ببديل وآليات واقعية وعملية قابلة للتنفيذ لتغيير هذا الواقع.

وفي ظل مزاج شعبي يحتشد بمئات الألوف لزيارة الأضرحة وليس لـ (تحطيم قصر الشتاء)، أو الإنتفاض لأخذ زمام الأمر بيده، يبقى أكثر الحلول "شعبية"، وهو غالبا حل ورغبة من يعصف بهم اليأس، هو الحل العسكري على طريقة "قاسم" و "عبدالناصر" و "السيسي"، لكن هذا بدوره حل غير ممكن، فالجيش العراقي الحالي رُكِّبَ بطريقة جعلته تابعا وغير فاعل في الحياة السياسية، وهذا، في الحقيقة، أمر جيد لأن تدخل الجيوش في منطقتنا بالسياسة يترك عادة آثار مؤذية على الأوطان. وعلى العموم إن هذا الحل يأتي عادة فجأة وبلا تمهيدات كثيرة تبشر به، وفي الغالب يأخذ البلد الى دوامة جديدة تعيد فيها إنتاج أزماتها.

إذن ليس أمامنا سوى حل يعتمد على تلك العملية السياسية التي نخاصمها ونريد اختراقها، لأنها، كيفما كان ويكون توصيفها، الممكن العملي والأرضية الوحيدة المتاحة التي يمكن بها ومنها خلخلة بنية الواقع السياسي ومن ثم تغييره.
قد يبدو هذا الحل طوباويا وينطوي على مفارقة، إلا أنه أقرب الحلول العملية القابلة للتحقق.

يكون الحل إذن بـ"إنقلاب" ناعم من داخل العملية السياسية وبأدواتها، يعيد ترتيب عناصر القوة فيها وفي المجتمع، ومادة التغيير تتحقق في بروز سياسي، تصنعه الظروف وليس نسيج نفسه على الطريقة الراديكالية المنقرضة، تكون بيده مفاتيح القوة، كما هو حال رئيس الوزراء الحالي،"حيدر العبادي، على سبيل المثال، يمكنه أن يستثمر مالديه ومامتاح أمامه من عناصر القوة والشرعية ليغير واقع العملية السياسية.

ولهذا بطبيعة الحال شروط وضرورات، وكوابح ومعوقات.

الشرط الأول هو أن يخرج هذا الشخص من عباءة تنظيمه ويتجه في مواقفه نحو أفق وطني، وهذا لايعتمد على استعداده الشخصي وحده وإنما على السياق الذي يجد نفسه فيه، من نجاحات ومحفزات وتحديات، وهذه العوامل من شانها أن تؤثر على متبنياته الفكرية وتنقل وعيه وتولد لديه الاستعداد. مثلا، النجاحات في الميدان العسكري بالقضاء على داعش، ومواجهة أزمة الاستفتاء في إقليم كردستان، تشكلان ارضية جيدة إذا عطفناها على التحفيز الذي تبثه في الحيز السياسي التظاهرات المستمرة المطالبة بالإصلاح في ساحة التحرير، بكتلتها المدنية، يضاف اليها السخط الشعبي على سوء الادارة والفساد والإفقار الذي يتعرض له المواطن، والتي يحمل جسدها الأكبر التيار الصدري رغم شعبويته وخلفيته الثيوقراطية، هذه المؤثرات، ستوفر مجتمعة، أرضية تعين أي سياسي مستعد للتغيير على إدارة مشروعه إذا استند عليها وساندته شعبيا وانتخابيا.

بيد أن هذا سوف لن يمر على طريق معبدة، فالكوابح والمعوقات أكثر من أن تحصى، أهمها موازنة الموقف أمام التحديين الكبيرين والمتعارضين في رؤيتهما ودوافعهما ومشاريعهما على الساحة العراقية، وأعني بهما أمريكا وإيران، وموازنة الموقف بين هاتين القوتين ليس أمرا سهلا، ويتطلب تحقيقه أناة وصبر، وسوف يحتاج بالتاكيد لوقت كي يحدث تحولا نوعيا في البنية السياسية. من ناحية أخرى سيعتمد هذا الجهد بالضرورة على مدى تماسك أرضية الداخل التي يستند إليها صاحب إرادة التغيير، وهذا دونه مصاعب كبيرة، فالقوى السياسية بمطامحها، وانتهازيتها، ومطامعها، وفسادها، وانعدام كفاءتها، وغياب الروح الوطنية لديها.. الخ، قد تغلغل نفوذها وامتدت سيطرتها في تلافيف نسيج الدولة والمجتمع، حد بات سلخها عن بنية الدولة أمر صعب، ويتطلب الكثير من الحزم والجرأة، ولابأس ببعض القوة، لمواجهتهم، لأنهم سيكونون العائق الأصعب في كل عملية التغيير. والبداية ينبغي أن تكون بهم ومنهم، والقضاء عليهم وعلى ممارساتهم هو الكفيل ببناء القاعدة المادية لأسس المواجهة مع الخارج. لأن بناء دولة قوية متماسكة داخليا وحده الكفيل بمواجهة أية مخاطر خارجية.

عملية التغيير التي تفرضها بإلحاح ظروف العراق الآنية، كانت وماتزال وستبقى، إن لم تجد حلا جذريا وواقعيا لها، مهمة شاغرة وبحاجة لمن يتصدى لها ويملأ فراغها. بناءً على ذلك يمكن القول أن خطوات السيد "العبادي" السياسية، والروحية التي يدير بها البلد، بحكم تبوأه لمنصبه التنفيذي المؤثر، توحي أنه المرشح الأوفر حظا للعب هذا الدور؛ فإن أثبت أنه جدير بهذه المهمة الجسيمة، وأخذ البلد نحو البناء والاستقلال والحريات، فله من مواطنيه التأييد والتصفيق له بحماسة، وإن أثبت أنه غير كفء ورجل مَحاور، كما يتصور بعض المراقبين، ويقبل بالمشروع الأمريكي الإسرائيلي للعراق وللمنطقة، ويسعى للانخراط به، فسيأخذ عندها مكانه الذي يليق به وبأمثاله، وهو الانزواء الى جانب حليف الأمس، وخصم اليوم، المالكي، ليلّفهما معا النسيان وتلاحقهما لعنة التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية