الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموبقة الكبرى

علي مرزوك الجنابي

2017 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


إن انتشار الفساد بمختلف اشكاله يؤدي الى خلق أجيال عاطلة لاتنطلق من مبدأ ولا تنتهي لغاية، لا تحقق طموح، ولا تسعى الى الابداع، يكفي أن تحركها الغرائز التي تحرك الحيوان مع قليل أو كثير من المعارف النظرية التي لا تعلو بها همّة ولا يتنضّر بها جبين .. و غالبية الشعب العراقي بفعل آفة الفساد من هذا النسق الهابط.
هذه الافة المدمرة تواجه مختلف المنظمات بغض النظر عن عائديتها، وتؤدي الى نتائج كارثية لكيان المجتمع، واستفلحت هذه الظاهرة في العراق منذ العام 2003 وحتى الوقت الراهن، حيث يقبع العراق في ذيل مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، ليكون من اكثر بلدان العالم انتشارا للفساد، والمتوقع ايضا ان يبقى لفترة اطول وهو ما يشغل المجتمع العراقي والمجتمع الدولي لانحسار فرص التنمية والاستثمار وتقويض شرعية الانجاز للنظام السياسي القائم ، وترك هذا اثار وردود فعل سلبية لدى افراد المجتمع العراقي، وهذا بفعل الاهمال الكبير من قبل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد ومحاسبة ممارسات الفساد الاداري في مختلف قطاعات الدولة، حتى آل الحال الى انتشار هذه الافة المدمرة، التي من المفترض ان نتكاتف جميعنا لمحاربتها.
عاهة الفساد ليست وليدة اليوم، ولا يتفرد بها العراق لوحده فهناك الكثير من الدول المصابة بهذا الداء، لكن في العراق تجاوز الفساد كل حدود المعقول والمتصور، حيث اتخذ الفساد الاداري في المؤسسات العراقية مظاهر عدة على رأسها تسيب العاملين من العمل وتهربهم من تحمل المسوؤلية ، وعدم الالتزام بالدوام الرسمي، والرشوة ، واستغلال النفوذ والوساطة ، والمحسوبية ، والاختلاس وغيرها من الممارسات، وان نسبة كبيرة من مؤسسات الدولة تمارس فيها كل مظاهر الفساد الاداري، حتى آل بنا الحال الى تعطل الكثير من القوانين والتعليمات وانتشرت الفوضى والعشوائية في اشغال الوظائف العامة، وشاعت ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ في المجتمع!، والتقشف الذي حصر في الاونة الخيرة في ميزانية الدولة العراقية التي تركت اثاراً سلبية على الشعب العراقي.
ما السبب؟
• من المعروف ان افضل بيئة مناسبة لتفشي الفساد في أي مجتمع هي حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعراق عاش هذه الحالة بفعل الحروب التي مرت عليه والازمات المتتالية وما تتركه من تدمير عميق في القيم والاخلاق والسلوكيات.
• الافتقار للنزاهة وتحمل المسؤولية من قبل القيادات الادارية الماسكة برقاب المؤسسات العراقية، والبقاء في المنصب الاداري لفترات طويلة يمكن ان يحفز الانحدار في مستوى الفساد الاداري، في قبال غياب الشفافية والمسائلة التي تحاضر وتحد من هذه السلوكيات الفاسدة.
• إن الغالبية العظمى من العاملين بالمؤسسات ليسوا متخصصين في العمل الاداري، ولذلك نجد أن معظم أعمالهم تأخذ طابع الاجتهاد ولا تعتمد على الأسس العلمية والموضوعية وبالنتيجة ينتابها الكثير من الخطأ والقصور.
• تراكمات تأثير الحروب والحصار الاقتصادي والاستبداد والتسلط، والسياسات الفاشلة التي رسخت حالة القبول بالانحرافات في السلوك وعدم استهجانها، وقد مهدت الروابط العشائرية والعرقية والدينية والطائفية التي يعلو الولاء لها على الولاء للوطن، السبيل امام تفشي الفساد لتحقيق المكاسب الشخصية وللمقربين وللمنتمين الى نفس العرق او الدين، او الطائفة.
• أدى اضمحلال الطبقة الوسطى وتراجع دورها الى خلل في تركيبة وتوازن المجتمع العراقي، وتوسع الفجوة بين الاغنياء والفقراء بسبب تدني مستوى معيشة أفراد هذه الطبقة ووصوله الى موقع قريب من خط الفقر، ويشكل الفقر البيئة الحاضنة للعنف والجريمة والفساد.
• تحوّل مؤسسات الدولة الى ملاذ للفاسدين بسبب ضعف آليات الرقابة وعدم فاعليتها، وفاقم الوضع عدم وضوح الصلاحيات والاختصاصات وتداخلها وعدم تحديد المسؤولية، والتأخر في حسم قضايا الفساد، فضلاً عن ضعف دور الاعلام بل انصياع الكثير من المؤسسات الاعلامية لمعظم الفاسدين، وان الاعلام لايقتصر على الكشف عن حالات الفساد فحسب، بل يشمل دوراً مهماً في إحداث التغيير والمساهمة في التنمية الاجتماعية من خلال التأكيد على القيم الاخلاقية والنزاهة.
• المحاصصة والطائفية السياسية وتدخل الكتل والاحزاب السياسية في عمل القضاء والاجهزة الرقابية، وهناك علاقة وثيقة بين الفساد وبين المحاصصة والطائفية السياسية والمحسوبية والمنسوبية التي أصابت مؤسسات الدولة بالترهل والعجز والفشل في الاداء، وغدت الدولة والمجتمع في مواجهة تحدي يعترض سبيل عملية بناء الدولة في العراق.

ما العلاج؟
بكل الوسائل والطرق والسبل وباسرع وقت ممكن يجب مكافحة آفة الفساد، واذا تاخرت المعالجة والاستئصال تصبح هذه الظاهرة مقبولة وغير مرفوضة اجتماعياً وسلوكياً، وبالتالي يصبح معالجتها امراً صعبا وتؤدي الى خسائر مادية كبيرة، لذا يمكن ان نطرح جملة من العلاجات للحد من الفساد الاداري في مؤسسات الدولة ومنها:

• التركيز على البعد الأخلاقي وبناء الإنسان في محاربة الفساد في قطاعات العمل العام والخاص وذلك من خلال التركيز على خلق برامج توعية اجتماعية لبناء سلوكيات ايجابية واخلاقيات سليمة، ويتم ذلك عبر قنوات التنشئة الاجتماعية ومؤسسات الاعلام (صحافة، اذاعة، تلفزيون، مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة للمثقفين...الخ). لتنمية الدور الجماهيري في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها.
• تداول السلطة وتوسيع دائرة الرقابة والمحاسبة من جانب الاجهزة الرقابية، لتحقيق درجة اكبر من الشفافية، وتداول السلطة وعدم التمسك بها والاستبداد بها ومنها هو الحل لمشكلة الفساد وتوارثه.
• تعزيز دور هيئات الرقابة العامة كمراقب الدولة أو دواوين الرقابة المالية والإدارية أو دواوين المظالم، التي تتابع حالات سوء الإدارة في مؤسسات الدولة والتعسف في استخدام السلطة، وعدم الالتزام المالي والإداري، وغياب الشفافية في الإجراءات المتعلقة بممارسة الوظيفة العامة، وكما يقول نجيب محفوظ "عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب".
• التأكيد على تحقيق توازن اقتصادي كبير ورفع المستوى ألمعاشي للمواطن سواء كان موظف ضمن دوائر الدولة أو مواطن عادي للنهوض بالمستوى الاقتصادي للفرد والتركيز بشكل كبير على مبدأ " لا تضع جائع حارس على طعام " .
• تحسين اوضاع صغار وكبار الموظفين في الخدمة المدنية، برفع مستويات الاجور والرواتب وما يتمتعون به من مزايا عينية حتى تصبح تلك الاجور اداة للعيش الكريم، مما يساعد في زيادة درجة حصانة صغار الموظفين وكبارهم في قبال الفساد الاداري
• تفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد على جميع المستويات، كقانون الإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون حرية الوصول إلى المعلومات، وتشديد الأحكام المتعلقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامة في قانون العقوبات .
• إعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات ومنح الحصانة للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها بهدف نقل الصورة واضحة عما تحققه الصحافة من انجازات.
• لابد من استحداث آليات وبشكل دوري على غرار مراصد حقوق الانسان التي تم استحداثها في العديد من الدول خلال السنوات الاخيرة ،اذ ان هناك عناصر رئيسية تشكل جوهر صناعة الفساد الاداري يجب ان يتابعها المرصد ويرصدها بصورة مستمرة.
• اقرار قانون اخلاق المهنة في شتى الوظائف والقطاعات، وتكون الامانة الكفاءة والعدالة الاسس الرئيسية عند اختيار المناصب الادارية.
• يمكن ان يتجلى التأثير المباشر الذي تحدثه الحكومة الالكترونية في الاقتصاد والمجتمع تحسناً في الشفافية واصبحت اداة رئيسية في محاربة الفساد الاداري واذا ماترافقت حلولها مع مجموعة واضحة من الاهداف وساندتها هيئة تشريعية قوية تستطيع الحد من الفساد بعدة وسائل منها جعل القواعد والاجراءات متاحة على الموقع الالكتروني ،وتحديد المسؤول عن كل خدمة ،ومتابعة العمليات وتحديد المسؤول عن الاعمال الخاطئة.

" ان الفساد هو الموبقة الكبرى ... الفاحشة الكبرى التي لا تبني دولة ولا تحقق غايات امة... الخطيئة التي تهلك الشعب... الآفة ...المرض ... العاهة... يجب استئصاله وبتره لانه يسبب العدوى... وحتى نبني دولة ديمقراطية فان اهم عناصر قوتها جودة تعليمها ونزاهة قضائها وحسن اختيار قادتها، والقضاء على الفساد ومحاربته بكل اشكاله ومستوياته"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة