الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعد بلفور بين عين العطف والاحتفال بفخر

سعاد التهامي

2017 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


2 نوفمبر 1917على هامش هذا التاريخ تدون ملاحظات تفوق المتون المرصودة في كتب التاريخ؛ تاريخ رسمت به بريطانيا – كقوة عظمى- التاريخ الحديث في الشرق الأوسط ووضعت الحجر الأول في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، بكلمات لم تتعدى المئة كلمة تشكل في رحم الاستعمار الاستيطاني "إسرائيل، قبل الإعلان الرسمي بقيامها بأحد وثلاثين عام، ليأتي 2 نوفمبر 2017 ليُعلن عن المتمم للمئة الأولى لذكرى وعد بلفور، ويتصدر مشهد رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" في مجلس العموم البريطاني بقولها:
"إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، ونحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر... علينا أيضا فهم الشعور الموجود لدى بعض الناس بسبب وعد بلفور، ونعترف أن هناك مزيدا من العمل يجب القيام به"
لتأخذك ماي لنفس طريق "جيمس أرثر بلفور عندما صاغ قراره؛ فقد نعتت هي شعب فلسطين " ببعض الناس" ورأهم بلفور بأنهم حزمة من "الطوائف غير اليهودية"، وسبق الفخر الذي شعرت به "ماي" النظر بعين العطف من بلفور.
لنقف هنا على أعتاب سؤال: هل كان بلفور يشعر بالعطف حقًا تجاه اليهود؟
برغم من وعده الثابت تاريخيًا لليهود بوطن قومي ونظرته لهم بعين العطف؛ وبرغم من تفسير بعض المؤرخين بأن وعد بلفور كان مدفوع الأجر مسبقًا من قبل اليهود باختراع وايزمن مادة "الأستون" الحارقة أثناء الحرب العالمية الأولى، وذهاب البعض الأخر بأن وعد بلفور ما هو إلا تلبية لحاجة إنسانية لليهود المضطهدين في أوربا، كان ثمة ثابت تاريخي أخر يدحض ما فسره المؤرخون؛ بأن بلفور كان معاديًا لليهود؛ فقد تبنى "قانون الغرباء" وأصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية إلى بريطانيا؛ وعلى أثره تعرض للهجوم في "المؤتمر الصهيوني السابع" عام 1905.
"الصهيونية" الحائرة تبحث عن وطن:-
وقف "بلفور" وجهًا لوجه أمام معضلة لم تعاني منها بريطانيا فحسب بل شاركتها أوروبا أيضًا؛ وهي وجودهم أمام شعب مختار يرفض الاندماج أو الانتماء للحضارة الأوربية، يرى نفسه غريبًا، ضيف مؤقت، حتى يجمع شتاته في بلد واحد، ومن هذا المنطلق ظهر مصطلح "الصهوينية" - في الاجتماع الاول "للمنظمة الصهيونية العالمية" - التي فرضها اليهودعلى قائمة المصطلحات السياسية؛ ومع ذلك ظهر توجه أخر لليهود يخالف الصهيونية بل ويعاديها، وهم "اليهود الاندماجين" الذين انصهروا في المجتمعات التي وجدوا فيها ليصبحوا جزء منها، كانت الصهيونية خطر يهدد أوروبا التي سادها التوجه القومي؛ لذلك اتجهت أوروبا لتوطين اليهود بمشاريع تشابهة مع وعد بلفور وسبقته؛ فقد سعى بونابرت 1799 للخلاص فخاطب اليهود برغبته في استعادت هيكل سليمان، ليأتي عام 1898 ويعول هرتزل – الرئيس الاول للمنظمة الصهيونية العالمية – على ألمانيا التي تربطها صلة وثيقة بالسلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" وتطالبها بمحاولة اقناع السلطان بهجرة اليهود إلى فلسطين، ليصدر السلطان عبد الحميد تشريعاته للحد من سفر اليهود إلى فلسطين، وفي عام 1901 قابل هرتزل وزير الداخلية الروسي "فون بلفية" يطلب منه الحصول على الدعم المادي والمعنوي لتأسيس دولة مستقلة لليهود في فلسطين؛ لتعلن روسيا عن ترحيبها بهذ التوجه، ثم يتحول الرهان اليهودي على بريطانيا، ليتمكن هرتزل من التعرف إلى تشمبرلين وزير المستعمرات البريطاني؛ فلم يلق في جعبته سوى "أوغندا" شرق أفريقيا، -ولم ترد فلسطين من قريب او من بعيد - والتي وافق عليها هرتزل في المؤتمر الصهيوني السادس 1903 وليدافع عن بريطانيا قائلًا: " إن بريطانيا وحدها بين دول الأرض، كانت هي الوحيدة التي اعترفت باليهود أمة قائمة بنفسها ومنفصلة عن غيرها، ووافقت من حيث الفكرة على أن اليهود جديرون بأن يكون لهم وطن ومملكة، هذا اعتراف مهم ينبغي ألا نهدره".
فلسطين من المستحيل إلى الممكن:-
تهيئ المسرح السياسي العالمي لفتح أبواب فلسطين على مصرعيها لليهود؛ أصبح لليهود منظمة صهيونية مرتبة الصف تسعى لأن تكون فلسطين وطن لهم، تداعت الدولة العثمانية وبات مصير أملاكها في يد "أنجلترا وفرنسا" ووفقًا للاتفاق السري بينهم "سايكس – بيكو" حدد كل منهم مناطق نفوذه، وظلت "فلسطين" معلقة المصير؛ فرأت بريطانيا أن تصنع دولة لليهود على عينها تضمن بها مصالحها الاستراتيجية في قناة السويس وتؤمن طريقها إلى الهند، وتقدم حل للمسألة اليهودية؛ بتحويل اليهود إلى مادة استيطانية نافعة توطن خارج أوربا تخدم مصالح الاستعمار الغربي.
كما عملت على مراودت النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة من أجل ضمان وجودها إلى جانب الحلفاء في حربهم ضد ألمانيا، وهنا نشير إلى شهادة حاييم وايزمن في مقابلة جمعت بينه وبين مارك سايكس وأخرى بينه وبين بلفور بهدف جس نبض اليهود والتلويح لهم بوطن قومي في فلسطين قد ترفضه فرنسا، فنصحهم بلفور بالولايات المتحدة هنا أدرك وايزمن المغزى فكان رده قائلًا: "... إن باستطاعتنا أن نفعل شيئًا هناك، فالرئيس الأمريكي يحتفظ بعدد كبير من المستشارين الصهاينة في البيت الأبيض، وبمقدورهم أن يفعلوا الكثير لنا ولكم" فلم يخرج الوعد إلا بعد مراجعة أمريكية وتعديل كان قد أجراه "برانديز" - رئيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة وأحد أكبر الداعمين للحركة الصهيونية - وصديق الرئيس ويلسون، الذي تبنى بدوره وعد بلفور.
عملت الحكومة البريطانية على تسخير صحفها؛ ففي الوقت الذي صدرالإعلان في 2 نوفمبر 1917 لم تنشره الصحف البريطانية إلا في 9 نوفمبر 1917 في نفس العدد الذي حمل أنباء الثورة البلشفيه، وهدفت من وراء ذلك بأن يشكل اليهود ضغطًا على الحكومة الروسية الجديدة من أجل مواصلة حربها ضد ألمانيا.
داخل أروقة مجلس الوزراء يتم اعداد الوعد:-
يهودي ضد الصهيونية تمثل ذلك في مونتاجو – الوزير اليهودي في الحكومة البريطانية الذي رفض توطين اليهود في فلسطين، إلا إنه في النهاية تمكن من التوصل إلى صيغة اتفاق، بشر بها مارك سايكس وايزمن، الذي أدرك منذ اللحظة الأولى، تأثير مونتاجو على صيغة القرار الذي وضع "وطن قومي" بدلًا من "دولة يهودية" لليهود بها حقوق تاريخية، ولم يخلوا القرار من لعبة أكروبات الألفاظ؛ فقد نظر الوعد لعرب فلسطين على أنهم "طوائف غير يهودية" اسقطت عنهم حق تاريخي بكونهم شعبًا ليكمل القرار؛ بأن لهم حقوق مدنية ودينية ولم يتطرق إلى حقوق سياسية.
أما عن المفارقات العجيبة أن وعد بلفور الذي أتى بفلسطين لليهود لم تكن لبريطانيا أي سيادة فعلية عليه، فقد سيطرت بريطانيا على بئر السبع، والشريط الساحلى لقطاع غزة.
هل يستحق الحدث أن تحتفل بريطانيا بمرور 100 عام على إطلاق وعد بلفور؟
كما سبق وأن ذكرنا أن المصلحة الوطنية البريطانية هي ما فرضت على صناع القرار أن يهبوا فلسطين لليهود، على الرغم من تفوق الوجود العربي في فلسطين على حساب الوجود الصهيوني فيها، إلا أن تصريح بلفور قد مهد الطريق أمام إعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948، عزز أيضًا من فكرة الوطن القومي الحاضن للمضطهدين "الهولوكست" التي أدت لنزوح عدد كبير من اليهود الأوربيين إلى فلسطين.
فقد نجح الكيان الصهويني من تأسيس دولته بشكل لم يتخيله حتى مهندسي وعد بلفور ذاتهم، لتبقى إسرائيل واقع على أرض فلسطين بفضل هذا الوعد، دون النظر بعين الاعتبار للشعب الفلسطيني، وفي الأخير يجدر بنا نقل شهادة حاييم وايزمن كما وردت في عام 1918 أثناء زيارة لفلسطين في صحبة أحاد هاعام الذي قال له "... إن هرتزل يتصور فلسطين بلد لا شعب له، وكنت مثله أتخيل إنها مستنقعات ... هنا شعب وحضارة .. وأطفال وبرتقال .. فإذا أخذناها، وطردناهم منها فنحن نرتكب ظلمًا كبيرًا ... ألا ترى ذلك؟"
لم أرد، لكني قلت لنفسي: ".. يجب علي ألا أضعف أبدًا .. لست مسئولًا عن مستقبل هؤلاء الفلسطينيين، فليجدوا مكانًا أخر، أو فليعودوا إلى الصحراء التي جاءوا منها ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -