الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فنون الوحشية عند تنظيم الدولة الإسلامية
خلف علي الخلف
2017 / 11 / 3الارهاب, الحرب والسلام
منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية الكلية على محافظة الرقة [مسقط رأسي] وإعلانها عاصمة أوليّة لـ «دولته» التي تأسست على الوحشية، انتقل التنظيم بممارسة التوحش ضد السكان المحليين والمختطفين الأجانب، إلى مستوى متقدم وغير مسبوق في الحقبة المعاصرة، من استعراض هذه الوحشية في بثٍ مباشر وصل لكافة أنحاء العالم.
وإذا كانت هذه الممارسات التي ترواحت بين القتل الجماعي، الذبح، قطع الرؤوس، حرق الناس أحياءاً، رمي الأشخاص من فوق مبنى عال، إغراق الأحياء...؛ تجد صلة لها في تاريخ العالم، فإن.الإبهار في تقديم هذه الوحشية، كمشهد يبدو جزءاً من فيلم ضخم الإنتاج، يحاول فيه المخرج والكاتب والممثلين إيهام العالم الذي يتابعهم أن هذه المشاهد قريبة من الواقع، هو الإضافة التي قدمها التنظيم للوحشية الموجودة في الممارسات البشرية منذ فجر التاريخ.
قدم التنظيم إيهاماً معكوساً! إنها المرة الأولى على ما أعتقد التي يحاول فيها صانع هذه المشاهد الواقعية إيهام العالم أن هذه سينما، بينما يتوسل صانعو الفنون البصرية التي تقوم على التمثيل، إيهام المشاهد أن مايجسدونه حدث في الواقع أو حدث شيء قريب منه على الأقل!
لم تكن ممارسة الوحشية وبثها مجرد منتج عبثي لوحشية التنظيم، بل كانت الجزء الأبرز من «هويته»، إنها الصورة التي عمل عليها التنظيم بشكل احترافي، لتوصل «رسالته» للعالم: الرعب الواقعي المطلق. أراد التنظيم تقديم هويته المؤسسية كإرهاب مطلق، يرعب من خلالها السكان المحليين والعالم، ويجذب هواة ممارسة الوحشية من أصقاع الدنيا ليتدربوا على ممارستها في مشاهد حية يتابعها العالم أجمع، الذي أخذ وقتاً ليدرك الخديعة التي أوقعه فيها التنظيم. فقد استخدم التنظيم وسائل الإعلام العالمية كافة وبالمجان لإيصال رسالته، والتي تسابقت في البداية على بث هذه المشاهد مع رسالة مرافقة تقول للمشاهد «انظروا وحشية هذا التنظيم التي لا حدود لها!» وهذا بالضبط الهدف الذي أراده التنظيم من ذلك: إظهار القوة، لبث الرعب وتقليص كلفة القتال والتوسع، وتجنيد الأنصار.
هذه الاستراتيجية التي اعتمدها الأب المؤسس أبو مصعب الزرقاوي، بدأت في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واستمرت مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي أطلق نسخة مطورة من هذه العمليات المروعة، حيث قدم من خلالها هويته الواضحة، مضيفاً لها الأسلوب الهوليوودي لجعل هذه الأعمال المروعة تبدو وكأنها فن. إنها فن الوحشية. التي تم تأسيسها استناداً إلى الأفكار أولا ثم انتقلت إلى الممارسات.
هناك كتابان ظهرا في نفس العام على الأرجح (2004)، يشكلان الأساس الفكري والدليل العملي لهذه الممارسات. الأول، المعروف على نطاق واسع باسم «فقه الدم» والمنسوب إلى أبو عبد الله المهاجر، الشخص الأكثر تأثيرا في الزرقاوي ورؤيته، وكذلك قرباً منه، حيث كتبه بطلبٍ منه تحت عنوان «مسائل في فقه الجهاد». وقدم من خلاله المبادئ والأسس الفقهية والتأصيل الديني التي بنى عليها التنظيم وحشيته. إذ أعطى الكتاب الشرعية لجميع ممارسات الزرقاوي المتطرفة ودرسه للملتحقين الجدد بموازاة التدريب على القتال وهو ما سار عليه تنظيم الدولة.
يحتوي الكتاب، على سبيل المثال، فصلا طويلا بعنوان «مشروعية اغتيال المحارب الكافر (2004: 65)». خلص فيه المؤلف إلى أن "قطع رؤوس الكفار عمل محبوب من الله ورسوله". ويناقش الكتاب قضايا أخرى تتعلق بالعمليات الانتحارية وعمليات الاختطاف والتعذيب والاغتيالات وتكتيكات العنف والإرهاب، إضافة لدعوته الجماعات الجهادية إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل! ومن خلال هذا الكتاب، يمكن لأي منظمة إرهابية أن تشرعن وتبرر أي عمل وحشي تقوم به! لأن الكتاب خلق كافة المبررات الفقهية التي تعطي الشرعية الدينية لممارساتها.
أما الكتاب الثاني فهو إدارة التوحش الذي ينسب إلى أبو بكر ناجي. وهذا الكتاب، بالإضافة إلى كونه أضفى الشرعية على الممارسات الوحشية ووفر لها مبررات فقهية، فإن تركيزه الأساسي كان على إسلوب إدارة المناطق التي تعم فيها الفوضى وتنحسر عنها سيطرة النظام الحاكم؛ فتصبح مؤهلة لتأسيس موطئ قدم للجماعة الإرهابية، التي يجب أن تسعى بعد ذلك للتمكن من السيطرة الكلية على المنطقة، وتأسيس قاعدة للدولة الإسلامية التي ينادي بها الجهاديون عموما.
ورغم الفقر المعرفي للكتاب في هذا المجال إلا أنه ركز بوضوح على آليات نشر العمليات الوحشية عبر وسائل الإعلام، وإظهار الشدة، بغرض نشر الرعب في قلوب الأعداء الخارجيين، والخوف بين السكان الخاضعين لحكم المنظمة أو «الدولة الوحشية» في طور التأسيس. كما أنه اعتبر نشر الرعب بالإضافة لوسائل أخرى، إستراتيجية جيدة لجر الولايات المتحدة الأمريكية لقتالها على الأراضي الإسلامية، حيث سيتاح لهم إبهار المسلمين بالعمليات التي تجري ضدها من جهة، ورفع معدلات الغضب من تدخلها من جهة أخرى، مما يشكل حافزاً تجنيدياً للأنصار. كما قدم شرحا تفصيليا للمراحل الثلاث للعملية التي ستنشئ دولة الخلافة؛ حيث تبدأ من شوكة النكاية والإنهاك، التي تليها إدارة التوحش ثم مرحلة شوكة التمكين التي تقوم خلالها الدولة! ومن الواضح أن تنظيم الدولة الإسلامية اتبع الخطوات الوردة في الكتاب بالتفصيل بما فيها إعلان «دولة الخلافة»، وتفنن في إظهار وحشيته التي تابعها العالم بتشويق ممزوج بالغضب، بينما تابع أنصاره والفئات المستهدفة للتجنيد ما يمكن أن نطلق عليه «الوحشية آرت» بانبهارٍ ممزوجٍ بالإعجاب والتقدير، وحفزهم على الالتحاق به لممارسة هذا النوع من الفنون في الواقع.
@alkhalaf
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بعد تحرره من القيود الانتخابية.. هل يعاقب بايدن إسرائيل أم ي
.. بوتين يشيد بشجاعة ترمب ويؤكد أنه مستعد للحوار معه بعد الحديث
.. 12 شرطا صارما.. هكذا يخطط ترامب لأول صفقة كبرى | #غرفة_الأخب
.. ألسنة لهب تضيء سماء بيروت إثر غارات إسرائيلية
.. حزب الله يعلن الاشتباك مع قوة إسرائيلية في مارون الراس ويقصف