الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخلال بالتوازن

فاضل عمر

2017 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



مقدمة لابد منها
كما هو معلوم، ان التوازن في كل شىء هو اساس الاستقرار، ابتدءا من ذرة الهايدروجين الى المجموعة الشمسية و الى الكون. واي اخلال في التوازن لابد ان يؤدي الى حالة من الفوضى، التي لابد ان تؤدي الى حالة اخرى من الاستقرار والا لبقيت الفوضى هي السائدة، و الفوضى هي عملية لاحياتية في اقل تقدير.
كما نعلم، ان ابسط تعريف للفوضى هو؛ عدم الانتظام و التشوّش الكامل. اذن، لابد ان تكون الفوضى حالة مؤقتة و وسطية والا لتم تدمير كل شىء نهائيا وفقدنا التكهن بالمستقبل و صورة الحياة.
اذن، التوازن- مقابل الاخلال بالتوازن و صناعة الفوضى- يساوي و يوازي كل الانظمة و الانماط الموجودة و المتعارف عليها، اي الحياة بشقيها الطبيعي و المجتمعي. هذه لا تشبه الثابت و المتحول (الكائن و الحياة؛ الماء و دورتها؛...)، و لا تشبه الديالكتيك الماركسي وانما هي تدخل متعمد فيهما لخلق الحالة الذرية و من ثم اعادة التجربة او الخلق و بصورة اخرى، سواءاً أكانت مخالفة او مشابهة للصورة الاولى.
ربما اكبر مقاربة لما اقول هي التجربة العلمية المسيطرة عليها من الخارج، اي التجربة الخطرة في بيئة محدودة و محمية. الدولة القوية تؤدي دور العالم في المختبر، في بيئة مسيطرة عليها، تقوم باجراء تجاربها، و مهما كانت النتيجة، هي الفائزة لانها؛ اما توصلت الى نتيجة ايجابية او الغت نتيجة خاطئة.
لكي لا ابتعد عن الموضوع اود ان اقول ان كل الدول و الامم و حتى الشركات الكبرى و الشخصیات العالمیة‌، معرضة للتجربة من قبل القوى العظمى و بالتالی الاستفادة من النتائج المحتملة.
التوازن في كل العلاقات هو سبب و مسبب الاسقرار الاول و الاخير في كل الانظمة الموجودة، فعلى سبيل المثال لولا التوازن بين مكونات جسم الانسان و العمل بين اعضاءه، لايمكن ان يعيش الانسان و سيتحلل الى مكوناته الطبيعية. و اية اخلال في التوازن يؤدي الى المرض في مراحله البدائية، فيضطر الانسان الى اللجؤ الى الطبيب (وفي حالة الدول، تلجأ الدول التي عرّضت لعدم التوازن-المرض- الى الدول العظمى للعلاج و اعادة الاستقرار).
هنا، وفي هذه المرحلة، الاخلال باية توازن بين طرفين من قبل طرف ثالث هو اِمراض الطرفين و اجبارهما طلب العلاج من مسبب المرض نفسه عادة، وذلك لاعادة التوازن الى الميزان المختل من قبله ولكن بصورة غير مباشرة.
طبعا اعادة التوازن يحتاج الى حَكَم و الى آليات العلاج، و هنا ياتي دور حكاية من التراث الغربي حسب ما اتصور، لفهم الصورة على حقيقتها.
حكاية القطتان و القرد الذكي
هنالك قصة توجيهية للاطفال في اللغات الاوربية و مترجمة الى اكثرية اللغات، مفادها انه في سالف الازمان كانت هنالك قطتان تعيشان في بيت احد الفلاحين. وفي احدى الايام، رمى الفلاح قطعة جبنة للقطتان، هرعت القطتان الى الجبنة و قررتا ان تتقاسماها فيما بينهما. لكن عند التقسيم، كانت احدى القطع اكبر من الثانية... فتجادلتا و تناوشتا فيما بينهما للحصول على القطعة الكبرى. عندها ظهر قرد ذكي و سأل عن سبب جدالهما. وعندما علم السبب، قدم خدماته للمصالحة بينهما.
طبعاً رضيت القطتان بالمقترح و قدمتا القطعتين للقرد الذكي لكي يقسمهما بالعدل اي بالتساوي. حضر القرد ميزانا و وضع القطعتين في الميزان، فعلاً، كانت احدى القطعة الكبرى اثقل، فاخذ القطعة الكبيرة و قضم وصلة منها وبلعها و اعاد القطعة للميزان، فاختل الميزان مرة اخرى نحو الطرف الاخر، هنا اعاد القضم على القطعة الاخرى... وهكذا دواليك الى ان بقيت قطعة صغيرة واحدة... فاخذها القرد و قال للقطتين: آسف وهذه القطعة الصغيرة، هي اجرة خدمتي للفصل بينكما.
وبلع اخر ما تبقى من قطعتي الجبن.
نظر القطتان الى بعضهما و ادركا غلطتهما ولكن، بعد فوات الاوان.
ادرجت هذه الحكاية في مقالتي ليس بدافع التهكم او الاساءة ولا حتى للتشبيه، ولكن لتكون مدخلا الى فهم ادق لما يحدث في الشرق الاوسط و مناطق اخرى من العالم، وهو اعادة لسيناريو نفس القصة ولكن على مستوى الدول، ومن قبل ساسة و جنرالات القوى الكبرى و خبراءها. طبعاً يطبقونها على امثالنا، الذين لم يقرأ لهم اباءهم و لا امهاتهم هذه القصة و غيرها، قبل النوم، وان كانوا قد قرأوها، قراوها كقصة و لم يشرحوا المغزى و الحكمة.
ساورد بعض الامثلة الصارخة على التطبيقات العملية لهذه السياسة:
• الحرب العراقية الايرانية: منذ تاسيس دولة العراق على هذه الجغرافية، كانت ايران اقوى منها، وكانت لهم علاقات متميزة مع اكثر من 75% من العراقين؛ الشيعة العرب بسبب المذهب و الكورد بسبب التاريخ و الثقافة المشتركة، لكن لم نسمع او نقرأ ان ايران حاولت احتلال العراق او التدخل في شؤونها الداخلية، ما عدا دعمها للحقوق القومية الكوردية لفترة من الزمن. وهي و في كل الاحوال لم تكن على حساب الارض العربية في العراق. في الجانب العراقي تم تأميم النفط و تم تسليح الجيش العراقي باحدث الاسلحة السوفياتية و اصبحت قوة خطرة على الدول النفطية و خاصة بايديولوجيتها القومية (امة عربية واحدة) وكان لابد من ايجاد منافس لهذه القوة او هذا الاخلال بميزان القوى او تفريغها... فعند اندلاع الثورة الايرانية و حل الجيش الايراني، حدث الاختلال في توازن القوة شرقا بين العراق و ايران فتم توجيه القوة نحو الشرق بدل الجنوب و الغرب؛ هدفي حاملي فكرة (امة عربية واحدة). هذا التوجه الجديد ادّت الى حرب دموية و مدمرة لمدة ثمان سنوات. السؤال هو؛ من اخلّ بالتوازن؟ و من وجه اتجاه الحرب من الغرب و الجنوب الى الشرق؟ و من اشعل فتيل الحرب؟ واخيراً من استفاد من هذا الحرب؟
• بعد الحرب العراقية الايرانية، اصبحت ايران قوة عسكرية كبيرة ذات ايديولوجيا مذهبية و خطرة على الخليج و دول اخرى. هنا تدخل الغرب (طبعا بعد توريط العراق في حرب الكويت و طردها و حصارها) و فرض عقوبات عسكرية و اقتصادية ضد ايران... هذه العقوبات ادت الى تقوية ايران وذلك باعتمادها على نفسها و خلق حالة من عدم التوازن مع السعودية و دول الخليج. ايران تدخلت في لبنان و سوريا و اليمن و العراق الجديد، واصبحت تهيمن على المنافذ البرية و البحرية في الشرق الاوسط او على وشك الهيمنة... هنا على الدول الباقية، ان تتسارع الى اسواق الاسلحة او الجيوش الجاهزة للاستئجار باسم القواعد العسكرية. و هذا ما يحدث؛ شراء مزيد من الاسلحة و الاستعانة بالخبراء و القواعد الاجنبية.
• توحيد اليمنين و ظهور تيار شيعي تحاول استلام السلطة و بدعم ايراني: الوضع اليمني الجديد الى تخويف السعودية من استلام الشيعة الزيدية السلطة اليمنية و وصول الهيمنة الايرانية الى جنوبها و الى مضيق باب المندب. حتما ادت الى تبني السعودية مشروع اعادة الحكومة الشرعية ولو بالقوة... وهذه ادت الى مزيد من الاسلحة و حرب يمنية-يمنية و يمنية- سعودية و حلفائها.
• دولة العراق و حكامها: منذ تأسيس المملكة العراقية (1921) و بعدها الجمهورية (1958-2003) تسلطت اقلية سنية عروبوية على الاكثرية الشيعية و الكوردية في العراق. مما ادى الى ثورات و حروب دائمة و نزيف بشري و اقتصادي دائم داخليا و تنازلات دائمة للخارج، للابقاء على الوضع الموجود وادامته. وعند ظهور حل معقول و مقبول عام 2003-2005، لم يدم الحل ان لم اقل لم يتم تطبيقها و في النهاية تم استبدال هيمنة الاقلية السنية الى هيمنة الاكثرية الشيعية! مما ادت الى حربين مدمرتين مع العرب السنة و حاليا الحرب الثالثة قائمة مع الكورد... ولا اتصور بان الحروب ستنتهي الى ان ينتهي العقلية السائدة.
• دولة سوريا: في اكثر فترات تاريخ سوريا الحديثة، كان نفس الوضع العراقي سائدا ولكن بالعكس، اي تسلّط اقلية شيعية-عروبوية على اكثرية عربية سنية و كوردية و سريانية في سوريا. هذه التجربة في ادارة دولة متعددة الاعراق و الاديان و المذاهب، ادت الى عدم توازن قابل للانفجار في اية لحظة... وهي منفجرة حاليا، ونظرا لتدخل عدة دول في شؤونها و حلولها و لتشابك المصالح فيها، لابد ان يعيد التاريخ نفسه في المستقبل.
هذه بعض النماذج المرئية لعملية الاخلال بالتوازن و اعادة قصة القطتان و القرد الذكي؛ خلق عدم التوازن، مما يؤدي الى خلق مناطق توتر عالية او حروب محلية، عندها يأتي دور القرد الذكي الذي يسارع الى وضع الميزان و محاولة احقاق الحق و ازهاق الباطل، ولكن سرعان ما يتحول الحق الى باطل و الباطل الى حق و هكذا ستتكرر السيناريوهات الجبنوية (من كلمة جبنة) الى ان تنضب آبار النفط او ان نتعلم ان نحتكم الى العقل و المنطق و علاقات الاخوة بدلا عن الاحتكام الى القرود الذكية.
خاتمة شخصية
طبعاً، مع التعارف على فكرة او نظرية الاخلال و علاجها، اردت ان اوجه رسالة الى الكل عامة و الى السيد رئيس وزراء العراق خاصة، ان كانت له السلطة الفعلية في العراق: لقد اعطاك الاقليم قطعتي الجبنة، فقسمهما بانصاف و لاتحاول ان تستمع الى القرود الذكية التي تحوم حولكم، لكي لا تعطي كل الجبن للحكام و ما اكثرهم، هذا اذا لم تكن قد اعطيتهم خلال زياراتك المكوكية في الايام الماضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح