الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون الفرنسيون والأزمة العراقية .. المغامرة الأميركية الكبرى وانعكاساتها

هاشم صالح

2003 / 3 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات






ينقسم المثقفون الفرنسيون الى عدة 
اتجاهات في ما يخص المشكلة العراقية، مثلهم في 
ذلك مثل كل مثقفي العالم. بالطبع يصعب ان 
تجد مثقفا واحدا يدافع عن صدام حسين 
ونظامه، ولكن الكثيرين يهاجمون بوش وصقور 
واشنطن الذين يرغبون في الهيمنة على 
العالم. والكثيرون يتمنون لو ان الأزمة تنفرج 
بدون حرب، كأن يرحل صدام مثلا الى بلد آخر 
ويجنّب شعبه ضربة كبرى ليس بحاجة اليها. 
او كأن تتراجع اميركا عن استخدام اسلوب 
البطش وتقبل بالحل السلمي الذي تقترحه 
فرنسا والمانيا وروسيا.
ويرى بيير هاسنر، وهو مدير بحوث سابق في 
مركز الدراسات والبحوث الدولية، ان 
الملف الاميركي قوي على الرغم من كل 
الانتقادات التي تتعرض لها واشنطن حاليا. فخطر 
الارهاب واضح، وخطر استخدام أسلحة الدمار 
الشامل وارد ايضا، هذا بالاضافة الى 
الطابع الطغياني لنظام صدام في الداخل، 
والطابع المغامر ان لم نقل المتهور له في 
الخارج.
ولكن الملف الاميركي يعاني، بحسب رأي 
هاسنر، من نقيصة او ثغرة كبيرة هي: سكوت 
الادارة عن شارون وعدم تحسّسها للتراجيديا 
الكبرى التي تحصل في فلسطين حاليا. ولولا 
ذلك لكان موقف اميركا أقوى بكثير مما هو 
عليه الآن، ولما كان الرأي العام العربي 
او الاسلامي مجيَّشا ضدها الى مثل هذا 
الحد.
يضاف الى ذلك الطابع الغامض لاستراتيجية 
اميركا في ما يخص مرحلة ما بعد صدام. ويرى 
بعضهم بهذا الصدد ان مرحلة ما بعد الحرب 
سوف تكون أصعب من مرحلة الحرب ذاتها. 
فأميركا لا توضح لنا ما ستفعله بالضبط. هل 
ستقوم باحتلال عسكري طويل الأمد للعراق؟ أم 
هل ستواصل عملياتها الحربية ضد دول 
«محور الشر الأخرى»؟ أم هل ستقوم بقلب بعض 
الانظمة العربية الحالية من اجل تحبيذ 
الديمقراطية وايجاد أنظمة بديلة تقبل بوجود 
اسرائيل وشرعيتها في المنطقة؟ ما الذي 
تريده اميركا بالضبط؟ وهل حقا تستطيع ان 
تنفذ كل ما تريده؟ فليس مؤكدا انها ستربح 
الحرب خلال بضعة ايام كما يتوهم صقور 
البنتاغون. وليس مؤكدا انها ستستطيع اقناع 
القيادات الثقافية والسياسية العربية 
بمشروعية وجود الدولة الاسرائيلية ذات الوجه 
الشاروني القبيح، بل المؤكد هو العكس 
تماما. وحتى لو كانت اميركا قوة عظمى من كل 
النواحي فهناك حدود لامكانياتها.. فهي لا 
تستطيع ان تغتصب الضمائر والعقول!
واما جان بيير شفنمان المعروف بعدائه 
للسياسة الاميركية ولمنطق الحرب فيقول ما 
معناه: ان الدرس الكبير الذي خلّفه لنا 
جاك بيرك هو ان عملية التنمية لا تنفصل عن 
ضرورة احترام خصوصية الشعوب العربية ـ 
الاسلامية وأصالتها، فهذه الشعوب لها 
كرامة، ولا ينبغي ان نهينها اكثر مما ينبغي.
ولكن شفنمان يعتقد أن الحرب حاصلة لا 
محالة. وبالتالي فالسؤال المطروح هو التالي: 
كيف يمكن ان نخفّف من آثارها السلبية بعد 
ان تحصل؟ كيف يمكن ان نصل ما انقطع من 
علاقات بين الغرب والعالم العربي؟ وكيف 
يمكن ان نزيل ركام الحقد والكره الذي سينتج 
عن هذه الحرب المدمرة بالضرورة؟ عن طريق 
إقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة 
الاسرائىلية، ولكن دولة فلسطينية قابلة 
للحياة، لا دويلة. هذا ما يقوله شفنمان مضيفا 
أن الحرب قد تتمخض عن عالم جديد، اكثر 
انسانية واكثر عدالة اذا ما أراد الغرب ذلك. 
فالولايات المتحدة تريد تعديل موازين 
القوى في الشرق الاوسط كله بواسطة هذه 
الحرب. ولكن اذا ما غيرتها فقط لمصلحة 
اسرائيل واحتقرت مشاعر العرب في ما يخص هذه 
القضية المقدسة بالنسبة لوعيهم الجماعي 
فانها سوف تفشل حتما حتى ولو نجحت مؤقتا.
ولكن ليس الشرق الاوسط هو وحده الذي 
سيتغير بعد هذه الحرب وانما ايضا العلاقات 
الدولية بأسرها، وبخاصة العلاقة بين 
اميركا واوروبا. وبالتالي فرهان ما سيحصل في 
الاسابيع القادمة ضخم فعلا ولا يمكن ان 
يتجاهله أحد.
في رأي شفنمان ان اوروبا مدعوة لانقاذ 
اميركا من ذاتها، من غرورها، من دوخة القوة 
والعظمة والجبروت. ينبغي ان تنقذها من 
تطرف صقور واشنطن وان تعيدها الى تاريخها 
الذهبي، حيث كانت أمة مثالية تعمل من أجل 
الحرية والديمقراطية. وكان ذلك في عهد 
الآباء المؤسسين الكبار، في عهد جورج 
واشنطن، وابراهيم لنكولن.. واذا ما اتفقت 
اوروبا واميركا على مشروع مشترك من أجل تقدم 
البشرية فانهما تستطيعان ان تفعلا 
المعجزات. فأوروبا في رأي الوزير الفرنسي 
السابق، هي مهد القيم الحضارية التي ترسخت على 
مدار القرون. ويذكر في طليعتها قيم: 
المساواة، والعلمنة، والتسامح الديني. وهي 
القيم الوحيدة القادرة، في رأيه، على 
تحقيق السلام والوئام في منطقة الشرق الاوسط، 
وبالتالي في العالم ككل.
ولكن الشيء الذي ينساه شفنمان هو ان هذه 
القيم لا تُصدَّر تصديرا كالسلع المادية 
او الاستهلاكية، وانما يلزمها وقت طويل 
لكي تترسخ في مجتمع ما. واكبر دليل على 
ذلك تجربة اوروبا ذاتها. يضاف الى ذلك انه 
لا يمكن ان تنجح او تنتشر في منطقة الشرق 
الاوسط قبل حلّ القضية الفلسطينية. فالشعب 
الفلسطيني يستصرخ شعوب الارض كلها، 
وبخاصة شعوب الغرب، مطالبا بالعدالة 
والحرية، ونهاية الاحتلال والاستيطان. ولا من 
سميع او مجيب حتى الآن.
وينبغي ان يعلم مثقفو الغرب وقادته 
السياسيون ان الاصولية المتطرفة لن تتراجع في 
المنطقة قبل حل قضية فلسطين. وحتى لو 
كانت الضربة الاميركية المقبلة قوية جدا، 
وحتى لو زلزلت المنطقة من أساسها وغيّرت كل 
معادلاتها ومعطياتها، فانها لن تستطيع 
ان تُنسي الناس قضية فلسطين. فبعد انتهاء 
الحرب سوف تعود قضية فلسطين الى الساحة 
لكي تطرح نفسها على الجميع من جديد. 
وبالتالي فإن اميركا واهمة اذ تعتقد بإمكانية 
ضرب عصفورين بحجر واحد: القضاء على بن 
لادن والاصولية وصدام، وترك شارون يسرح 
ويمرح في فلسطين! هنا، في هذه النقطة بالذات، 
يكمن مقتل الاستراتيجية الاميركية 
الكبرى. والا فإن لهذه الاستراتيجية بعض 
الوجاهة وبعض المبررات التي لا يستهان بها. 
وحركة التاريخ تمشي في اتجاهها بدون أدنى 
شك.
بقيت نقطة اخيرة لا بد من طرحها. 
المثقفون الغربيون دائما يعيبون علينا اننا لا 
نفعل شيئا يذكر لمحاربة الاصولية والتعصب 
الديني وتهيئة المناخ العام لانتصار 
القيم الديمقراطية الحديثة في مجتمعاتنا. 
ثم ينتقدون جمودنا الفكري وعدم وجود الروح 
النقدية عندنا. ويركز المثقفون 
الاميركان والاوروبيون على مسألة التعليم الديني 
وانه يخرّج المتطرفين بشكل طبيعي وشبه 
اجباري. ويطالبون بتعديله، او تجديده، او 
تغييره.
انهم يحشروننا في الزاوية في ما يخص هذه 
النقطة، بقدر ما نحشرهم في الزاوية في ما 
يخص قضية فلسطين ونكبتها. ولا يمكننا ان 
نتجاهل انتقاداتهم الا اذا أردنا ان 
نكابر او نعاند.. فالواقع اننا نعاني من أزمة 
رهيبة في ما يخص هذه المسألة: مسألة تجديد 
الفكر الديني او تجديد فهمنا للدين 
وعلاقته بالمجتمع، والسياسة، وحرية الوعي 
والضمير، او عدم حريته... الخ. هذه قضايا ما 
عاد بإمكاننا ان نتجاهلها بعد الآن. ومن 
المؤكد انها سوف تشغلنا طيلة العقود 
المقبلة من السنين. فبناء على حلها سوف تحسم 
قضية الحرية، والديمقراطية، ومسألة 
المواطنية، والمشروعية السياسية، وتوحيد 
الشعب داخل المجتمع الواحد على أسس جديدة 
تتجاوز الانقسامات الطائفية والمذهبية. 
يضاف الى ذلك ان اندماجنا في الحداثة 
الكونية والمجتمع الدولي مشروط بحلّ مسألة 
الاصولية. هذا الشيء اصبح واضحا الآن بعد كل 
ما حصل.
ولكن السؤال الذي نريد ان نطرحه على 
المثقفين الغربيين سواء أكانوا اوروبيين او 
اميركان هو التالي: كم من الوقت لزمكم حتى 
استطعتم حلّ مشكلة الاصولية المسيحية 
والتعصب الديني او الانغلاق الفكري في 
بلدانكم؟ هذه مسألة مفصلية او هيكلية ضخمة 
لا تُحَلّ بين عشية وضحاها. ويخيَّل اليّ 
احيانا ان مطلبكم تعجيزي اذ لا تأخذون 
بعين الاعتبار مسألة الزمن. فنحن بحاجة، 
ايها السادة، الى بعض الوقت لكي نستطيع ان 
نحلّ هذه المشكلة العويصة التي استغرق 
حلّها عندكم مائتي سنة! نحن لا نطالب بمائتي 
سنة بالطبع، فهذا جنون! ولكن يحق لنا ان 
نطالب بعشرين او ثلاثين سنة على الأقل.. 
وإذن: فعلى مهلكم، خذونا بعفوكم قليلا..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي