الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود الحرية

عقيل عيدان

2006 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


صدرت قبل أكثر من عقد الترجمة العربية لكتاب صغير ومكثّف هو(( حدود الحرية )) للمفكر البريطاني ايزايا برلين نقلته إلى العربية جمانا طالب وصدر عن دار الساقي 1992م.
يعرض "برلين" المولود في ليتونيا سنة 1909م في الكتاب مفهومين أساسين للحرية؛ "الحرية الإيجابية" و "الحرية السلبية" ، كما يعرض ويفصّل مختلف الحدود والأُطر الخاصة بالحرية الفردية في تقاطعها مع الحرية المنشودة للمجتمع بعامة، وأهم ما دار من جدل حول ذلك. ولأن الكتاب - مثل كل عمل فلسفي - عَصَي على العرض الصحافي المحكوم بحيز محدود، أؤثر في هذه المقالة أن أورد مقتطفات دالة عن أفكار المؤلف الواردة في الكتاب.
((يقال عادة إني حر وفق الدرجة التي لا تسمح بتدخل أي فرد أو جماعة في نشاطي وعملي . والحرية السياسية بهذا المفهوم تعني ببساطة: المجال الذي يستطيع أن يعمل فيه الفرد من غير عائق أو قيد يفرضه عليه الآخرون)) (ص12).
((إفترض دعاة الحرية مثل " لوك " و "ميل" في انجلترا و"كونستانت" و"توكفي" في فرنسا، ضرورة وجود حد أدنى من المجال الذي يستطيع الفرد فيه التمتع بحريته الشخصية دون أن تُنتهك لأي سبب من الأسباب، وإلاّ فسيجد الفرد نفسه في مجال ضيق لا يسمح حتى بالحد الأدنى من تطوير قدراته الطبيعية . وهذا وحده يقف حائلاً دون مواصلة البحث عن الغايات المختلفة، التي هي بالنسبة إلى الفرد مهمة وعادلة وصالحة ومقدسة أو إدراك هذه الغايات)) (ص14).
((إن ما يقلق ضمائر الليبراليين الغربيين ليس، على ما أظن، الاعتقاد بأن الحرية التي ينشدها الناس تختلف وفقاً لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، بل إن الأقلية التي تتمتع بها حصلت عليها باستغلال الأكثرية الساحقة التي لا تملكها أو على الأقل بتجاوزها))(ص15).
((أستطيع القول كما قال الناقد الروسي "بيلينسكي"، بأنه لو حُرم الآخرون من الحرية، وإذا بقى إخوتي مقيدين وفي حالة فقر وفساد، فلا أريد الحرية لنفسي، أرفضها رفضاً باتاً، مفضلاً مقاسمة إخوتي قَدَرَهُم إلى ما لا نهاية. ولكن لا فائدة من اختلاط المصطلحات والكلمات، ومن أجل تفادي اللامساواة والتعاسة فإنني على استعداد للتضحية بحريتي أو بجزء منها من أجل العدالة والمساواة، وبسبب حبي لرفاقي وأبناء جنسي . وعليّ أن أشعر بالذنب وعذاب الضمير، لو أني لا أبدى استعداداً لهذه التضحية إذا ما استوجب ذلك))(ص15).
((النزاع حول إيقاف السلطة عند حدّها، يبقى كما هو دائماً من حيث الجوهر. فعلينا أن نحافظ على الحد الأدنى من المجال الذي يتمتع فيه الفرد بحريته الشخصية، إذا أردنا أن نمنع إذلال طبيعتنا أو نكرانها . إذ ليس باستطاعتنا أن نكون أحراراً بشكل كامل وتام، وعلينا في الوقت نفسه التضحية بشيء من حريتنا من أجل الحفاظ على ما تبقى لنا. إن الاستسلام الذاتي التام هو انهزام ذاتي. ماذا يجب إذن أن يكون عليه الحد الأدنى من الحرية؟ الجواب هو: ما لا يستطيع الفرد التخلي عنه، من غير أن يسيء إلى جوهر الطبيعة البشرية))(ص17).
((إن تهديد الفرد بالاضطهاد إلاّ إذا رضخ لحياة لا حق له فيها في اختيار أهدافه، وليس فيها إلاّ منفذ واحد مهما كان وراء هذا المنفذ من أشياء مرتقبة واحتمالات ربح ونجاح، ومهما كان الهدف من هذا التحديد نبيلاً، هو خطيئة بحق إنسانيته وحقه في حياة يعيشها بالأسلوب الذي يرغب))(ص18).
((إن المفهوم "الإيجابي" لكلمة "حرية" مشتق من رغبة الفرد في أن يكون سيد نفسه. فأنا أرغب في الاعتماد على نفسي، في الحياة وفي اتخاذ القرارات وليس على قوى خارجية من أي نوع كانت، وأرغب أن أكون أداة نفسي وليس أداة يحددها آخرون ويتحكَّمون فيها، أرغب في أن أكون الفاعل وليس من يقع عليه تأثير الفعل، وأن أسير بموجب غايات وأهداف شخصية واعية، لا أن أتحرك بموجب غايات تُفرض عليّ، أرغب أن أكون صاحب شأن وليس نكرة عديمة الشأن والقيمة، أن أقرر بنفسي ما أرغب القيام به، لا أن أعمل ما يُملى عليّ، أن أكون موجِّهاً (بكسر الجيم) لا موجَّهاً(بفتح الجيم) من قِبَل آخرين، وكأنني شيء أو حيوان أو عَبْد ليس في استطاعته القيام بدور إنساني يدرك أهدافه ويفكر فيها ويختار أساليب ومناهج شخصية يرغب في تحقيقها))(ص23).
((إن الفرد كما يشير "روسو" يكون حراً عندما يرغب فيما يستطيع القيام به، ويعمل ما يرغب فيه))(ص34).
((إن الطريقة الوحيدة لاكتساب الحرية، كما يُقال لنا، هي استخدام المنطق النقدي، أي فهم ما هو ضروري وما هو محتمل))(ص37).
((على الذين يؤمنون بالحرية كتوجيه ذاتي عقلاني، أن يفكروا عاجلاً أم آجلاً في كيفية استخدامها لا في حياة الفرد الخاصة وحسب، بل في علاقته مع أفراد مجتمعه الآخرين أيضاً (...) فكيف يمكن تلافي التصادم مع رغبات الآخرين في هذه الحال؟ أين تقع الحدود الفاصلة بين حقوقي (التي يحددها المنطق) وحقوق الآخرين المشابهة لحقوقي؟))(ص43).
((خلاصة ما تعنيه الحرية بمفهوميها "السلبي" و"الإيجابي"، هو صد كل تطفّل واستبداد مهما كان شكله أن نوعه، سواء كان أشياءً أو أفراداًَ ينتهكون حرمة ممتلكاتي ويفرضون عليّ سلطتهم أو يتسبَّبون في خلق مخاوف وهواجس واضطرابات عصبية. غير أن الرغبة في أن أكون موضع اهتمام وتقدير الآخرين شيء مختلف تماماً: فهي تعني الرغبة في الاتحاد والتفاهم والتواصل الودِّي والتوافق في المنافع والتضحية المتبادلة ، إن الخلط بين الرغبة في الحرية والتَّوق العميق إلى التفاهم بين الأفراد وإلى المكانة الاجتماعية، وكذلك الخلط الذي جعل هذه الرغبة مشابهة لفكرة التوجيه الاجتماعي الذاتي حيث لا يكون تحرير الفرد وفقها قضية شخصية، بل قضية مجتمع بكامله، جَعَلاَ الأفراد وهم يخضعون لسلطة ديكتاتورية أو"أوليغاركية " يدَّعون أنهم أحرار))(ص59).

باحث وكاتب ، من الكويت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار