الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة اليسار المصري، فتش عن الدولة الناصرية

سامر سليمان

2006 / 2 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مصر بها الكثير من الفقراء، بعض الشرائح الوسطى، وقليل من الأغنياء. وهذه الفئات ليست مفصولة عن بعضها البعض بالقدر الذي يكفي لكي لا تعي كل فئة التفاوتات بينها وبين الفئات الأخرى. رغم هذا ليس هناك يسار يكافئ في الحجم والتأثير تلك التفاوتات التي يعتبرها علم الاجتماع السياسي التربة الخصبة لنمو حركات التغيير الاجتماعي. لماذا لم يفرز الواقع المصري يساراً جديداً. لماذا استوعب اليسار في أمريكا اللاتينية صدمة سقوط "الشيوعية" في أوروبا الشرقية والعالم الثالث، بينما لا يزال اليسار المصري غارقاً في الأزمة؟ هل بسبب سيطرة الحس الديني على المصريين؟ ماذا إذن عن أمريكا اللاتينية، معقل الكاثوليكية في العالم اليوم والتي أنتجت ذلك اليسار الذي يحصد حكم دولة تلو الأخرى. فانتشار التدين لا يعوق اليسار، بل هو يتفاعل معه، وقد ينتج حركات يسارية دينية مثل لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية أو الجناح اليساري الإسلامي الذي شارك في الثورة الإيرانية، التي أسفرت تفاعلاتها فيما بعد عن سيطرة التيار المحافظ على النظام الثوري.
لم تنتج مصر يساراً قوياً، ديني كان أم علماني. تحدثنا في مرة سابقة عن دور الصهيونية وتأسيس دولة إسرائيل، كما عن دور النفط. لكن المسألة لها علاقة أيضاً بالتاريخ السياسي الحديث لمصر. فبوصول الضباط الأحرار إلى السلطة عام 1952، ثم انتصار الميل الاستبدادي (ناصر) على الميل الليبرالي/اليساري (نجيب، محي الدين) اضطر اليسار أن يغوص في السرية، سرية تفوق في درجتها تلك التي كان يعيش فيها قبل 1952، هرباً من قمع البوليس السياسي. فشرطة عبد الناصر كانت أقل رحمة تجاه المعارضين من شرطة الملكية والاحتلال. لكن الحقيقة أن ما أجهز على اليسار كتيار معارض مستقل، كان تبني النظام الناصري سياسة معادية للاستعمار في الخارج، ومضادة للإقطاع والرأسمالية في الداخل. فهو بهذا قد صادر جزء هام من برنامج اليسار، حتى لو كان قد طبقه بطريقته الخاصة. هذا ما يفسر أن الكثيرين من هذا التيار التحقوا بالنظام عن قناعة بأنه يندفع في الاتجاه الصحيح، حتى ولو كان له انحرافات هنا أو هناك، فالوقت كفيل بتقويم هذه الأخطاء.
لقد رحل عبد الناصر ورحلت معه أشياء كثيرة، لكن بقي من "تراثه" ما يكفي لتقزيم اليسار في الثلاثة عقود الأخيرة، نقصد سيطرة النظام على الحركة العمالية، التي تشكل الأرضية التي يمكن أن تنشط عليها السياسة اليسارية. كان اليسار حتى أوائل الخمسينات حاضراً بقوة في نقابات العمال، وظهر له فيها قيادات تاريخية مثل طه سعد عثمان ومحمود العسكري. لكن هذا التواجد انحسر تدريجياً بسبب توحيد العمال في تنظيم وحيد تسيطر عليه الدولة، ليس فقط بواسطة العنف (الذي بدأ بإعدام قيادات عمالية، خميس والبقري) ولكن أيضاً بمنح الحقوق كما بالتوسع في التوظيف الحكومي. هكذا ساد في النقابات اتجاه محافظ قابل بسيطرة الدولة، بل ورافض في بعض الأحيان للاستقلال عنها. لكن الظروف الآن تتغير، فالدولة نفسها ابتعدت عن العمال، والنظام يميل بقوة حالياً إلى البحث عن قاعدة اجتماعية في الطبقة الرأسمالية والشرائح الوسطى العليا، والجسم الأكبر للطبقة العاملة الآن يعمل في القطاع الخاص، وهو غير معني بالارتباط بالدولة لأنه لم يأخذ منها شيئاً من الأصل تقريباً.
بغروب الدولة الرعوية وبأفول القطاع العام ينفتح الطريق أمام ظهور حركة عمالية مستقلة عن الدولة، غير معنية بالحفاظ على "مكتسبات قديمة" ليس لها فيها الكثير، ولكن بانتزاع مكاسب جديدة. أي حركة عمالية لا تنظر بحنين إلى "ماضي جميل" ولكن تتطلع إلى مستقبل حافل بالتحديات. بهذا المعنى هناك وظيفة سياسية شاغرة في مصر. فالعمال يتطلعون بقلق للمستقبل دون أن يكون لهم أي تمثيل سياسي. هكذا تظل السياسية في مصر مأزومة، فهي محصورة في نخبة النخبة. هذا ما يفسر ضعف الحركة الديمقراطية في مصر حتى هذه اللحظة. فنماذج التحول الديمقراطي التي شهدها العالم الثالث في السنوات الأخيرة (أمريكا اللاتينية وجنوب شرق أسيا) كان للعمال دوراً محورياً فيها. الحياة السياسية المصرية تفتقد لتيار يستطيع الدفع بالعمال إلى السياسة. بهذا المعنى هناك وظيفة سياسية شاغرة في مصر، وظيفة يسار. لكن المشكلة أن هذه الوظيفة لا تحظى بشرعية قانونية، لأن قانون الأحزاب يحرم قيام أحزاب على أساس اجتماعي/طبقي، وهو قانون عبثي يخنق السياسة في مصر، لأنه إذا لم تتأسس الأحزاب على أرضية اجتماعية فعلى أي شيء تقوم؟ والغريب أنه في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات للقبول بأحزاب دينية أو "ذات مرجعية دينية" ننسى في معظم الأحيان حق الفئات الاجتماعية في الدفاع عن مصالحها المشروعة بشكل سلمي من خلال أحزاب سياسية. لن تقوم للسياسة قائمة في مصر إلا إذا ظهرت إلى الوجود أحزاب عمالية وأخرى رأسمالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة