الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق مأزوم (1)

علي مرزوك الجنابي

2017 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


عراق مأزوم (1)
الكاتب: علي مرزوك الجنابي

منذ احتلال العراق وتغيير نظامه السياسي بعد العام 2003، وربما قبل ذلك، وتركيبة المجتمع والبناء الثقافي يزداد تصدعا وتفككاً، ومستويات التقدم والتطور تسجل تراجعاً ملحوظاً، اضافة الى تدني الوعي المجتمعي، والاهم تأزم الوعي السياسي، لكن ما السبب؟، هل الخلل بالمنظومة القيمية للمجتمع؟، ام في تراجع الخدمات الانسانية؟ ام في انتشار مظاهر الفساد والانحراف السلوكي الذي جر الى العنف وانعدام الشفافية؟ هل العراق في ازمة، ام هو في محنة؟
اذا اردنا ان نعمل على بناء مجتمع حديث حامل للثقافة والوعي والتنمية والتطور ويفخر بذاكرة تأريخية وبتراث نفيس...الخ، ينبغي ان يبنى من مجموعة النظم والمؤسسات المساندة والمتفاعلة فيما بينها، والتي ترسم هوية ذلك المجتمع، خارج اطار التمذهب الديني، والقبلية والطائفي والعشائري... الخ، ولا يختلف اثنان في ان العراق يعاني من أزمة هوية تعود بجذورها إلى تأسيس الدولة العراقية (1921) ، فغياب الدولة الممثلة لهوية عراقية واضحة وأصيلة، تمثل في داخلها جميع التنوعات العرقية والدينية والمذهبية، يعود إلى كون الدولة العراقية الحديثة لم تعبر عن واقع البلد ولا عن تركيبته الاجتماعية المتنوعة.
حيث ظهرت أول بوادر أزمة الهوية بصدور قانون الجنسية العراقية رقم (42) لسنة 1924 (الجنسية : هي الشكل القانوني للهوية)، إذ ميز هذا القانون بين العراقيين الذين يحملون الجنسية العثمانية قبل عام 1924، وأولئك الذين يحملون الجنسية الإيرانية، لذلك أوجد هذا القانون شرخا اجتماعيا واغترابا في هوية العراقيين منذ تأسيس الدولة إلى انهيارها عام 2003.
هنالك موبقة كبرى، القت بضلالها على واقعنا، هي في شكل الهوية الذي اتخذته الدولة العراقية منذ تأسيسها، بأنها دولة ذات هوية قومية عروبية والتي تم استخدامها كنقيض للهوية الوطنية ، أي أنها افتعلت تعارضا بين أن تكون " عراقيا " أو أن تكون " عربيا ". وعلى هذا الأساس فأن الشرط الأول لقياس هوية أي عراقي هو أصله العربي. ومن ثم تبرير سياسة تعريب المناطق غير العربية في شمال العراق . أن هذه السياسة القومية ، أشعرت الفئات العراقية غير العربية بعدم عراقتها وغربتها عن الهوية العراقية التأريخية.
إن المشكلة لا تكمن في الاعتراف بـ"الانتماء العربي للعراق" بل المشكلة في تحجيم هذه الهوية إلى المعنى " القومي والعرقي " الضيق والمناقض والمنافي لمعنى الهوية الوطنية، فالحكومات العراقية خلال العهد الملكي وبعدها أفرغت كلمة "العرب" من معناها القديم وأسبغوا على كلمة العروبة معنى جديد يقترن مع كلمة " امة " وباتت في العراق الحديث تستخدم بشكل متبادل ومتداخل مع مصطلح " القومية " الذي يشير إلى الأممية العربية، بمعنى القومية العربية. التي تم استخدامها بوصفها نقيض للهوية الوطنية ، بل أن الوطنية العراقية أصبحت اقرب إلى الجريمة إذ أطلق عليها "القطرية والشعوبية".
ويعود كل من عدم الاستقرار السياسي والحكم التسلطي في العراق بجذورها إلى تنازع هاتين الرؤيتان حول هوية المجتمع السياسي في العراق، وبالتدريج اتخذت الرؤيتان المتنازعتان على الهوية الجماعية شكلا مؤسساتيا في صيغة تنظيمات وأحزاب سياسية.
فكشفت كتابة الدستور عن وجود أزمة هوية عميقة تعود إلى تأسيس الدولة التي تبنت الهوية العربية وأنكرت خصوصية التنوع في المجتمع العراقي ، إذ رفض الأكراد لغة الدساتير العراقية السابقة (الشعب العراقي جزء من الأمة العربية ) وأصروا على تضمين المادة (7) من قانون أدارة الدولة للمرحلة الانتقالية التي تنص على ( العراق بلد متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لا يتجزءا من الأمة العربية )، والواقع أن اعتراض الأكراد أوجد معارضين من العرب السنة ، الذين اعتبروا ذلك إنكارا لهوية العراق العربية.
وهكذا لم تتفق اي جهة على (هوية وطنية جامعة) وتم كبح الهوية الوطنية كنتيجة فعلية ، لكون الدولة العراقية الحديثة وهيئاتها لم تعبر عن واقع البلد ولا عن تركيبته الاجتماعية المتنوعة ، وأيضا لم تكن سياساتها العامة ذات المنحى الطائفي غير السليم مستجيبة لهذا الواقع ومتطلباته والتي طالت بأثر عميق وحدة ونسيج الهوية الوطنية العراقية.
"ان الازمة ليست بـ(مجتمع مأزوم) بل هي ازمة سلطة؛ فالخلل في ادارة التنوع من السلطة السياسية، من خلال تعاملها مع فئات التنوع اما بالعنف او بالتهميش او بالاقصاء او بالتخوين والدمج القسري، وهذا ما القى بظلاله على التحول الديمقراطية وازمة نجاحه؛ حيث خلقت هذه التطورات بيئة من اللا امن الاجتماعي وتعثر في مسار السياسات الاجتماعية المنفذة على الارض، انها بدون شك حالة من الاختلال تداخلت فيها مجموعة من العوامل قوضت صرح الامن وخلخلت مسارات النمو والتطور، وبذلك شكلت تهديدا جديا للهوية الوطنية والتنمية البشرية المستدامة".
اضافة الى مكمن الخطورة في هذه التحديات هو ما احدثته حالة التداخل في المرجعيات الثقافية الاثنية والقبلية والحرفية والجهوية والمناطقية والحضرية والريفية والطائفية من تأثير سلبي في بنى المؤسسية، واختلال وتشظي في البنية الاجتماعية واشاعة حالة من الفوضى واللأمن فيه، بددت امكانات الشخصية واثارت وبدرجات متفاوتة العوامل الكامنة في البنية الاجتماعية العراقية لحساب الهويات الفرعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة