الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريمون كينو كاتباً الهيغلية

مروة التجاني

2017 / 11 / 6
الادب والفن


بعد قطيعة كينو مع السريالية حاول العودة في كتاباته إلى الأشكال الكلاسيكية بالإضافة إلى التراث البلاغي وتاريخ الأشكال الفنية ، وتضمنت أعماله مفاهيم لمبادئ فكر هيغل اقتبسها من الكسندر كوجيف . في العام 1947م نشرت مجلة " نقد " التي كان يديرها جورج باتاي مقالاً موقعاً بأسم كوجيف بعنوان روايات الحكمة يقترح فيه تفسيراً فلسفياً لثلاث روايات لكينو هي " بيارو صديقي " و " بعيداً عن روي " و " يوم أحد الحياة " ، في هذا المقال أشار الكاتب إلى أن آثار كينو على الرغم من مظهرها المهمل واللامبالي تتضمن أفكار خفية للمفهوم النظري الذي صاغه كوجيف في مناسبات شرحه ليهغل . في مسيرة كوجيف لعب ريمون كينو دوراً كبيراً حيث كان هو الناسخ لمحاضرات كوجيف و كان يحفظ روح الخطاب ويثبته في أسلوب مناسب له ، لكن كينو لم يكتفي بدور الحافظ والناسخ بل نقل المفاهيم إلى آثاره الذاتية .

في روايته " يوم أحد الحياة " نجد بطل الرواية " فالنتان برو " الجندي المسرح من الخدمة شخص متزن ومسالم ومسكون برغبة السفر وزيارة ساحة معركة يينا حيث حارب أحد أسلافه ، حين ذهب بعد عدة سنوات إلى معرض الساحة عاد بتذكار هيغلي يقول " في يينا عرفونا على بيت فيلسوف الماني ، كان في يوم المعركة نفسه يدعوه روح العالم ، فسئل : من كان يدعوا بهذا اللقب ؟ فأجاب : نابليون " لكن بعد عودة البطل ساورت الشكوك المحيطين به عن جدوى رحلته وكانت تزداد مع اجابات البطل " برو " الذي ظهرت لديه موهبة التنبؤ وستقوده في النهاية إلى احتراف مهنة العرافة تحت أسم مستعار . مما سبق في نص كينو نلاحظ أن " برو " يتجسد كحكيم ينظر إلى جميع الأشياء من وجهة نظر نهاية التاريخ الذي يفترض أن تتطابق فترته العلمية مع فترة المعركة وانتهاء هيغل من كتابة كتابه فينومينولوجيا الروح . أن " برو " يفهم الأشياء وفق ضرورتها العميقة ويرى الواقع في نظام تطوره الشامل والمكتمل بشكل منهجي وهو يقبل سياقه الحتمي من دون انفعال ، بل في لامبالاة . حين امتهن العرافة عرف أن كل شئ اكتمل نهائياً في المعركة وأن المستقبل بعد ذلك لا يمكن أن يكون إلا اجتراراً للماضي ، أن ما يكشفه لزبائنه إنما هو ماضيهم الذي سبق له أن استعلم عنه والذي يتضمن كل ما يمكن أن يخافوه أو يرجوه .

يتمثل العاقل عند كوجيف بأنه الشخص الذي ما أن يبلغ نهاية التاريخ حتى يرتفع إلى وعي الذات والمعرفة المطلقة . بعد مجئ الأنسان الكامل والمتحقق في رائ كوجيف في الثنائي هيغل / نابليون ، لا يعود هناك مجال في الفترة التي تعقب نهاية التاريخ إلا لوجود حكماء غير واعيين ، فالوقت بالنسبة إليهم لم يعد موجوداً لأنه يتحول إلى تكرار باهت لماضٍ مكتمل في ذاته . عند كينو يتخذ وعي الذات شكل غريزة وشعور لا يحتاج الفرد للتعبير عنها ، وهذا ما يميز " برو " عن الذين يحيطون به بالرغم من شخصيته المتواضعة وتفاهة نمط حياته ، هو منفصل عن سواه لأنه يقيم مع الزمن علاقة خاصة وهي علاقة انسان نهاية التاريخ ، لم يعد له شأن إلا بزمن رتيب وغير متميز ، زمن يمر من دون أن يحدث فيه شئ ، وهو وأن كان الزمان ذاته وقد أدرك في تمامه لم يعد زماناً تماماً ، في هذه الحدود الملتبسة لا يكاد يميز بين اليقظة والنوم وفيها يتطابق مطلق الوعي مع مطلق اللاوعي . يقول " الزمن الذي يمر لا هو جميل ولا هو قبيح ، هو دائماً ذاته ، ربما هطلت أحياناً الثواني كالمطر ، أو ربما امسكت شمس الساعة الرابعة بضع دقائق وكأنها أحصنة هائجة . قد لا يحافظ الماضي دائماً على التنظيم الرائع الذي تمنحه الساعات للحاضر ، وقد يسرع المستقبل بازدحام ، فتتدافع الأوقات وتتسابق لتنقطع شرائح ، وقد يكون هناك سحر أو رعب ، ظرافة أو دناءة في الحركات المتشنجة لما سوف يكون وما كان " .

في العام 1966م اصدر كينو كتابه غير المكتمل " قصة نموذجية " والذي كتب في مقدمته " هذا الكتاب ليس رواية " وضع فيه مفهومه عن التاريخ . التاريخ الذي يهتم به كينو هو الذي نعيشه ونفهمه ونرويه ، يقول " لو لم تقع حرب أو ثورات لما كان هناك تاريخ ، لما كانت هناك مادة للتاريخ ، التاريخ هو علم شقاء الناس " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب


.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز




.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم