الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة أم ثورتان .. 25 يناير و 30 يونيو؟

رياض حسن محرم

2017 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مرور كل هذه المدة يمكن النظر بشكل متأن للحدثين نظرة تحليلية هادئة، علينا أن نعترق فى البدإ أن لكلا التحركين كثير من الإيجابيات ولا يقلل من عظمتهما أن نتناولهما ببعض النقد والتحليل.
لا خلاف على أن لثورة يناير شأن مختلف، فقد كان للمشاركة الفعّالة بها بعض المخاطر وتحتاج درجة أعلى من الجسارة والثورية، فقد كان المشاركون يعلمون أنهم يعرضون حياتهم للخطر بدرجات قد تصل الى حد الموت خاصة فى بدايات الحدث أيام 25 يناير وجمعة الغضب وموقعة الجمل، ورغم أن الجيش قد أعلن حياديته مبكرا الاّ أن قوات الأمن ظلت حتى لحظة الإنهيار تتعامل بشراسة وبمنتهى العنف مع الثوّار، بالعكس من ذلك شكل الجيش والداخلية مظلة واقية للجماهير فى 30 يونيو جعلت من نزولهم كنزهة خلوية وكان ذلك سببا كافيا لمضاعفة الأعداد الحاشدة أضعاف جماهير يناير.
القاسم بين الموجتين هو غلبة عنصر الشباب عليهما وإن كان ذلك أكثر ظهورا فى يناير، وفى 30 يونيو شارك فيها شرائح عمرية مختلفة وغلب عليها العناصر التى تضررت من ثورة يناير من أنصار النظام السابق وكل القوى المعادية للإخوان، العنصر الآخر أن الحدثين ظلا محصورين بدرجة كبيرة فى المدن الكبرى وعواصم المحافظات ولم يتغلغلا كثيرا فى القرى والمناطق العشوائية، كما غابت "الى حد كبير" القيادة الكاريزمية لأى منهما.
غابت الشعارات الثورية وحضر بديلا عنها شعارات ليبرالية معممة كالعيش والحرية وسقوط حكم المرشد، حتى شعار العدالة الإجتماعية الذى تم رفعه فى 25 يناير جاء مفرّغا من مضمونه الثورى دون تحديد أو تفصيل، بينما تم حصار الثورة فى دائرة الليبرالية السياسية من دستور وتعددات حزبية وتداول السلطة والحريات النقابية، أعقبت ثورة يناير موجة غير مسبوقة من تعدد الإئتلافات والتنظيمات السياسية والنقابات المستقلة، وربما ساعد هذا التعدد المبالغ فيه والغير المبرر فى سهولة ضرب وتصفية تلك التجربة.
من نافلة الفول أن الثورة عموما تحقق نموا غير مسبوق فى الوعى العام والدفع بقطاعات جديدة الى دائرة الإهتمام العام، لكن لم تستطع القوى الثورية الإستفادة من تلك الظاهرة طويلا إذ سرعان ما انفرط عقد تلك الأعداد بعد صدمتها المزدوجة فى القيادات المترددة والنتائج الإقتصادية والأمنية المترتبة على الحدثين والتى جعلت الحياة أكثر صعوبا وعنتا وأثرت بشكل سلبى على الأسعار وفرص العمل والزواج والحياة المريحة لملايين الشباب ناهيك عنما حدث من تدميرها لمجتمعات عربية بالكامل.
الثورة بشكل عام هى حدث إستثنائى لا يمكن تفسيرأسبابه كاملا، ولكن الثورات تحدث عادة بعد محاولة إصلاح مجهضة أو تطورات إجتماعية سريعة وغير مكتملة، حدث ذلك فى أوروبا وفى روسيا وفى دول عديدة بالشرق، وعموما فقد شهدت الموجتين فى يناير ويونيو صعودا حيا للجماهير الغيرمنظمة فى الميادين والشوارع لكنها إفتقدت للقيادة الجماهيرية الفاعلة، حتى ما يعرف ب "جبهة الإنقاذ" غلب عليها الطابع الليبرالى وعدم الإنسجام وتردد وتهافت قيادتها التى لم تعبّر أبدا عن قيادة شعبية صلبة، حتى شعاراتها فلم تستطع تجسيدها في مطالب ثورية مباشرة وجذرية وموحية وقادرة على تحريك واع لتلك الجماهير.
لقد أثبت التحرك الجماهيرى الواسع فى 25 يناير و30 يونيو وفى أعقابهما "خاصة الفترة بين الحدثين" أن مجرد الحشد فى الميادين والتظاهرات الواسعة لا يمكن إعتبارها بديلا عن البناء التنظيمى رغم صعوبته، ففى ظرف دولى وإقليمى سريع الحركة وخفوت تأثير النظريات الكبرى يجب العمل بصبر وأناة على بناء المنظمة الثورية القادرة على طرح شعارات ثورية وعملية قابلة للتنفيذ وقيادة تلك الجماهيير لتحقيقها، لكن للأسف فقد جاءت الثورتين واليسار المصرى فى أسوأ حالاته تاريخيا لأسباب عديدة ليس المجال لتفصيلها، وهو العنصر الأكثر وعيا والأقدرة على حل مسألة الشعارات والقيادة.
لقد إستطاع الرئيس السيسى " ولعلها حسنته الوحيدة" أن يواجه بحزم مخطط تمكين الإخوان المسلمين من حكم مصر، بل أن الرجل خيّب ظن العديدين "وانا منهم" فى الوقوف فى منتصف الطريق ومهادنتهم وفتح آفاق للصلح معهم، بل ظل موقفه متماسكا وقويا حتى الآن، لقد مثّل جشع وخيانة جماعة الإخوان وتسرعهم لالتهام الدولة بأكملها، إلى حد التخطيط والشروع العملي في تنفيذ إجراءات تمس نخب القضاء والأمن والبيروقراطية والمال والإعلام وحتى الجيش نفسه، فضلاً عن تفاهمات وتواطؤ مع الجماعات الإرهابية ورعاتها الإقليميين والدوليين.. هذه التطورات الدرامية السلبية جدًا دفعت قمة المؤسسة العسكرية للتفاعل "الإيجابي" مع الموجة الشعبية والديمقراطية المتصاعدة ضد مخاطر تبلور "جمهورية الإخوان"، فكان لا بد من التحالف مع النخب الليبرالية ومعظم التيارات الوطنية والقومية واليسارية.
بينما نعيش عصر ثورة الاتصال وقوة وتنوع تأثير شبكات التواصل الإجتماعى، نجد القوى الثورية والديمقراطية فى أغلبها لا تعير تلك الوسائل الأهمية الكافية ولا تواكب التغيرات الهائلة فى تلك المجالات وما زالت تعيش عصر العمل السرى وأجهزة الرونيو والمنشورات، لقد تجاوز الواقع تلك الوسائل البدائية كثيرا وأصبحت الأمية الإلكترونية عائقا له وزنه أمام حل كثير من مشاكل العمل اليومى التكتيكى وصياغة مسائل التثقيف والتواصل الفعّال.
ختاما فربما تلاقت رغبة القوات المسلحة " بعد تصفية مرسى للمجلس العسكرى وتسارع محاولاتهم لأخونة الدولة"، ساهم ذلك فى التشجيع الخفى من القوات المسلحة للتحرك المضاد للإخوان وأكيدا فقد كانوا غير بعيدين عن حركة تمرد فى سعيها لجمع توقيعات ملايين المصريين، وربما محاولة إستدراج الجماهير للتظاهر فى 30 يونيو بشكل غير مسبوق، فالذى حدث فى 30 يونيو والأيام القليلة التالية له، فيه بالطبع سمات الثورة الشعبية، ولكن فيه أيضا بعض ملامح الانقلاب العسكرى. لقد خرج الملايين من المصريين، من مختلف الطبقات والاتجاهات، وفى مختلف المدن والمحافظات، يهتفون بسقوط رئيس الجمهورية ونظامه بأكمله، واحتلوا مراكز مهمة فى المدن الكبرى، وأعلنوا عزمهم على الاستمرار فى التظاهر أو الاعتصام حتى يسقط النظام ويرحل الرئيس، مما جعل استمرار النظام من شبه المستحيل، إنها إذن ثورة شعبية لا شك فيها، أنهكت قوة النظام وجعلت من السهل القضاء عليه، وقد أظهر الجيش نحوها تعاطفا ولكنه لم يبدأها ولم يشترك فيها مباشرة ، ومع ذلك فإن النظام لم يسقط إلا بإجراء اتخذه الجيش، وجاء الحدث الأكبر فى 3 يوليو بقيادة عبد الفتاح السيسى محققا أقصى ما كنا نحلم به من عزل لمرسى وجماعته وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا وتحديد خارطة للطريق تضمن إنتخابات تشريعية ورئاسية.
الخلاصة أن الموجة الثورية التي بدأت في يناير 2011 قد انتكست بحكم الإخوان، والموجة الثورية الثانية قد اجهضها العسكر، والمستقبل غامض ويعتمد فى الأساس على رغبة وقدرة الحركة الشعبية الثورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في