الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجدّان ..مفسدة الأجيال!!

مارينا رزق

2017 / 11 / 7
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الجدّان ... مفسدة الأجيال!!

تربية الأطفال هي من أصعب مهن البشرية... مهنةٌ لاقواعدَ واضحة لها، ولا تدريب يسبق العمل فيها ... ولا أجرَ في النهاية...
وكثيراً ما تزيد صعوبة هذه المهمة بسبب سلوك الجدين، خصوصاً الجدات في تدليل الأطفال ... خلافاً لما قد ترتأيه الأمهات في سياق التربية اليومية لأطفالهنّ.
كثيراً ما تجد الأمهات أنفسهنّ في مواجهةٍ حاميةٍ مع جدة الطفل (والدتها أو حماتها) خاصةً الأمهات الشابات منهن وحديثات العهد بالأمومة... بينما يستمتع الطفل بهدوء بالحلوى الممنوعة أو البرنامج التلفزيوني الإضافي أو ساعات اليقظة بدل النوم الباكر أو أو .... بعد أن أسكتتها كلمة الجدة: ربينا أجيالاً قبلكِ!

هل صحيحٌ أن الجدات مفسدة الأجيال؟؟؟ يقضين بتسامحهنّ على قواعد الحياة الصارمة التي تحاول الأمهات تعليمها للصغار؟
أم أنّ الأمهات يتحاملّن على الجدّات...؟ أم ماذا؟؟

كالعادة لا يوجد حكمٌ عام على الموضوع من الناحية النفسية لكن هناك بعض أفكار عامة قد تفيد في بحثه.

إنّ وجود أشخاصٍ كبارٍ في حياة الطفل تختلف آراؤهم فيما بينهم هو أمرٌ طبيعي، وهذا الاختلاف هو صورةٌ عن العالم الحقيقي الذي سيعيش فيه الطفل حياته كلّها. فإن تمكن هؤلاء الأشخاص أن يتعاملوا فيما بينهم بطريقة يحترم فيها الواحد اختلاف الآخر ويتعامل مع هذا الاختلاف بأقلّ ما يمكن من التشنج والعصبية... كان هذا درساً مناسباً للطفل في طريقة التعامل مع الآخر في المدرسة ...فالشارع...فالعمل ... فالدنيا على وسعها.
وهكذا فماما قد لا تتفق مع بابا، لكنّها تدعمه في تصرفه مع الطفل ولا تهاجم أفكاره وسلوكه أمام ذاك، فمكان النقاش والاتفاق أو الاختلاف بينهما لايكون أمام الطفل، وإن صعب الاتفاق بينهما في وقتٍ ما ترك أحدهما المجال للآخر في تدبير الموقف الحالي دون إظهار اختلافه.
كذلك الأمر مع الجدّين.
قد لا يتفق الوالدان مع الجدّين في طرق تعاملهما مع الطفل، لكنّ الاحترام المتبادل يظلّ سيد الموقف.
على الوالدين أن يدركا أنّ هناك أرضاً لا تصلها سلطتهما وهي بيت الجدين أو غرفتهما.عليهما أن يحترما هذه العلاقة الخاصة بين الطفل وجدّيه وأن يساهما في تطورها. وفي المقابل يتعامل الجدّان مع سلطة الوالدين بقدرٍ مشابهٍ من التقدير فلا يهاجمانها مباشرةً وفي حضور الطفل بل يأخذان دور الناصح والمعين ما أمكن ذلك.
لا مانعَ أن يدرك الطفل أن قواعدَ الحياة في بيت الجدين مختلفة عنها في بيت الوالدين، وأن يتمتع في بيت جدّيه بنوعٍ من حريةٍ لامكان لها ولا مجال لتطبيقها في بيت الوالدين.
لا يعني هذا أن يتخلى الوالدان عن قواعد الحياة لديهما، فهذه ضرورية كضرورة الغذاء والهواء للطفل.
قواعد الحياة اليومية تعطي الحياة نظمها وتمنح الطفل أماناً لايعرفه دونها.

من جهةٍ أخرى، بيت الجدّين هو واحة حقيقية تُفرح قلب الطفل. يلجأ إليها وقت الشدّات التي قد يتعرض لها، فتريحه وتحميه.
الطفل في حاجةٍ إلى مكانٍ وسيط يمكنه اللجوء إليه إن تعذر الاتفاق مع والديه، في حاجةٍ لشخصٍ يساعده في التفاوض إن تعذر هذا الأمر مع الوالدين.
لا يبوح الطفل لأهله بكلّ شيء، فمنطقه وإدراكه للأمور يختلف عن منطق الكبار. قد لايحسن تقدير خطورة أمرٍ ما أو تفاهته، أو قد يخاف على والديه أو يخشى ردّة فعلٍ غاضبةٍ سريعةٍ من قِبلهم، أو قد يصدق تهديداً ما يبتزّه به شخصٌ مجرمٌ... لذلك فوجود أشخاصٍ كبارٍ آخرين في حياة الطفل هو أمرٌ ضروري، يستطيعون مساعدته على فهم ما تعذّر عليه فهمه، ويلعب الواحد منهم دور الوسيط بين الطفل وأهله، فيعيد مياه التفاهم إلى مجاريه ويمنع سيادة الصمت أو العنف فيما بينهم.

من موقعي كطبيبة نفسية تعاملت مع قصصٍ عائلية مؤلمة، كان الحلّ الوحيد الذي أدركته عينا الطفل الصغير أو المراهق، حلاً مؤلماً.. عنيفاً... بينما كان بالإمكان أن يتدخل أحد جدّي الطفل (أو أيّ شخصٍ "كبير" يثق فيه الجميع) لإيجادِ حلّ وسط يناسب الجميع.
مراتٍ كثيرة كان يمكن أن تكون لقصصٍ فظيعةٍ نهاياتٍ مختلفة لو تدخل جدّ الطفل ودعاه لزيارةٍ طويلةٍ ينسى فيها حبّه الضائع، أو يبوح خلالها بخوفه من عصابةٍ تضربه في المدرسة، أو من شخصٍ يهدده عن طريق الانترنت....
حسنُ التفاوضِ مهارةٌ تزداد قيمتها بالخبرة، وقد تكون هذه خبرة الجدّين هي ما تحتاجه العائلة لتجاوز أزمةٍ ما.

في النهاية، إن العمر الطويل الذي عاشه الجدّان وكونهما قد ارتكبا أخطاء الوالدين منذ سنواتٍ بعيدةٍ، يمنحهما معرفةً من نوعٍ خاص...معرفة أن الزمن يداوي جراح الانسان، وأن آثار مروره قد تغطي بعض أخطاء الناس. تمنحهما خبرتهما في الحياة بعضاً من برودة الرأس في مواجهة المصائب كبرت أو صغرت، برودةٌ يفتقدها الوالدان لتماسّهما المباشر بالمشاكل اليومية بتعبها وعبء تدبيرها. فيكاد يكون موقع الجدّين كموقع القائد العسكري الذي يجلس في مكتبه ويوجه من بعيد القائد الميداني في خوضه للمعارك.

الجدّان حليفان رائعان وبيتهما مكان راحةٍ للأهل قبل الأولاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انا و حفيدي
طلال مجيد ( 2017 / 11 / 7 - 18:46 )
هذا الموضوع جديد كليا في الحوار المتمدن وقد سرني كثيرا لاني جد ولي حفيد كالعسل و احلى مثل كل الاحفاد بالنسبة للاجداد.عندما تزورنا ابنتي و ابنها ارى انها تتصرف معة بقسوة مثل تحديد وقت مشاهدة افلام كارتون او اجباره على الذهاب الى النوم بوقت محدد و هو يقاوم ذالك ربما لشعوره بوجود من يؤيده و يقف الى جانيه وهي تصر على تعليمة الانضباط فبيدأ بالبكاء و العويل وفي بعض الاحيان انفجر في وجه ابتي و اطلب منها بحدة ان لا تذل حفيدي و هذا مصدر لنرفزتي و فقدان توازني. اما في الاوقات الاخرى فان حفيدي متعلق بامه جدا وان وجوده متعلق بوجودها معه او بالقرب منه. حفيدي قارب عمره الخمس سنوات و هو الابن البكرا لابنتي. احاول ان اعود نفسي على انها المسؤولة عنه بالدرجة الاولى و لها الحق بتربيته بالطريقة التي تراها مناسبة لكن عاطفتي هي الغالبة. شكرا دكتورة مارينا على هذه المقالة المفيدة و الجميلة

اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح