الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة في سوريا تبدأ بالمصارحة..ومن حق شعب سوريا أن يكون سيد قراره

طارق ليساوي

2017 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


المصالحة في سوريا تبدأ بالمصارحة ...ومن حق شعب سوريا أن يكون سيد قراره ...
د.طارق ليساوي
أهم حدث في الساحة الدولية خلال الأسابيع الماضية، هو التحول الدراماتيكي في الموقف الدولي حول الوضع السوري، فقد تغيرت التحالفات بشكل عجيب، و انتقلت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والعكس بالعكس، لا يمكن بأي حال من الأحوال إحالة هذا للعامل العسكري وحده، بل هو نتاج لعدد من المتغيرات الدولية والإقليمية..و لعل هذا التحول هو تعبير عن نفاق دولي و استهتار بمصالح و أمن الشعوب، و تصفية حسابات إقليمية بتأجيج حروب أهلية ونزاعات طائفية مدمرة، فالجريمة ضد الشعب السوري لا ينبغي أن تمر بسلام، و المصالحة لا تتم إلا بالمصارحة...
فالاحتجاجات السورية التي انطلقت في بداية منتصف مارس 2011ضد القمع و الكبت الحريات و على إثر اعتقال 15 طفلا في27-02-2011 وتعذيبهم لأنهم كتبوا عبارات مناهضة للنظام متأثرين بالاحتجاجات التي اجتاحت الوطن العربي مع مطلع 2011 و بخاصة الثورة التونسية و ثورة 25 يناير في مصر، الاحتجاجات في سورية كانت عادية وطبيعية و متوقعة، كما أن سياسات القمع و تكبيل الحريات ليست تيمة خاصة بالنظام السوري وحده، بل هي قاسم مشترك بين باقي الأنظمة العربية...
حوالي ست سنوات من الدمار الممنهج، الذي تعرض له الشعب السوري و الدولة السورية، التي هي ملك للأمة السورية، و ليست حكرا لجماعة أو نظام، فمن المستفيد من تدمير سورية، و تشريد شعبها وتفتيت العقد و السلم الاجتماعي الذي عاشته سورية منذ قرون؟ سؤال من الصعب الإجابة عنه ، فدم الشعب السوري تفرق فالأعداء كثر وعلى رأسهم إسرائيل، ما حدث في سورية عدوان و جريمة حرب على هذا الشعب، لكن للأسف من له الصلاحية و الأهلية لفتح تحقيق محايد و محاسبة الجناة..
من المؤكد أن النظام السوري ارتكب جناية في حق هذا الشعب، بل إن كل نظام حاكم يرفع السلاح في وجه شعبه يفقد مبرر وجوده ، النظام السوري على رأس الجناة وأي محاولة لتجميل هذا الوجه القبيح هو شهادة زور، لكن لابد من الإقرار أن أزمة سورية أماطة اللثام على نفاق دولي و إقليمي لا شبيه له، و أظهرت أن دم الشعوب العربية والإسلامية لاقيمة له لدى حكام وقادة هذه البلدان أولا، و لدى دول وشعوب العالم المتحضر ثانيا، فالمستهدف من هذا الدمار و التنكيل هو الشعب السوري و ليس النظام السوري أو رأس بشار الأسد...
اللاعقلانية و الأحقاد الطائفية و تضارب المصالح الدولية دمرت سورية، لكن على الرغم من كل هذا ينبغي التحالف لوقف هذا النزيف، وتغيير بوصلة الانحدار نحو الهاوية، و تغيير هذا الواقع الدموي و صياغة مستقبل سورية، لكن التحول من الدمار إلى البناء لا يمكن أن يتم بأيدي الجناة، فمن تعود على الهدم من الصعب أن يبني،لكن سورية في حاجة ماسة لحلول نسبية و توافقات مجتمعية واسعة النطاق، لإعادة صياغة عقد اجتماعي يجمع لحمة الشعب السوري من جديد بعيدا عن النزعة الطائفية و الحسابات الإقليمية...
نعم هناك دماء سفكت و أعراض انتهكت و أموال سلبت و دور دمرت، لكن هذه المعركة لن ينتصر فيها أي سوري، لأجل ذلك على عقلاء و حكماء سورية أن يبحثوا عن الوسط المفقود منذ ست سنوات، والابتعاد عن الانصياع للإرادة الخارج، فأي تسوية ينبغي أن تنبع من إرادة داخلية حتى يمكن لها أن تستمر و تترسخ وتتسع أفقيا و عموديا، وليس من المعيب تقديم تنازلات حقنا للدماء ، و اسمحوا لي ، سأقص عليكم حكمة تعلمتها من أستاذ صيني تشرفت بالتتلمذ على يديه، كنت يوما أناقشه عن كيف استطاع الشعب الصيني تجاوز ويلات "القفزة الكبرى"و "الثورة الثقافية" و الدسائس التي أنتجتها "عصابة الأربع" فأجاباني : من الضروري أن نبتعد في تسوية الخلافات عن منطق الأبيض أو الأسود، و نتبنى حلول وسط فليس من المهم إلغاء الخصم و تحقيق مكاسب مطلقة، فهذا انتصار مؤقت سرعان ما سيتحول لهزيمة، لأنك ملزم بالدفاع عنه لان خلفك خصما لم تترك له شيئا سوى البحث عن معركة مستقبلية يحاول من خلاله تعديل الكفة وإرواء عطش حقده و غله، فنسبية في الحلول و المواقف يقود إلى معالجات دائمة وآمنة..
فالحلول النسبية و التوافقات القائمة على الاعتدال و الوسطية و التسامح والعفو، سرعان ما تقود إلى الخير و النفع العام، لاسيما و أن تاريخنا الإسلامي يزخر بهذه النماذج الإنسانية التي تغلبت عن نزعة الانتقام، وغلبت منطق الرحمة والتعايش، فكلنا يذكر مقولة النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما فتح مكة، و الناس ترتقب ماذا سيكون قراره ، فإذا به يقول لأهل مكة سيروا فانتم الطلقاء، لم يكن محمدا عليه الصلاة والسلام عاجزا عسكريا على إبادة والتنكيل بمن طردوه و حاصروه و عذبوا أتباعه، لكنه كان رحيما و حاملا لرسالة عنوانها الأكبر حفظ كرامة الإنسان و حقن دمه و صون حريته و عرضه..
نتمنى من إخواننا السوريين أن يجلسوا على طاولة المفاوضات وجها لوجه، و بعيدا عن هيمنة الأجنبي فمن يدفع الثمن بالنهاية هم أهل سوريا، لكن كل تسوية لن تفرز دولة سورية قوية متماسكة ينعم شعبها بالحرية و الكرامة و الحق في اختيار حكامه، لن تكون تسوية سليمة ، فالدماء التي سفكت لايمكن بأي حال من الأحوال أن تذهب سدى، فهي ضريبة دفعت لبناء سورية قوية، اختلفت وجهات نظر السوريين في حبهم لبلدهم، لكن خطأ الجميع أنهم انصاعوا لأجندة الأجنبي...
التحدي هو استقلال سوريا و رفع كل وصاية على القرار السوري، التحدي هو محاسبة الجناة المحليين والدوليين محاسبة قانونية ونزيهة و على أرض سورية..طريق المصالحة تبدأ بالمصارحة و بالعودة إلى ما قبل عسكرة حراك سوريا، فمطالب الشعب كانت عادلة و لازالت عادلة فمن حق هذا الشعب العظيم أن يكون سيدا لا أن يكون وقودا لتصفية خصومات دولية... "هذا بيان للناس وهدى و موعظة للمتقين" (الآية 138 آل عمران) ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر