الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم والإرهاب الديني: هل للإرهاب صيغة إسلامية فقط؟

وديع بِكِيطة.

2017 / 11 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


العلم والإرهاب الديني: هل للإرهاب صيغة إسلامية فقط؟
- وديع بكيطة.
تتبع جزء من مراحل تاريخ الإنسانية، يُقر بكون العنف ممارسة طبيعية، تجري بين النوع البشري، كما تجري بين الحيوانات الأخرى، فهو أحد أنواعها الأكثر خبرة في ممارسته، لأنه يعتمد على ذاكرة، تؤهله للاستفادة من أنواع العنف الممارسة من طرف الكائنات الأخرى، حيوانات مفترسة... بحيث يمكن القول أن الميزة التي يتميز بها الجنس البشري عن سائر الأجناس، هو كونه "الحيوان الأكثر عنفاً".
يمكن تقسيم مراحل هذا العنف إلى ثلاث محطات، تجسد كل مرحلة لنوع معين من العنف؛ المرحلة الأولى: تمثل مرحلة الصراع البشري حول الأكل والشرب ومناطق النفوذ، وهي الفترة الأطول تاريخيا. المرحلة الثانية: وهي مرحلة أشد عنفا من سابقتها نظرا لارتباطها بولادة الأديان الشعبية ومن ثم الرِسالية، وتناحرها فيما بينها، بحيث كلما تطور دين من هذه الأديان إلا وازدادت حوافه حدة، الجماعات الهامشية، نظرا لمطالبتها بالحقيقة الكاملة، واقصائها لباقي الاطراف، سواء كانت من نفس الجماعة الدينية أو من عقائد مختلفة. المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الصراع المرير بين العلم والدين وأنماط التدين، بين الجهل واللاجهل، بين التحضر والبداوة... وقد بدأت هذه الفترة مع النضوج الأولي للعلم بالقرن العشرين، الذي هو نتيجة لعصري الأنوار القرن الثامن عشر والتاسع عشر.
لا يمكن أن ننظر لتطور الجنس البشري طبقا لمسار مستقيم، مثلما تتوالى الأرقام، لأن المجتمعات تختلف كما تتنوع جغرافيتها وأزمنتها الخاصة بها، فهنالك مجتمعات لا زالت تقبع في حدود المرحلة الأولى، مثلما هو الأمر بالمناطق المعزولة بافريقيا وآسيا واستراليا والأمريكيتين... ومجتمعات لا تزال تتحصن بقلاع الدين والتدين، لتوهيم الإجابة عن أسئلة وجودية، ولها مسميات منها؛ بوذية، هندوسية، يهودية، نصرانية، مسيحية، اسلامية، احمدية.... وتتميز المرحلة العلمية بكونها فردية، لا تهتم بالجماعة، بحيث توازي هذه الفردية الشخصية، حالة من النسبية المعرفية في سائر العلوم، مع الغياب التام للأحكام المطلقة، والتشكيك بالذات والأشياء.
يبدأ خطر العنف يتنامى ليُصبح ارهاباً مؤسسا لجماعة مذهبية دينية ما، عندما تجد هذه الجماعة نفسها أمام نظريات وتفسيرات علمية مخالفة لها، لأن النسق الاسطوري والديني الذي كانت تخدر بها أتباعها، لن يعود ذا مفعول، لذلك فهي أمام خيارين لا ضِعْفَ لهما، إما أن تحتمي بتأويل نصوصها المقدسة لتساير ولو جزئيا تقدم العلوم، كما فعلت الكثير من الطوائف الدينية؛ نموذج البوذية، اليهودية، المسيحية، الاسلام، الاحمدية... وإما تلجأ إلى القراءة الحرفية لنصوصها، وتُعلن مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا، وهي بذلك تنفي كل ما جاءت به العلوم، وتقدم نفسها باعتبارها مَركب الخلاص، كما تستنجد بتاريخها المقدس، عندما يغيبُ الاستشهاد من النص المَبني عليه؛ وداخل هذا التيار تقوم جماعات بتعطيل جانب العنف وتركز على ما هو إنساني، وهي بذلك تضمن بقاءها ولو لحين، وعدم دخولها لمعترك الصراع مع العلوم.
إن الإرهاب الذي تعيشه الإنسانية الآن، لا يشكل سوى البداية لمسلسل مأساوي تعشيه وستعيشه المجتمعات اللاحقة إلى حدود الألفية الثالثة، نظرا لحدة الصراع بين العلوم والأديان، لأن الدين والتديّن بأنماطه لن يرض بالاكتشافات العلمية المتسارعة، وسيحاول جاهدا ضرب مراكزها عبر عنف مؤسس من جماعات إرهابية تنتمي إلى مختلف التوجهات الدينية؛ ففي كل فترة ستظهر جماعات متطرفة من كل جانب، ستحاول جذب الانتباه إليها عبر فِعل القتل؛ فالعنف صيغة بشرية "لأننا أشد الحيوانات شراسة وفتكا، جسدياً ورمزياً"؛ إن داعش ومثيلتها "بوكو حرام" اليوم ليس سوى نحت مماثل بنفس الوحشية "لمحاكم التفتيش" والحركات اليهودية التي أرعبت أروبا بين الحربية 1918/1939م، والحركات المسيحية؛ جيش الرب، البرق الشرقي (كنيسة الله القادر على كل شيء)، جيش مقاومة الرب (بأوغندا)، الجبهة الوطنية لتحرير تريبورا (NLFT)، المسيحيين المعنيين، كهنة فينس... والبوذية؛ حركة 969 ... والمشترك بين هذه الجماعات التي ستظهر بعد ذلك، هو أنها تَرفض العلوم، وتنشر الحقد والكراهية.
بالرغم من صحة التفسيرات المادية والنفسية في دراسة هذه الحركات الارهابية، إلا أنها تنسى كون الإرهاب تمركز حول المعتقد، أي المطلق، بدل النسبي، أي العلوم، كما أن العلوم ذات بُعد فردي، تخص الفرد بذاته في تطوره العقلي والوجداني وليس لها أي بُعد مشترك عدا التجربة العلمية، لذلك يجد الإنسان الحر نفسه محاصرا لغويا ورمزيا بمجموعة من القواعد الاجتماعية والثقافية، التي تحد من حريته، فحتى اللغة العلمية لم تتحرر بعد من المسكوكات اللاهوتية، فما عسى اللغة اليومية.
إن نشر العلوم وفتح فضاءاتها عند كل الشعوب هو السبيل الأوحد من أجل الخروج من هذا النفق، في أقل وقت ممكن، لكن هذا المَنال صعب في ظل تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية بين الشركات والدول، أما الدعوات المتكررة "لحوار الأديان والمذاهب والطوائف"، فليست سوى تربية وهَدْهَدَة لكائن عنيف، سيستفيد لا محالة من كل ثانية نتركُها فيها يَلعب باسم "الجانب الروحي للإنسان"... إن الإرهاب ينطلق شاباً معتدلا من المؤسسة الدينية، لكنه يصير شيخاً مُذَبحا للجميع عندما يرى نفسه على حافة النهاية، وكما يُقال: أن حتى الله لا يقدر أن يحارب ضد الضرورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟